ساعة مع العارفين
===============
وهيب بن الورد بن أبي الورد
(الجزء الثاني)
===============
( حجر الساقية )
وعن محمد بن يزيد قال سمعت وهيبا يقول ضُرِبَ لعلماء السوء مثل فقيل إنما مثل عالم السوء كمثل الحجر في الساقية فلا هو يشرب الماء ولا هو يخلى الماء إلى الشجر فيحيا به .

( عجب عابد وتوبة لص )
وعنه عن وهيب قال : بلغنا أن عيسى عليه السلام مر هو ورجل من حوارييه بلص –سارق- في قلعة له فلما رآهما اللص ألقى الله في قلبه التوبة قال فقال –اللص- في نفسه هذا عيسى بن مريم عليه السلام روح الله وكلمته وهذا فلان حواريه ومن أنت يا شقي يالص بني اسرائيل ، قطعت الطريق وأخذت الأموال وسفكت الدماء ، ثم هبط إليهما تائبا نادما على ما كان منه ، فلما لحقهما قال لنفسه تريد أن تمشي معهما لست لذلك بأهل امش خلفهما كما يمشي الخطَّاء المذنب مثلك قال فالتفت إليه الحوارى فعرفه فقال في نفسه انظر إلى هذا الخبيث الشقي ومشيه وراءنا ، قال –وهيب- فاطلع الله على ما في قلوبهما من ندامته وتوبته ومن ازدراء الحوارى إياه وتفضيله نفسه عليه قال فأوحى الله عز وجل إلى عيسى بن مريم : أن مُرْ الحوارى ولص بني إسرائيل أن يستأنفا العمل جميعا أما اللص فقد غفرت له ما قد مضى لندامته وتوبته وأما الحوارى فقد حبط عمله لعجبه بنفسه وازدرائه هذا التواب .

( إبليس وأصناف بني آدم )
قال وهيب وبلغنا أن الخبيث إبليس تبدى ليحيى بن زكريا عليهما السلام فقال له إني أريد أن أنصحك . قال : كذبت أنت لا تنصحني ، ولكن أخبرني عن بني آدم . قال هم عندنا على ثلاثة أصناف ، أما صنف منهم فهم أشد الأصناف علينا نقبل حتى نفتنه ونستمكن منه ثم يفزع إلى الاستغفار والتوبة فيفسد علينا كل شيء أدركنا منه ثم نعود له فيعود فلا نحن نيأس منه ولا نحن ندرك منه حاجتنا فنحن من ذلك في عناء .
وأما الصنف الآخر فهم بين أيدينا بمنزلة الكرة في أيدي صبيانكم نتلقفهم كيف شئنا فقد كفونا أنفسهم ..
وأما الصنف الآخر فهم مثلك معصومون لا نقدر منهم على شيء .
فقال له يحيى على ذاك هل قدرت مني على شيء ؟ قال : لا إلا مرة واحدة فإنك قدمت طعاما تأكله فلم أزل أشهيه إليك حتى أكلت أكثر مما تريد فنمت تلك الليلة ولم تقم إلى الصلاة كما كنت تقوم إليها .
قال فقال له يحيى : لا جرم لا شبعت من طعام أبدا حتى أموت فقال له الخبيث : لا جرم لا نصحت آدميا بعدك .

( التوفيق للعبادة نعمة تستحق الشكر )
محمد بن يزيد قال رأيت وهيب بن الورد صلى ذات يوم العيد فلما انصرف الناس جعلوا يمرون به فنظر إليهم ثم زفر ثم قال : لئن كان هؤلاء القوم أصبحوا مستيقنين أنه قد تقبل منهم شهرهم هذا لكان ينبغي لهم أن يكونوا مشاغيل بأداء الشكر عما هم فيه ، وإن كانت الأخرى لقد كان ينبغي لهم أن يصبحوا أشغل وأشغل .
ثم قال كثيرا ما يأتيني من يسألني من إخواني فيقول : يا أبا أمية ما بلغك عمن طاف سبعا بهذا البيت ما له من الأجر ؟ فأقول يغفر الله لنا ولكم بل سلوا عما أوجب الله تعالى من أداء الشكر في طواف هذا السبع ورزقه إياه حين حرم غيره . قال فيقولون : إنا نرجو ، فيقول وهيب : فلا والله ما رجا عبد قط حتى يخاف ، ثم يقول : كيف تجترىء أن ترجو رضا من لا يخاف غضبه ؟ إنما كان الراجي خليل الرحمن إذ يخبرك الله عز وجل عنه قال (وإذ يرفع إبراهيم القواعد من البيت واسمعيل ربنا تقبل منا) ثم قال (والذي أطمع أن يغفر لي خطيئتي يوم الدين) – يعني يبني بيت الله ويخاف أن لا يقبل منه- !! .

( رضا الله لا يدرك بمعصيته )
وعن علي بن أبي بكر قال اشتهى وهيب لبنا فجاءته خالته به من شاة لآل عيسى بن موسى قال فسألها عنه فأخبرته فأبى أن يأكله فقالت له كُلْ فأبى فعاودته وقالت له : إني أرجو إن أكلته أن يغفر الله لك ، أي باتباع شهوتي فقال : ما أحب أني أكلته وإن الله تعالى غفر لي ، فقالت : لم ؟ قال إني أكره أن أنال مغفرته بمعصيته .

( النوعية لا الكمية )
وسمعته يقول: لا يكن هم أحدكم في كثرة العمل، ولكن ليكن همه في إحْكامِهِ وتحسينه، فإن العبد قد يصلي وهو يعصي الله في صلاته، وقد يصوم وهو يعصي الله في صيامه .

( بين السر والعلانية )
وعن إبن المبارك عن وهيب قال : إتق أن تسب إبليس في العلانية وأنت صديقه في السر .

( قلوب وجلة )
وعن أبي صالح الجدي قال صليت إلى جنب وهيب العصر فلما صلى جعل يقول : اللهم إن كنت نقصت منها شيئا أو قصرت فيها فاغفر لي قال فكأنه قد أذنب ذنبا عظيما يستغفر منه .
وعن بشر بن الحارث قال كان وهيب بن الورد تبين خضرة البقل من بطنه من الهزال .
وعنه قال بلغنا أن وهيبا كان إذا أتى بقرصته بكى حتى يبلها .
أدرك وهيب بن الورد جماعة من التابعين كعطاء بن أبي رباح ومنصور بن زاذان وأبان بن أبي عياش وكان مشغولا عن الرواية بالتعبد على أنه قد نقل عنه حديث حسن .