.
{وَمَا تَوْفِيقِي إِلَّا بِاللَّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ} [هود: 88].
قال الشيخ عبد الرحمن بن ناصر السعدي :
" أي ما يحصل لي من التوفيق لفعل الخير و الانفكاك عن الشر إلا بالله تعالى
لا بحولي و لا بقوتـي "
و تعلمـون أن (ما) و (إلا) تفيدان الحصر
بل إن البلاغيين عدّاهما مجتمعين من أبلغ علامات الحصر
فالصفة ( التوفيق ) محصورة في الموصوف ( الله جل جلاله)
و من هنـا عُلم أن التوفيق لا يطلب إلا من الله ، إذ لا يستطيعه إلا هو سبحانه
فمن طلبه من غيره فهو ظالم محروم !
و التوفيق ضد الخذلان، قال ابن القيم :
" أجمع العارفون بالله هو أن لا يكلك الله إلى نفسك ،
و أن الخذلان هو أن يخلي بينك و بين نفسك "
لهذا نجد النبي صلى الله عليه وسلم يدعو ربه
بألا يكله إلى نفسه طرفة عين أو أقل من ذلك
و اعلمـوا أن للتوفيق أسبابا ، أجملها ابن القيم في مسألة وحيدة هي :
[ صلاحية المحل ]
و التوفيق مراتب و أحوال
فكلمـا كان العبد موحدا لربه مؤتمرا بأمره منتهيا عن نهيه
كان توفيقه له سبحانه أكمل
.
تعقيب :
فقد تجد من لا تراه شيئاً أمام الإلتزام الحقيقي
لكنه سبحانه يرفعه بصدق إيمانه فيوفقه لعمل الخير
و ييسر له سبله و يحفظه و يكلؤه برعايته
و يسخر له من يعينه و يؤيده و ينصره من حيث لا يعلم
بينما تجد من يحمل الإلتزام اسماً مستعاراً
مُترفاً .. و قلبه من صدق الإيمان خاوياً
قلّ ما تتيسر أموره
بل إنه يندب حظه العاثر و خطاه السقيمة في كل مرة
و الخير كل الخير و التوفيق كل التوفيق في الجمع بين الظاهر و الباطن
و هذا ما أراده الله من العباد ، فصلاح الباطن يؤدي إلى صلاح الظاهر
لا محـالة ، [ فإن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله
و إذا فسدت فسد الجسد كله ]
و إلا فإن الأول مقصر و الثاني كذلك
و الموفق من جمع بينهمـا
ليس كل ابتلاء نقمة و ليس كل توفيق نعمة
الصواب أن يقال :
ليس كل ابتلاء خذلان ، و ليست كل نعمة توفيقا
فقد يبتليك الله في النفس و المال و الولد ليرفعك عنده
و يطهرك تطهيراً فتُغبط غدا يوم القيامة لما يرى المؤمنون
ما أعدّه الله لك ..
و قد يفتح عليك الله من فضله ابتلاءً أيضـا
فإن أنتَ سخرته في مراضيه فأنت الموفق حقّا
و إن سخرته في مساخطه ثم تماديت
وكلك لنفسك و أمدّك بالمال و الجاه استدراجاً لا توفيقا
فإن أنت نسيت ما ذُكرت به
أخذك ربك أخذ عزيز مقتدر
و هذا ما قررته المعاني السامية
و أكدته عهد الأماني
و الحمد لله
و الصلاة و السلام على رسول الله و على آله و صحبه و من والاه ..
.
الروابط المفضلة