ساعة مكة وافتتاحية واشنطن تايمز
د. عثمان أبوزيد
ظننت ذلك مجرد هاجس ينتابني كلما دخلت مكة المكرمة من طريق جدة السريع. ليس مصادفة وجود ذلك المطعم الأمريكي الشهير في أول شارع أم القرى الذي يستقبل ستين بالمائة من القادمين للعاصمة المقدسة. لقد أرادوا أن يكون منظر الأقواس الذهبية لـ (ماكدونالدز) أول منظر تقع عليه العين للداخل إلى أطهر البقاع ...
منذ مستهل شهر رمضان صار أول منظر يستحوذ على أنظار القادمين إلى مكة ، منظر ساعة الحرم التي تشاهد من مسافة بعيدة ، والتي تبدو كتلة من الضياء والنور ليلاً.
هذا الحدث السعيد لم يعجب صحيفة (واشنطن تايمز) الأمريكية ، فسخرت في مقالها الافتتاحي يوم 11 أغسطس من هذه الساعة. الافتتاحية حملت عنوان: (ليس هناك وقت للإسلام) ، وادعت أن الساعة العملاقة ما هي إلا رمز للأطماع الدينية التوسعية ، وأنها مجرد دعاية لنشر الإسلام فقد حملت عبارة «الله أكبر»!
قالت الصحيفة إن مكة ليست هي مركز الأرض كما كتب بعض الباحثين ، وإن كل البحوث التي أشارت إلى ذلك لم تثبت بالدليل العلمي ، بل إن المسلمين يحاولون بذلك استبدال توقيت مكة بالتوقيت العالمي (قرينيتش) في محاولة منهم لفرض معتقد عالمي جديد على شعوب الأرض.
مثلما أن توقيت جرينتش الذي يأخذ به العالم اليوم من بقايا الإمبراطورية البريطانية لفرض هيمنة بريطانيا على العالم ، كذلك ساعة مكة ـ كما تدعي الصحيفة ـ تقليد لتلك الإمبراطورية.
تقول الصحيفة : لا حاجة إلى إقامة أكبر ساعة في العالم للتذكير بوقت دخول الصلاة ، لا سيما في أيام أصبح تعيين الوقت أمراً في غاية السهولة عن طريق الساعات الالكترونية وبرسائل نصية وبالوسائل الأخرى ، ولكنه مثال آخر على السبل التي يتبعها العالم الإسلامي لفرض العقيدة العالمية الجديدة. وفي صراع الحضارات ، ليس هناك ما هو خارج التصوّر.
هذا باختصار شديد ما حملته هذه الصحيفة الأمريكية في افتتاحيتها. رد قاس على إقامة معلم حضاري هو في الأصل وقف إسلامي. وما تزال تدهشنا صور التحامل والافتراء على الإسلام والمسلمين التي تعززها وسائل الإعلام الغربية بشكل يومي.
الإسلام جزء من هذا العالم المعاصر، وعالمية الإسلام ثابتة وراجحة قبل توقيت مكة المكرمة وبعده. الملايين من كل أرجاء الأرض التي تقصد الكعبة المشرفة (سرة الأرض) تثبت بالدليل القاطع عالمية الإسلام. والوجود المتنامي للمسلمين في أمريكا وأوروبا صورة أخرى من عالمية هذا الدين القويم ، والمسلمون يقارب مجموعهم ربع البشر في العالم ، وإنها لحقيقة بدأ يتفهمها المنصفون أن الإسلام جزء من هذا العالم وأنه لا ينبغي أن يكون شيئاً معزولاً كما يريده البعض ، لذلك دعوا للتسامح والحوار والتعايش.
أما أن مكة مركز الكرة الأرضية ، فهذه حقيقة علمية فرغ من إثباتها العلم. منذ أكثر من ثلاثين عاماً وضع باحث جغرافي جاد «الإسقاط المكي» الذي حدّد خطوط الطول والعرض ، ذلكم الإنجاز العلمي الذي اقترح مكة المكرمة أنسب مكان لقياس الوقت في الكرة الأرضية. لقد ثبتت نظرية الكعبة مركز الكرة الأرضية ، والأماكن التي تشترك مع مكة المكرمة في نفس خط الطول ينطبق فيها الشمال المغناطيسي (الذي تحدده الإبرة الممغنطة في البوصلة) مع الشمال الحقيقي الذي يحدده النجم القطبي ، وليس كما في الخط الوهمي (قرينتش).
ساعة مكة إذن لها سند من العلم ، ويحق لأهل مكة أن يقترحوا توقيتاً خاصاً بهم. ألم يحاول الأمريكيون أن يجعلوا توقيتاً عالمياً بديلاً لقرينتش من واشنطن ، وفشلوا في ذلك.
ولكنهم نجحوا في فرض (ماكدونالدز) رمزاً مهماً للتفوق والجودة ، حتى أن الكثير من أصحاب الأعمال اتخذوا أسماء تبدأ بالمقطع (ماك) تيمناً بسيدة الاسم! وقبل ذلك نجحوا في بسط إمبراطوريتهم التي تملأ بجيوشها البر والبحر والجو ، لتعيث الرأسمالية المتوحشة في الأرض فساداً.
عن أي أطماع توسعية يتكلم هؤلاء؟ وعن أي هيمنة يتحدثون؟
المصدر: الرأي العام السودانية
الروابط المفضلة