قال تعالى
(أَحَسِبَ النَّاسُ أَن يُتْرَكُوا أَن يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ)
يقول سيد قطب -رحمه الله- في تفسيره لهذه الآية:
((إن الإيمان ليس كلمة تقال إنما هو حقيقة ذات تكاليف, وأمانة ذات أعباء, وجهاد يحتاج إلى صبر , وجهد يحتاج إلى احتمال . فلا يكفي أن يقول الناس:آمنا . وهم لا يتركون لهذه الدعوى , حتى يتعرضوا للفتنة فيثبتوا عليها ويخرجوا منها صافية عناصرهم خالصة قلوبهم . كما تفتن النار الذهب لتفصل بينه وبين العناصر الرخيصة العالقة به - وهذا هو أصل الكلمة اللغوي وله دلالته وظله وإيحاؤه - وكذلك تصنع الفتنة بالقلوب .
هذه الفتنة على الإيمان أصل ثابت , وسنة جارية , في ميزان الله سبحانه:
(ولقد فتنا الذين من قبلهم , فليعلمن الله الذين صدقوا وليعلمن الكاذبين)..
والله يعلم حقيقة القلوب قبل الابتلاء , ولكن الابتلاء يكشف في عالم الواقع ما هو مكشوف لعلم الله , مغيب عن علم البشر , فيحاسب الناس إذن على ما يقع من عملهم لا على مجرد ما يعلمه سبحانه من أمرهم . وهو فضل من الله من جانب , وعدل من جانب , وتربية للناس من جانب , فلا يأخذوا أحدا إلا بما استعلن من أمره , وبما حققه فعله . فليسوا بأعلم من الله بحقيقة قلبه ! .
إن الإيمان أمانة الله في الأرض , لا يحملها إلا من هم لها أهل وفيهم على حملها قدرة , وفي قلوبهم تجرد لها وإخلاص . وإلا الذين يؤثرونها على الراحة والدعة , وعلى الأمن والسلامة , وعلى المتاع والإغراء . وإنها لأمانة الخلافة في الأرض , وقيادة الناس إلى طريق الله , وتحقيق كلمته في عالم الحياة . فهي أمانة كريمة ,وهي أمانة ثقيلة, وهي من أمر الله يضطلع بها الناس , ومن ثم تحتاج إلى طراز خاص يصبر على الابتلاء .
ومن الفتنة أن يتعرض المؤمن للأذى من الباطل وأهله, ثم لا يجد النصير الذي يسانده ويدفع عنه , ولا يملك النصرة لنفسه ولا المنعة, ولا يجد القوة التي يواجه بها الطغيان . وهذه هي الصورة البارزة للفتنة , المعهودة في الذهن حين تذكر الفتنة . ولكنها ليست أعنف صور الفتنة . فهناك فتن كثيرة في صور شتى , ربما كانت أمر وأدهى . هناك فتنة الأهل والأحباء الذين يخشى عليهم أن يصيبهم الأذى بسببه , وهو لا يملك عنهم دفعا . وقد يهتفون به ليسالم أو ليستسلم, وينادونه باسم الحب والقرابة , واتقاء الله في الرحم التي يعرضها للأذى أو الهلاك)).
يا الله ما أشبه هذا الوصف بحال المسلمين اليوم..وحال أهل فلسطين..الذين يعانون ما يُعانون لأنهم قالوا كلمة الحق ورفعوها عالياً..ولكنها سنن الله في الأرض أن يُحاصَرُ أهل الحق والثوابت من قبل أهل الباطل الذين يستخدمون القوة المادية التي بين أيديهم ليصلوا الى أهدافهم الخبيثة، وهي مكشوفة وواضحة، والكل في عالمنا الاسلامي والعربي شعوبا وحتى حكومات يدرك أن قوى الباطل الكبرى لا تريد خيرا لهذه الأمة ولا تريد لنا أن نجد من يتقدم بها إلى الأمام نحو الرقي والانتاج..
فيا شعب فلسطين الأبية..صبراً صبراً..
(إنما يوفى الصابرون أجرهم بغير حساب) ..وإن بعد العسر يسراً..
وهذه أيضا سنة من سنن الله في الأرض، فالذي يسعى لأن يعيش عيشة سعيدة
لا بد له من تقديم تضحيات في البداية وسيحصل بالنهاية على ما يريد..
ولكن المهم..الثبات على مبادئنا وثوابتنا..وتوحيد صفوفنا..
والالتفاف حول راية (لا إله إلا الله) فبها نحيا وعليها نموت..
اللهم إليك نشكو ضَعْف قُوَّتِنا، وقلة حيلتنا، وهواننا على الناس، يا أرحم الراحمين، أنت رب المستضعفين، وأنت ربنا، إلى من تَكِلُنا؟ إلى بعيد يَتَجَهَّمُنِا؟ أم إلى عدو ملكته أمرنا؟ إن لم يكن بك عليّنا غضب فلا نبالي، ولكن عافيتك هي أوسع لنا، نعوذ بنور وجهك الذي أشرقت له الظلمات، وصلح عليه أمر الدنيا والآخرة من أن تنزل بنا غضبك، أو يحل علينا سَخَطُك، لك العُتْبَى حتى ترضى، ولا حول ولا قوة إلا بك.
الروابط المفضلة