بسم الله الرحمن الرحيم
والحمد لله رب العالمين
والصلاة والسلام على سيدنا محمد ..
o0o=o0o=o0o
جميل أن نحمل في قلوبنا أملاً ، لكي نعمَّر الكون بكل أنواع الخير ، فالإنسان مفطور على حُب الحياة .. لكن لابد من الحذر من أن يحول طول الأمل بيننا وبين طاعة الله عزوجل ..
فإن صاحب الأمل الطويل في الدنيا يركن غالباً إلي الشهوات والملذات ، ولذلك نجد قلبه لا يتحرك لآيات الله وكلام رسول الله صلى الله عليه وسلم.. ومن أجل ذلك حذَّر النبي صلى الله عليه وسلم من طول الأمل ..
ولقد قال الله تعالى عن هذا الصنف :
" ذَرْهُمْ يَأْكُلُوا وَيَتَمَتَّعُوا وَيُلْهِهِمُ الْأَمَلُ فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ"
( الحجر:3)
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:" يهرم ابن آدم ويشبُّ فيه اثنان: الحرص على المال والحرص على العمر"
فعن ابن عمر – رضي الله عنهما – قال: أخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم بمنكبي فقال :" كُن في الدنيا كأنك غريب أو عابر سبيل ", وكان ابن عمر – رضي الله عنهما – يقول : إذا أمسيت فلا تنتظر الصباح، وإذا أصبحت لا تنتظر المساء ، وخُذ من صحتك لمرضك ومن حياتك لموتك .. زاد أحمد والترمذي :" وعدَّ نفسك من أهل القبور" ..
o0o=o0o=o0o
قال الإمام القرطبي : وطول الأمل داء عُضال ومرض مزمن ومتى تمكن من القلب فسد مزاجه واشتد علاجه ولم يفارقه داء ولا نجح فيه دواء، بل أعيا الأطباء ويئس من برئه الحكماء والعلماء..
وحقيقة الأمل : الحرص على الدنيا والانكباب عليها، والحب لها والإعراض عن الآخرة.. ولذا قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :" صلاح أول هذه الأمة بالزهد واليقين، ويهلك آخرها بالبخل والأمل ."
ويُروى عن أبي الدرداء رضى الله عنه أنه قام على درج مسجد دمشق فقال: يا أهل دمشق، ألا تسمعون من أخٍ لكم ناصح ؟! إنّ من كان قلبكم كانوا يجمعون كثراً ويبنون مشيداً ويأملون بعيداً، فأصبح جمعهم بُوراً وبنيانهم قبوراً وأملهم غروراً . هذه عاد قد ملأت البلاد أهلاً ومالاً وخيلاً ورجالاً.. فمن يشتري مني اليوم تركتهم بدرهمين ! وأنشد..
يا ذا المؤمل آمالاً وإن بَعُـــدت منه ويزعم أن يحظى بأقصاها
أنَّى تفوز بما ترجوه ويكَ ومـا أصبحت في ثقة من نيل أدناها
وقال أيضاً: ابن آدم طأ الأرض بقدمك؛ فإنها عن قليل قبرك، ابن آدم إنما أنت أيام فكلما ذهب يوم ذهب بعضك، ابن آدم إنك لم تزل في هدم عمرك منذ ولدتك أمك ..
وقال الحسن : ما أطال عبدٌ الأمل إلا أساء العمل، وصدق رضى الله عنه !
فالأمل يكسل عن العمل ويورث التراخي والتواني، ويعقب التشاغل والتقاعس، ويخلد إلي الأرض ويميل إلي الهوى. وهذا أمر قد شوهد بالعيان فلا يحتاج إلي بيان ولا يُطلب صاحبه ببرهان ؛ كما أن قصر الأمل يبعث على العمل ، ويُحيل على المبادرة ، ويحثّ على المسابقة.
أقام معروف الصلاة ، ثم قال لمحمد بن أبي توبة: تقدَّم، فقال : إن صليت بكم هذه الصلاة لم أصل بكم غيرها، فقال معروف: وأنت تحدث نفسك أن تصلي صلاة أخرى، نعوذ بالله من طول الأمل فإنه يمنع خير العمل..
وعن سلمة بن بشير أن أبا هريرة رضي الله عنه بكى في مرضه فقيل: ما يبكيك؟ فقال: أبكي لبعد سفري ، وقلة زادي وأني أصبحت في صعود مهبطه على جنة أو نار فلا أدري إلي أيتها يسلك بي"
وقال ابن عيينة : أوحش ما يكون ابن آدم في ثلاثة مواطن : في يوم ولد فيخرج إلي دارهم، وليلة يبيت مع الموتى فيجاور جيراناً لم ير مثلهم، ويوم يُبعث فيشهد مشهداً لم ير مثله قط، قال الله تعالى ليحي بن زكريا في هذه المواطن:
" وَسَلَامٌ عَلَيْهِ يَوْمَ وُلِدَ وَيَوْمَ يَمُوتُ وَيَوْمَ يُبْعَثُ حَيًّا"
وكانت إحدى العابدات إذا أصبحت قالت: يا نفس هذا اليوم ساعديني يومي هذا فلعلك لا ترين بياض يوم أبداً، وإذا أمست، قالت: يا نفس هذه الليلة ساعديني ليلتي هذه فلعلك لا ترين سواد ليلة أبداً فما زالت تخدع وتدفع يومها بليلها وليلها بنهارها حتى ماتت على ذلك ..
الروابط المفضلة