كل صاحب فطرة سليمة به بذرة خير فلنساعد في تنميتها
كل إنسان صاحب فطرة سليمة يكمن في جسده بذرة خير يجب علينا أن نساعده في تنميتها حتى تصبح شجرة طيبة , غراسها الإيمان والثبات على هذا الدين فيصبح هذا الإنسان زارعا لبذور الخير والإسلام في نفوس الآخرين ومؤثرا فيهم .
الفطرة السليمة
يقول نبينا محمد صلى الله عليه وسلم ( كل مولود يولد على الفطرة، فأبواه يهودانه أو ينصرانه أو يمجسانه، كما تلد الشاة بهيمة جمعاء، هل ترون فيها من جدعاء ) فالفطرة هنا كما فسرها العلماء في هذا الحديث هي الإسلام .
فالله سبحانه وتعالى قد خلق الإنسان وجعل لديه نوازع فطرية خيرية , وأنزل الإسلام كي يأتي متوافقا مع هذه النوازع الفطرية وليس هذا فحسب بل يسمو الإسلام بهذه النفس فتجد الأوامر والنواهي في الشريعة الإسلامية توّجه الإنسان وتأخذ به إلى الخصال الحميدة فتجده يؤمن بالله وبرسوله وبكتبه ويبث روح الإسلام في جميع من حوله ويؤثر فيهم وفي ذلك توجيه من الله عز وجل حيث يقول : ( فَأَقِمْ وَجْهك لِلدِّينِ حَنِيفًا فِطْرَة اللَّه الَّتِي فَطَرَ النَّاس عَلَيْهَا لَا تَبْدِيل لِخَلْقِ اللَّه ) لذلك تكون النتيجة الطبيعية كما أخبرنا بها رسول الله صلى الله عليه وسلم (من ذاق حلاوة الإيمان، من رضي بالله رباً وبالإسلام ديناً، وبمحمد نبياً ورسولاً ) وبالتالي يحوز الإنسان على الدرجات العليا ويكتسب مقاما رفيعا في الآخرة ويكون مستقره ومستودعه جنة عرضها السموات والأرض ..!
كيف يكون صاحب الفطرة السليمة متقبلا للإسلام ..؟!
أحيانا قد تكسب إنسان وتهديه الى الصراط المستقيم بمجرد إبتسامة أو بكلمة طيبة أو بهديه وأحيانا أخرى ومن كلمة صادقة قد تجد هذا الإنسان يقدم الغالي والنفيس من أجل هذا الدين , فتجده ملتزما بشرائع إسلامنا الحنيف وبأوامره ونواهيه بل ويقدم نفسه رخيصة من أجل مرضاة الله عز وجل ..!
ويحضرني في ذلك قصة قرأتها منذ مدة وهي تبين مدى تقبل صاحب الفطرة السليمة للإسلام حكاية مؤثرة عن أم إبراهيم الهاشمية من نساء البصرة العابدات: بأنه لما أغار العدو على ثغر من ثغور المسلمين قام عبد الواحد البصري خطيباً في الناس ووعظهم وحثهم، وكانت هذه المرأة حاضرة مجلسه، وأثر فيها ما أفاض فيه بوصف الحور العين.
فوثبت أم إبراهيم من مكان النساء وقالت له: يا أبا عُبَيْد ألست تعرف ولدي إبراهيم وكل الوجهاء يخطبونه على بناتهم، وأنا أضن به عليهم، لكن والله لقد أعجبتني تلك الجارية التي ذكرتها في حديثك عن الحور العين، وما تمتاز به وأنا أرضى بها زوجة لولدي إبراهيم، فهل تعينه في تزوجه بها، وتأخذ مهرها مني عشرة آلاف دينار، ويخرج ولدي معك في هذه الغزوة فلعل الله يرزقه الشهادة فيكون شفيعاً لي ولأبيه يوم القيامة؟ لاستقامته وحرصه على أوامر الله ورسوله اتباعاً، وبعده عن نواهيها اجتناباً.
فشجعها عبد الواحد فنادت ابنها، وقالت: قم فوثب إليها وقال: لبيك يا أمّاه، قالت: أي بني أرضيت بهذه الجارية زوجة لك، ببذل مهجتك في سبيل الله، وترك العود في الذنوب فقال: أيْ والله رضيت فقالت اللهم إني أشهدك أني زوجت ولدي إبراهيم هذه الجارية ببذل مهجته في سبيلك وترك العودة في الذنوب، فتقبله مني يا أرحم الراحمين ثم انصرفت وجاءت بعشرة آلاف دينار، وقالت: يا أبا عبيد هذا مهر الجارية تجهز به وجهز له فرساً وسلاحاً، فخرج إبراهيم مع عبد الواحد، وفي وداعه مع أمه دفعت إليه كفناً وحنوطاً وأوصته ثم قبّلت ما بين عينيه وقالت: لا جمع الله بيننا إلا بين يدي الله في عرصات يوم القيامة، وفي المعركة برز إبراهيم في المقدمة، وقتل من العدو عددا كثيراً، ثم قتلوه وعند عودة الغزاة، خرجت أم إبراهيم مع الناس يتلقونهم، فلما أبصرت عبد الواحد، قالت: هل قبلت هديتي فأهنأ أم ردت فأعزّى، فقال لها: لقد قبلت والله فخرت ساجدة شاكرة الله، ثم قالت: الحمد لله الذي لم يخيب ظني وتقبل نسكي وانصرفت.
فلما جاء الغد أتت وسلمت، وقالت بشراك يا أبا عبيد لقد رأيت البارحة إبراهيم ولدي في روضة حسناء، وعليه قبة خضراء، وهو على سريرمن اللؤلؤ، وعلى رأسه تاج وأكليل وهو يقول لي: يا أماه أبشري فقد قبل المهر وزفّت العروس.. فهنيئاً لأم إبراهيم، ولكل أم تنشئ أولادها على دين الله وحب الخير..
فسبحان الله .. كانت هذه الأم ترفض أن تزوج أبنها طمعا في زوجة جميلة الخلق ولا تكترث لجمال الأخلاق ولكن حين بث في نفسها الشيخ عبد الواحد روح التضحية والفداء تقبلت فطرتها السليمة تلك الخطبة والكلمة الصادقة فقامت بإرسال ولدها إلى الجهاد في سبيل الله وهي على يقين من أنه لن يرجع إليها إلا محمولا على الأكتاف أو أنه سيستشهد ولن تراه أبدا ..!!
هكذا يجب أن يكون كل إنسان صاحب فطرة سليمة أن يضع لنفسه تصورا ويسلك خطة منهجية من أجل أن يكتسب رضى الله عز وجل أولا ومن ثم يسعى في مناكب الأرض يهدي إلى دين الله القويم الذي يهذب نفوس البشرية ويرتقي بالمجتمعات فتجد كل إنسان يبث في نفس صدقه نفس المعاني ونفس الكلمات فنرتقي بهذا الدين وننشره بين الخلق أجمعين ..!
نقطة أخيرة ..
تأكيدا على كلامي .. حين تنظر في عين هذا الإنسان صاحب الفطرة السليمة أو تلاحظ تحركاته تجد عنده تقبلا لهذا الدين فبرغم إنغماسه في المعاصي تجد أنه ينتظر منك فرصة كي تخرجه وتنقذه من هذا المستنقع .. وتحضرني قصة واقعية أخبركم بها وقد عايشتها لأحد أصدقائي من الثانوية العامة فقد كان هذا الأخ يسمع للأغاني المحرمات ويلبس لباس لا يرضى الله عز وجل وكان غارقا في اللهو والمعاصي ولكن حين حاول أحد الإخوة مصادقته وقد تأثر ذلك الشاب بكلام ذلك الأخ الملتزم إنقلبت أخلاقه رأسا على عقب وصار أخا روحانيا وملتزما يتأثر بخشوع لكلام الله عز وجل ويبكي ويبكي بحرقة على ما فاته من طاعة لله عز وجل وعلى ما كان يمضيه من إرتكاب للذنوب والمعاصي .. وما زال على هذه الشاكلة حتى اليوم ونسأل الله لنا ولكم الثبات على هذا الدين ..
فإذا كان هذا حال الشاب الذي رأى الإلتزام في سن صغيرة وها هو الآن وبعد مضي أكثر من ثماني سنوات على الإلتزام وإن شاء الله يقبض على ذلك .. فكيف حال الذين تقطعت بهم الأسباب ومضى بهم العمر حتى وصلوا الى سن كبير وهم ما زالوا في غفلة عن طاعة الله عز وجل .. قد تجد فيهم فطرة سليمة وبذرة خير تنتظر من يأتي وينميها ..!
الروابط المفضلة