بسم الله الرحمن الرحيم
شعب ما له حل .. شعب منتهي .. شعب محشش .. شعب زاحف .. إلخ !!
عناوين نقرأها لمقاطع مصوَّرة تحوي مشاهد لفرد أو مجموعة أفراد يتصرفون تصرفات أقلُّ ما يُقال عنها إنها غير مسؤولة وهمجية ومُسيئة ومعيبة ..
أن يكون في أي مجتمع من المجتمعات حمقى فهذا أمر وارد جداً، كما أنه من الوارد جداً أن يوجد في كل مجتمع سُرَّاق ومجرمون ومنحرفون أخلاقياً، على تفاوت نسبهم من مجتمع لآخر، إلا أنهم يظلون يُشكلِّون شريحة من شرائح مجتمعاتهم ، فلا يوجد على وجه الأرض مجتمع ملائكي !!
لكن، من الظلم البيِّن أن يوصم شعب بأكمله أو مجتمع برمَّته بالحماقة لمجرد أن فرداً أو مجموعةً من أفراده قاموا بتصرف أحمق أرعن أو معيب مُخزٍ .. ومن الظلم أن يُجعل ذلك الشخص أو تلك المجموعة هي المقياس الذي يُقاس به مجتمعهم الذي ينتمون إليه ويُحكم عليه من خلال تصرفاتهم وحماقاتهم !! ..
لو أن أحدهم عرض مقطعاً مفيداً لواحدٍ من أهل العلم والصلاح والتقى، ثم عنون ذلك المقطع بعبارة (شعب صالح ، أو شعب تقي، أو شعب لا مثيل له) ، هل سيسكت الناس عن ذلك ويرضون به ؟!
.. أزعم أننا كنا سنرى اعتراضاً شديداً من قبل أغلب الناس - وقد يكون ذلك التقي الصالح في قائمة المعترضين- على الرغم من أنها عناوين جميلة وعبارات يُفخر بها، ولكن الاعتراض سيكون على أن في تلك العناوين تزكية لمجتمع بأكمله بينما محتوى المقطع يعود لشخص واحدٍ فقط من ذلك المجتمع هو ذلك العالم الصالح التقي !!
وطالما الأمر كذلك ..
فبأي حقٍ وأي مُسوِّغٍ يوصم شعب بأكمله بأنه (شعب ما له حل، أو شعب منتهي، أو شعب محشش ... إلخ) ؟!
ألمجرد أن فرداً من أفراده ارتكب حماقة أو تلفظ سواءً أو تجرأ على محرم أو أتى بما يُستغرب ويُستنكر ؟!
أن ترضى أنت على نفسك ما فعلته فهذا عائدٌ إليك وإن كنا لا نُقرُّك عليه ولا نرضى به، لكن أن تكون أنت بما اقترفته من حماقة وتصرف أرعن سبباً لأن يوصم شعب بأكمله بالحماقة والبلاهة والرعونة ، فهذا ما لا نقبله منك ولا نرضاه لنا !!
هناك الكثير من أهل البلدان البعيدة عن بلدنا ومن أهل الثقافات المتباينة تماماً مع ثقافتنا لا يعرفون عنا ولا عن ثقافتنا ولا خلفيتنا الدينية شيئاً، وهم يتوقون ويتطلعون إلى التعرف علينا كشعب مجهول بالنسب لهم، وحيث أن ما يُسمى في عصرنا بـ(وسائل التواصل الاجتماعي) هي الطريقة الأسهل والأسرع والأجدى والأقل تكلفة وجهداً للاستكشاف والاستطلاع، وحيث أن أغلب المقاطع السيئة في ذاتها ومحتواها والمُسيئة لنا كشعب ينتمي إليه أبطال تلك المقاطع تُنشر في تلك الوسائل، فإن الانطباع الأولي الذي سيترسخ لدى من يشاهدها من الدول البعيدة أن هذه هي أخلاقنا كشعب، وأن هذه هي طريقة تفكيرنا، وهي طريقة حياتنا وأسلوب عيشنا !!
أتمنى ألاَّ يُقلِّل أحد القراء من مدى تأثير وسائل التواصل الاجتماعي في تكوين الانطباعات والقناعات لدى المتلقي، فكم خُدعنا في زمانٍ ولىَّ يوم كنا نعيش في حالة انغلاق عن العالم الخارجي بما كانت تعرضه لنا وسائل الإعلام المتاحة لنا آنذاك وخصوصاً المرئية منها من مسلسلات وأفلام كانت تعرض لنا أنماطاً من حياة الناس وتعاملاتهم في بعض الدول العربية المسلمة كما يُريدها الإعلام أن تصل إلينا لا كما هو واقع تلك المجتمعات العربية المسلمة الذي لم نعرفه – أي الواقع- إلا بعد أن حصل هذا الانفتاح بين شعوب العالم، فإذا بنا نُصدم بأن ما تولَّد لدينا من قناعات وتصورات لسنوات طويلة عن تلك الشعوب أنها تعيش على هامش الحياة ولا همَّ لها إلا الإباحية الجنسية والخمور والإجرام خاطئ تماماً، وأن ذلك هو واقع القلَّة القليلة من أفراد تلك الشعوب وليس واقعها بكاملها .
وكذلك الحال مع واقع شعبنا، فإنه يختلف تماماً في عمومه عمَّا تعنون به تلك المقاطع بما تحويه من مشاهد سلبية بأنه (شعب ما له حل .. شعب منتهي .. شعب محشش .. شعب زاحف .. إلخ !!)
تحياتي ،،،
الروابط المفضلة