".. فَجـرٌ جَـدِيــدٌ .." [ 3 ] هل يَقبَلُ اللهُ توبتي ؟
سؤالان قد يُراودان الكثيرَ مِمَّن آلمته نفسُه، وضاق صدرُه،
وبدأ قلبُه ينفر من المعصية، وقرَّرَ أن يتغيَّر تغيُّرًا حقيقيًّا،
وأن يفتحَ صفحةً جديدةً مُشرقةً مع رَبِّه سُبحانه ومع الناس حولَه،
وأن يعيشَ حياةً نظيفةً طاهرةً، بعيدًا عن المعصية،
وقد يُراودانكِ أخيَّة؛ وهما: هل يَغفِرُ اللهُ لي؟ هل يَقبَلُ اللهُ توبتي؟
فنقولُ لكِ: نعم، يَقبَلُ اللهُ توبتَكِ، فهو سُبحانه القائل:
﴿ وَهُوَ الَّذِي يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ وَيَعْفُو عَنِ السَّيِّئَاتِ ﴾ الشورى/25.
فسيئاتُكِ سيعفو اللهُ عنها- بإذنه- إذا تُبتِ وعُدتِ إليه مُنيبةً مُخبِتة.
وكيف لا يقبلُ اللهُ توبتَكِ وهو الذي دَعاكِ- بل دعانا جميعًا- إليها،
فقال سُبحانه: ﴿ وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ ﴾
النور/31 ؟!
ففي التوبة الفلاحُ والصلاحُ وطريقُ النجاة وبدايةُ الحياة.
وذنوبُكِ- بإذن الله- تُبدَّلُ حَسنات، ففي الحديث أنَّ رجلاً أتى النبيَّ- صلَّى
الله عليه وسلَّم- فقال: (( أرأيتَ مَن عَمِلَ الذُّنُوبَ كُلَّها، ولم يتركْ منها شيئًا،
وهو في ذلك لم يترك حَاجَّةً ولا داجَّةً إلَّا أتاها، فهل لذلك من توبةٍ؟
قال: فهل أسلَمتَ؟ قال: أمَّا أنا فأشهدُ أن لا إله إلَّا اللهُ، وأنَّكَ رسولُ اللهِ،
قال: تَفعلُ الخيراتِ، وتتركُ السيئاتِ، فيَجعلهنَّ اللهُ لكَ خَيراتٍ كُلَّهنَّ.
قال: وغَدَراتي وفَجَراتي؟ قال: نعم. قال: اللهُ أكبرُ،
فما زال يُكبِّرُ حتى تَوارَى )) صحَّحه الألبانيّ.
وإذا كان اللهُ تعالى قَبِلَ توبةَ قاتِل المائة نَفْسٍ، فكيف لا يقبلُ توبتَكِ سُبحانه
وأنتِ لم تسفكي دمًا؟! وإذا كان سُبحانه يقبلُ توبةَ الزاني وشاربِ الخَمر،
بل يقبلُ إسلامَ الكافر إذا عاد إليه وأقبل عليه مُستسلِمًا خالِعًا لرِداءِ الكُفر،
فكيف لا يقبلُ توبةَ عَبده المُؤمن؟!
كيف لا يقبلُ توبةَ المُسلِم العاصي الذي أغواه شيطانُه وتغلَّبَ عليه هواه؟!
إذا كان اللهُ تعالى يقبلُ توبةَ مَن فعل الذنوبَ كُلَّها، فكيف لا يقبلُ توبتكِ؟!
إنَّ الله غفورٌ رحيمٌ، يقبلُ التَّوبَ، ويغفرُ الذنبَ. لكنْ لتَكُن توبتُكِ نَصُوحًا،
فاللهُ تعالى يقول: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللَّهِ تَوْبَةً نَصُوحًا ﴾
التحريم/8، والتوبةُ النَّصوح- كما قال البعضُ- هِيَ أن تُبغِضي الذنبَ
كما أحببتيه، وتستغفري منه إذا ذكرتيه.
إنَّ اللهَ عَظيمٌ كريمٌ رَحيمٌ حليم، واسِعُ الفضل، يُحيي القلوب، ويغفر الذنوب،
ويستر العيوب.
يا له مِن رَبٍّ رحيمٍ يقبلُ توبة عَبده بعد أن كان يُبارزه بالمعاصي،
بل ويَعفو عن ذنبه ويُبدِّلُ سيئاتِه حسنات!
قد تُحدِّثُكِ نفسُكِ أنَّ اللهَ لن يقبل توبتكِ، وأنَّكِ أسرفتِ عليها بالمعاصي،
وأنَّه لا فائدةَ من العَودةِ، بل قد تُحدِّثُكِ بأنَّ الرجوعَ إلى اللهِ مُستحيلٌ،
وأنِّكِ ستُساقين إلى النار، وأنِّكِ بعيدةٌ عن الجنَّة بُعد السماءِ عن الأرض،
فتجعلكِ تُبغضين كُلَّ شيءٍ، لكنْ لتُخيِّبي ظنَّها،
ولتُحسني الظَّنَّ به سُبحانه دائمًا،
والحمدُ للهِ أنَّ اللهَ رَبُّنا.
يقولُ اللهُ سُبحانه: ﴿ قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ
لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ
الرَّحِيمُ ﴾ الزمر/53.
فلا تقنطي أبدًا من رحمة الله، واعلمي أنَّه مهما بلغت ذنوبُ العَبدِ،
ثم عاد إلى الله تعالى تائبًا مُعترفًا بذنبه، فإنَّه سُبحانه يغفرها.
وفي الحديث القُدسيِّ: (( قال اللهُ تعالى: يا ابنَ آدمَ، إِنَّكَ ما دعوتَني ورجوتَني
غفرتُ لكَ على ما كان منكَ ولا أُبالي. يا ابنَ آدمَ، لو بلغَتْ ذنوبُكَ عنانَ السماءِ
ثُمَّ استغفرتَني غفرتُ لَكَ ولَا أُبالِي. يا ابنَ آدمَ، لَوْ أَنَّكَ أَتَيْتَني بقُرابِ الأرضِ خطايا،
ثُمَّ لقيتَني لا تُشْرِكُ بي شيئًا لأتيتُكَ بقُرابِها مغفرةً )) صحيح الجامع.
فاللهُ رَءوفٌ بعباده رحيمٌ بهم، يُريدُ لهم الخيرَ،
يُريدُ لهم الاستقامةَ على دِينه وشَرعه؛
والذي فيه صلاحُهم في دُنياهم وأُخراهم،
قال سُبحانه: ﴿ وَاللَّهُ يُرِيدُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْكُمْ ﴾ النساء/27.
فهو سُبحانه لا يُريدُ لنا العَنَتَ ولا المشقَّة.
ولَعلَّ حياتكِ الماضية تكونُ لكِ درسًا أخذتِ منه العِبرةَ،
وخرجتِ منه بتجربةٍ لن تُكرِّريها.
ولَعلَّه ابتلاءٌ وخيرٌ من حيثُ لا تشعرين، فالحمدُ لله على كل حال.
ومِن هُنا قد نتساءَل: هل للتوبةِ شروط؟
فكِّري- أخيَّة- قليلاً، واذكري لنا شروط التوبة التي تعرفينها،
ويَجمعُنا لِقاءٌ جديدٌ في الدَّرس القادم بإذن اللهِ تعالى؛ لنتعرَّفَ عليها.
الروابط المفضلة