القصّة واقعية يرويها صاحب التاكسي نفسه:
يقول : في يوم من الأيام كنت أتجول على باب الرزاق الكريم، أتلمس من يرفع يده طالبا مشوار، وفجأة رأيت على جانب الرصيف رجلا وبجانبه كرتون، سال لعاب جيبي لهذا الراكب الذي يتمناه كل صاحب تاكسي، وصفطت على طول بطريقة كادت تحدث لها كارثة مروريّة (عادة أهل التكاسي والليموزينات إلا من رحم ربك)، سألته عن وجهته فذكر لي مسافة بعيدة أتحفتني لأنها تتناسب مع المبلغ الواجب دفعه، المهم تم الإتفاق بدون مجادلة، وطلب مني فتح شنطة السيارة، ففتحتها، وضع كرتونه الثقيل حيث أحسست بأن السيارة كادت أن تستلقي على قفاها، ركب بجانبي، وانطلقنا نجوس خلال الشوارع والإشارات، وتتوالى السوالف في أحوال الناس والمجتمع دون ملل أو كلل.. ومضينا ومضينا ومضينا....
المهم: قبل الوصول إلى محطّة الوصول المتفق عليها، طلب مني أن أمر به على ابن عمه على طريقنا ليأخذ منه غرض.. ذهبنا ووقفت عند ملتقى زقاقات وأبواب لبيوت صغيرة.. نزل الأخ، ولم يطلب كرتونه.. وانتظرت وانتظرت.. وطال الإنتظار.. ابتداء لم يخطر ببالي أن يهرب الرجل فالكرتون المشحون في الخلف. وانتظرت حتى مللت.. فنزلت وسألت عن الرجل وأنا لا أعرف له إسما ولا أكاد أتذكر له رسما، فتعجب الناس ونفوا أي علاقة بالرجل.. عندها أدركت أن الرجل مشبوه وأن الكرتون المشحون فيه طامة كبرى.. فأحسست أن الدنيا تدور برأسي.. وارتفع ضغط الدم... وانتصب شعر رأسي وزادت دقات القلب حتى لكأنها ساعة "خراشيّة".. يا الله كيف الخلاص.. قد يكون في الكرتون جثة لرجل غني سلب المجرم ماله. أو جثة مشوهة لفتاة مخطوفة.. أو متفجرات أو ممنوعات.. وانهالت الخواطر من كل حدب وصوب.. وتبخرت عطيّة المشوار ولم تعد تخطر على بالي المشغول ببال فالأمر أعظم من ذلك.. وكل ما أفكر فيه هو الخلاص. هل أرميه في البحر أم أدفنه في الصحراء أم أحرقه أم أهرب من السيارة أم ماذا؟؟
أخيرا خطر ببالي أن الصدق منجاة ولامفر من الله إلا إليه.. وأدركت ألا حل سوى الذهاب إلى أقرب شرطة وتسليمهم الكرتون.. وفعلا أسرعت كالمرعوب حتى وصلت إلى مكتب الشرطة، وترجلّت إلى مكتب الضابط ودخلت عليه وأنا أولول ,احلف أني مبتلى وألا علاقة لي بموضوع الكرتون من قريب أو بعيد وأنه رجل لاأعرفه.. هدّأوني.. وأجلسوني وأسقوني ماء.. ثم أمر الضابط أحد العرفاء للذهاب معي لفتح السيارة والإطلاع على الكرتون.. وطلبت من الضابط أخذ البصمات قبل لإثبات براءتي فوعدني خيرا. ونزلنا لفتح السيارة ونرى ما في الكرتون.. وأقسمت ألا أمس الكرتون أبدا. وتعاون العسكري مع زملائه لإنزال الكرتون ثم تم فتحه.. أنزلوه بصعوبة ثم فتحوه. فوجدناه مملوءا بالحصى!! فانتابتني نوبة ضحك حتى جلست.. وضحك العسكري وصعدنا إلى الضابط وأخبرناه.. ولم أصدق أنها جاءت سليمة..
وكل ما هنالك أن الرجل الراكب أراد أن يوصله صاحب التاكسي هذا المشوار البعيد بدون أجره فاحتال بحيلة ثقيلة ونجا من تكاليف المشوار.. ولكنها على الصراط أمامه حينما يقتص للجماء من القرناء والله المستعان..
أحببت أن أغير الأجواء الصعبة بذكر هذه القصة التي لاتخلو من عبرة وأسف على أحوال بعض الناس في عصرنا الذين يسيرون في الأرض ولكن بلا وازع من ضمير..
لكن يبقى في القصة جانب طريف.. وسلامتكم
الروابط المفضلة