الاحسان الى اليتيم
بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله تعالى الرازق بغير حساب، الكريم الوهاب، والصلاة والسلام على النبي محمد وآله والأصحاب. وبعد،،، أخي المسلم : كم مليئة هذه الحياة بأحزانها وآلامها، فهي لا تعرف الصفاء لأحد.. ولم يشرب أحد كأسها صافياً ! والناس فيها يتقلبون بين سرائها وضرائها. لا فرق بين الصغير والكبير. وشجون الحياة ومتاعبها متفاوتة الدرجات، فبعضها الصغيرة، الذي يمكث الساعات القلائل .. وبعضها الكبير ، الذي يمكث الدهر الطويل ! وهذه أخي المسلم بعض الآلام، التي يعيشها البعض وهم يتجرعون مرارتها دهراً طويلاً ! مرارة يجدها أولئك المحرومون الضعفاء.. الذين ذاقوا مرارة الحياة قبل حلاوتها. أتدري من هم هؤلاء المحرومين؟! إنهم (الأيتام) ! أولئك الصغار، الذين فقدوا كاسبهم قبل أن يعرفوا الكسب ! أولئك الصغار الذين فقدوا كاسبهم قبل أن يعرفوا الطيران . انه اليتيم ذاك المفجوع بموت أبيه، قبل أن يذوق حلاوة الأبوة.. وقبل حماية تلك الساعد القوي ! أخي الآن عرفت من هو اليتيم ؟ ذاك هو اليتيم يا صاحب القلب الرحيم .. فما هو واجبنا نحوه ؟! الإحسان إلى اليتيم خلق كريم أخي المسلم : لقد حث الإسلام على فضائل الأخلاق، ومكارمها، ومن تلك الأخلاق الفاضلة، الإحسان إلى اليتيم. فاليتيم أحود الناس إلى البر والإحسان، إذ أنه فقد أباه في وقت هو في أشد الحاجة إليه، فاحتاج إلى البر والإحسان. وإذا رأيت الرجل، رحيماً بالأيتام، محسناً إليهم، فاعلم أنه صاحب خلق كريم .. وسجايا حميدة. دخل السائب بن عبدالله رضي الله عنه على النبي صلى الله عليه وسلم ، فقال له النبي : " ياسائب أنظر إلى أخلاقك التي كنت تصنعها في الجاهلية، فاجعلها في الإسلام ، أقر الضيف، وأكرم اليتيم، وأحسن إلى جارك " [ رواه أحمد وأبو داود صحيح أبي داود للألباني 4836]. وفي الأثر : عن داود عليه الصلاة والسلام، قال: " كن لليتيم كالأب الرحيم " [ رواه البخاري في الأدب المفرد، تصحيح الألباني]. أخي المسلم : إن رحمة اليتيم والإحسان إليه، كما قلت لك، هي من أخلاق الكرماء ولا يفعله إلا رجل نبيل.. جامع للفضائل.. محب للمحاسن. كان عبدالله بن عمر – رضي الله عنه – لا يأكل طعاماً إلا وعلى خوانه يتيم ! لتكن أخي ذاك، المحسن الرقيق الساعي إلى بر الأيتام.. ومسح دموعهم بيدك ومالك وإدخال السرور في قلوبهم. واعلم أنك إذا وفقت لذلك، فأنت المحظوظ حقاً ! والمستحق للقب : ( صاحب الخلق الكريم). إلى من أحب مرافقة النبي صلى الله عليه وسلم في الجنة أخي المسلم : دخول الجنة أغلى ما فاز به المؤمنون فكيف بمرافقة النبي صلى الله عليه وسلم فيها ؟! تلك درجة ينالها المحسنون إلى الأيتام ! قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " أنا وكافل اليتيم في الجنة هكذا " وأشار بالسبابة والوسطى، وفرج بينهما شيئاً [ رواه البخاري]. قال الإمام ابن بطال رحمه الله : ( حق عل من سمع هذا الحديث، أن يعمل به ، ليكون رفيق النبي صلى الله عليه وسلم في الجنة، ولا منزلة في الآخرة أفضل من ذلك ). وقال الحافظ ابن حجر رحمه الله : ( ويكفي في إثبات قرب المنزلة ، أنه ليس بين الوسطى والسبابة أصبع أخرى ). أخي المسلم : أرأيت نتيجة الإحسان إلى اليتيم ورحمته، فأين أنت أخي من هذا الخير ؟! وإن كنت من المقتدرين فهل فكرت في كفالة يتيم، حتى تكون رفيقاً للنبي صلى الله عليه وسلم في الجنة ؟! وكفالة اليتيم، لا يشترط لها، أن تكون من أرباب الأموال الطائلة، بل إن من ضم يتيماً إليه، وأطعمه مما يأكل، وسقاه مما يشرب ، نال تلك الدرجة. قال النبي صلى الله عليه وسلم : " من ضم يتيماً بين مسلمين، في طعامه وشرابه، حتى يستغني عنه، وجبت له الجنة .. " [ رواه أبو يعلي والطبراني، صحيح الترغيب للألباني 2543]. فيا حريصاً على ما ينفعه، إن أمكنتك الفرصة من كفالة يتيم، فلا تضيعها وإن رغبت نفسك عن ذلك وأعرضت، ففكر في ثواب من كفل يتيماً، ألا تحب أن تكون رفيقاً للنبي صلى الله عليه وسلم في الجنة ؟! أكرم اليتيم يلن قلبك وتدرك حاجتك أخي المسلم : اذا كنت ممن يشكو قسوة القلب، فإن الإحسان إلى اليتيم، من أسباب رقة القلوب، وهو دواء أوصى به المبعوث بالهدى والحق صلى الله عليه وسلم. عن أبي الدرداء – رضي الله عنه – قال : أتى النبي صلى الله عليه وسلم رجل يشكو قسوة قلبه، قال : " أتحب أن يلين قلبك، وتدرك حاجتك ؟ ارحم اليتيم، وامسح رأسه وأطعمه من طعامك، يلن قلبك، وتدرك حاجتك " [ رواه الطبراني ، صحيح الترغيب للألباني 2544]. أخي المسلم : حقاً إن رحمة اليتيم، من أسباب رقة القلوب وإدراك الحاجات ! لأن راحم اليتيم حل محل أبيه، والأب بطبعه رحيم وشفوق على أبنائه، والذي يرحم اليتيم، ازداد صفة أخرى وهي أنه رحم من ليس بابنه. ومن كان كذلك اجتمع في قلبه من الأسباب ما يرقق قلبه، مهما كان قاسياً ! ولاشك أن هذا من الأدوية المجربة فلا تجد أحداً مكرماً لليتيم، إلا وهو لين القلب. وعكس هذا لا تجد غير راحم لليتيم، إلا وهو قاسي القلب .. سيئ الخلق ! وأخرى من فوائد رحمة اليتيم، أخبر بها النبي صلى الله عليه وسلم الرجل الذي سأله وهي : أن الإحسان إلى اليتيم، سبب في إدراك الحاجات، وتحقق المطلوب! فإن من كان محسناً لولد غيره، مُدخلاً السرور في قلوبهم، لا شك أن الله تعالى لن يضيعه ، لأن الله تعالى رحيم يحب كل رحيم. وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم : " الراحمون يرحمهم الرحمن تبارك وتعالى، ارحموا من في الأرض ، يرحمكم من في السماء " [ رواه أبو داود والترمذي وغيرهما ، السلسلة الصحيحة 925]. أخي المسلم ارحم الأيتام، يصلح الله لك أمر دنياك وأخرتك. احذر أموال اليتامى أخي المسلم إذا كان لليتيم مالاً وجب على وصيه، أن يتقي الله فيه. فيا من قلدك الله أمر يتيم من الأيتام، احذر أن تظلمه حقه، فإنها النار ! فإن الله تعالى توعد أولئك الذين يأكلون أموال اليتامى ظلماً.. فاسمع إلى هذا الوعيد الشديد .. قال الله تعالى : ( إن الذين يأكلون أموال اليتامى ظلماً إنما يأكلون في بطونهم ناراً وسيصلون سعيراً ) [ النساء 10]. قال السدي رحمه الله : ( إذا قام الرجل يأكل مال اليتيم ظلماً، يُبعث يوم القيامة ولهب النار يخرج من فيه، ومن مسامعه، ومن أذنيه وأنفه، وعينيه، يعرفه من رآه بأكل مال اليتيم ). أخي المسلم : هذه الآية كافية في ردع كل ظالم ومعتد على أموال اليتامى وأي خزي أعظم من دخول النار ؟! ومن أراد العاقبة نجا بنفسه عن الاقتراب من أموال اليتامى ، وإذا ابتُلي منها بشيء اتقى الله فيها، ولم يظلم أصحابها، وإلا كان على خطر عظيم ! عن ابن عباس رضي الله عنهما قال : ( لما أنزل الله عز وجل : ( ولا تقربوا مال اليتيم إلا بالتي هي أحسن حتى يبلغ أشده وأوفوا بالعهد إن العهد كان مسئولاً ) و ( إن الذين يأكلون أموال اليتامى ظلماً ) انطلق من كان عند يتيم فعزل طعامه من طعامه، شرابه من شرابه، فجعل يفضل من طعامه ، فيحبس له حتى يأكله، أو يفسدد، فاشتد ذلك عليهم فذكروا لرسول الله صلى الله عليه وسلم، فأنزل الله عز وجل : ( ويسألونك عن اليتامى قل إصلاح لهم خير وإن تخالطوهم فإخوانكم) فخلطوا طعامهم بطعامه، وشرابهم بشرابه " [ رواه أبو داود / صحيح أبي داود للألباني 2871]. وجاء في وصية النبي صلى الله عليه وسلم لأبي ذر رضي الله عنه، أنه قال له : " يا أبا ذر، إني أراك ضعيفاً، وإني أحب لك ما أحب لنفسي، لا تأمرن على اثنين ولا تولين مال يتيم " [ رواه مسلم]. وإذا بلغ اليتيم عرف منه العقل والصلاح، ردت إليه أمواله، ولا يظلم منها شئ. قال الله تعالى : ( وابتلوا اليتامى حتى إذا بلغوا النكاح فإن آنستم منهم رشداً فادفعوا إليهم أموالهم ولا تأكلوها إسرافاً وبداراً أن يكبروا ) [ السناء 6]. فقد أمرنا الله تعالى بدفع أموالهم إليهم متى ما بلغوا إذا عُرف منهم العقل والصلاح، وأن لا يعتدي الوصي على مال اليتيم، فيأكله مبادراً بلوغه، حتى لا يطالبه به. أخي المسلم : قد علمت أن أكل مال اليتيم من كبائر الذنوب، التي ترمي بصاحبها في النار فإياك .. إياك أن تكون من المعتدين على أموال اليتامى، إذا كنت من أولئك الذين تولوا شيئاً منها. وإليك هذا النموذج الرائع الذي يعكس لك حال الصالحين أهل الورع، في تعاملهم مع أموال اليتامى ... أوصى إلى الزبير بن العوام – رضي الله عنه – سبعة من الصحابة منهم : عثمان، وابن مسعود، وعبدالرحمن، رضي الله عنهم فكان الزبير رضي الله عنه ينفق على الورثة من ماله ، ويحفظ أموالهم. فتأمل أصلحني الله وإياك في همة هذا السيد الغطريف، فإنه لم يرض لنفسه إلا أعلى الدرجات ! فرضي الله عنه وعن بقية الأطهار من صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم. بماذا يكون الإحسان إلى اليتيم أخي المسلم : الإحسان إلى اليتيم، يكون بعدة أشياء، وكل واحدة منها تصلح أن تسمى إحساناً.. منها إطعامه وكسوته، والقيام على حاجاته الضرورية وقد مر معك فضل ذلك. ومنها مسح رأسه ، وإشعاره بالرحمة والحنان، وفي ذلك أثر كبير على نفس اليتيم.. فقد كان ابن عمر رضي الله عنهما إذا رأى اليتيم مسح برأسه، وأعطاه شيئاً. ومنها الإنفاق عليه في تعليمه، ودراسته كما يحرص الواحد على تعليم ولده. ومنها الإخلاص في تربيته ، وأن يخلص في ذلك كإخلاصه في تربية ولده. ومنها الرفق في تأديبه، إذا ارتكب فعلاً يستوجب التأديب. ومنها أن يتقي الله في ماله، إن كان لليتيم مالاً، فلا يسعى في إهلاكه، لكي لا يطالبه به إذا كبر، بل يحفظه له حتى إذا كبر سلمه ماله، وقد مر معك الوعيد الشديد لمن أكل أموال اليتامى ظلماً. ومنها تنمية أمواله، والإخلاص في ذلك، حتى لا يذهب في الزكاة. أخي المسلم : هذه بعض صور الإحسان إلى اليتيم، وليس الإحسان إلى اليتيم خاصاً بأناس معينين، بل كل مسلم مخاطب بذلك، كما هو مخاطب بفعل المعروف، وصالح الأعمال. وإذا علم الله تعالى صدق نية العبد أعانه على كل معروف . فاحرص أخي على فعل الصالحات، ولو أن تنوي ذلك بقلبك، حتى إذا أمكنتك الفرصة من عمل صالح عملته. فإنه لا أعجز من رجل عجز عن اضمار نية فعل الصالحات. إلى كل مسلم أخي المسلم إن الإحسان إلى اليتيم، مع أنه خلق كريم وقد دعا إليه الإسلام، فهو مع ذلك لا يقوم به إلا أصحاب القلوب الرحيمة والنفوس الزكية. والمجتمع المسلم مجتمع تربطه تلك التعاليم النبيلة التي دعا إليه الإسلام. وهو مجتمع وصفه النبي صلى الله عليه وسلم بذلك الوصف الرائع، يوم أن قال : " ترى المؤمنين في تراحمهم وتوادهم وتعاطفهم ، كمثل الجسد، إذا اشتكى عضواً، تدعى له سائر جسده بالسهر والحمى " [ رواه البخاري ومسلم واللفظ للبخاري]. وهذا وصف يخبرك بما ينبغي أن يكون عليه المجتمع المسلم. واليتيم جزء من ذلك المجتمع، له ما لهم، وعليه ما عليهم، فواجب المسلمين جميعاً أن يحسنوا إليه ويبروه، ويعوضوه عن حنان الأبوة، وعطفها، ويبذلوا له كل ما يبذلونه لأبنائهم وأهليهم. أخي المسلم ليس صعباً أن تضم إليك يتيماً فتطعمه مما تأكل، وتكسوه مما تلبس، وتجعله كأحد أبنائك، وليكن فلعلك هذا لوجه الله تعالى. عسى أن تكون من الذين قال الله فيهم : ( ويطعمون الطعام على حبه مسكيناً ويتيماً وأسيراً إنما نطعمكم لوجه الله لا نريد منكم جزءاً ولاشكوراً إنا نخاف من ربنا يوماً عبوساً قمطريراً فوقاهم الله شر ذلك اليوم ولقاهم نضرة وسروراً وجزاهم بما صبروا جنة وحريراً ) [ الإنسان 8-12]. ووفقني الله وإياك أخي المسلم إلى فعل الصالحات.. وأعانني وإياك على الثبات حتى الممات. والحمد لله تعالى وصلى الله على نبينا محمد، وآله وصحبه وسلم.
نوع المطبوع : المطويات
الموضوع : الاحسان الى اليتيم
اسم الناشر : أبن خزيمة
اسم المؤلف : أزهري محمود
الروابط المفضلة