التجارب العلمية العملية

دكتور : عماد عطا البياتي
-------------------------------------------------

كثيرة هي أنواع البكتريا المرضية المشخصة من قبل الأطباء والتي تؤدي إلى التهابات الأمعاء الخطيرة والمهمة والتي تتسبب في نسب عالية من معدلات المراضة والوفيات، خاصة بين الأطفال تحت عمر خمس سنوات في مجتمعاتنا العربية والإسلامية المصنفة ضمن دول العالم الثالث. والعلاجات المتوفرة حاليا هي أسلوب تعويض السوائل والأملاح التي تفقد من الجسم بسبب الإسهال والتقيء الذي يصاحب تلك الإلتهابات المعوية، إضافة إلى المضادات الحيوية التي يجب أن تستخدم بحكمة وفي موضعها الصحيح لتكون نافعة للمريض وإلا سبب استعمالها المرض المضاعف والمشاكل الصحية الأخرى بدلا من علاج المرض الأولي والتخلص من شروره.
وتعمل بعض المؤسسات الطبية البحثية اليوم على اختبار علاج من نوع آخر لتلك الالتهابات المعوية البكتيرية ويتمثل بأنواع أخرى من البكتريا والفطريات غير المرضية تعطى للمريض فتنافس البكتريا المرضية على أسباب عيشها داخل أمعاء المريض أو تعالجها بإفراز سموم طبيعية قاتلة للبكتريا المرضية أو بطرق بيولوجية أخرى تتمكن من خلالها تلك المخلوقات المستخدمة في العلاج من السيادة على البكتريا المرضية ومكافحتها بشكل كامل فتؤدي بذلك إلى معالجة المرض.. والشفاء من عند الله.
قرأت عن هذا فقلت مع نفسي أن القوم أذكياء وعندهم الدافعية المادية والعلمية العالية، فهم بالتأكيد سوف ينجحون أخيرا في إنتاج هكذا علاج نافع، وسيكون ولا شك نجاحا طبيا كبيرا يكسبون من خلاله نقودا كثيرة جدا يضيف قوة جديدة إلى اقتصادهم المتقدم إضافة إلى فائدته الطبية في علاج المرضى والمبتلين.
ورحت أسرح في التفكر والتأمل، وتوصلت إلى أن البحث العملي التجريبي هو الأساس لكل تقدم وتطور في كافة ميادين العلم والمعرفة.
ثم تسائلت: ماذا لو حاولنا تطبيق التجارب العلمية العملية التفكرية على مواضيع الإيمان ومعانيها العظيمة؟، أليس هذا هو اقتداءً بسيدنا إبراهيم عليه السلام؟، بل هو اقتداءً بالنبي محمد صلى الله عليه وسلم خصوصا وإن جزء كبير من السيرة النبوية الشريفة البديعة والمتمثلة بأيام العزلة في غار حراء لا نعرف عنه الكثير لحد الآن، وعلمه عند ربي في كتاب، والقرآن الكريم يأمرنا بالتفكر والنظر واختبار المخلوقات المبثوثة في الكون من حولنا فهي آيات الخالق الواحد الأحد الكبير المتعال.
نعم، فالمعاني التي جاد بها بديع الزمان النورسي، الأستاذ، لم تكن إلا وليدة ذكاء حاد ونفس خالصة وتأمل تجريبي عميق علمي وعملي في الكون من حولنا.. تجارب علمية عملية تفكرية مع تأمل مباشر في المخلوقات البديعة مكنته من المعاني الإيمانية البديعة، اختبرها في مختبر الطبيعة الجميلة الرائعة فانتج لمحبي منهج الإيمان وللبشرية جمعاء أدوية وعلاجات عبقرية علمية إيمانية تفكرية.
مهلا.. لقد تذكرت، فلقد خبرت هذا الذي أقوله ذات يوم وذقت حلاوته وروعته وفائدته.. ذات يوم كنت أنا وصديق لي عزيز جدا نقرأ في المعاني التفكرية الإيمانية عن حشرة اليعسوب ومعجزة طيرانها المذهلة وكنا نجلس أمام بركة صغيرة من الماء وسط طبيعة جميلة فحلقت أمام ناظرينا يعسوبة طائرة وأدت أمامنا حركة طيرانية بهلوانية مدهشة جدا، انتعشنا كثيرا بتلك الحادثة، التجربة العلمية الإيمانية، ولا زلنا نذكرها حتى الآن.
نعم.. وتذكرت أيضا كيف كنا نجلس بعد صلاة الفجر أنا وصديق عزيز آخر نختبر شروق الشمس ذاكرين متأملين.. لقد كانت تجارب فريدة من نوعها يا ليتها تتكرر!!.
الآن وضحت الفكرة وانجلت المعاني، إذا أردت النجاح في إبداع معاني إيمانية جديدة أختبرها وأصل إليها وأغرسها عميقا بين شغف القلب وتضاعيف الدماغ فعلي أن استخدم طريقة التجارب العلمية العملية المختبرية!!. والمختبر أمامي وفي متناول يدي، وهو الطبيعة الجميلة والكون البديع المعجز، فالأشجار العظيمة الشامخة أمام ناظري والحيوانات الرائعة تسعى تحت مرمى بصري والأرض والجبال والشمس والقمر.. والميكروسكوب يكبر الخلايا والمخلوقات المجهرية البديعة والتلسكوب يقرب البعيد جدا ويظهر لي ملكوت السماء بروعته واعجازه. وهكذا سيكون هذا السعي والشغل مهما جدا، التأمل والتفكر في مختبر الطبيعة لاختراع المعاني العلمية الإيمانية العظيمة، الأدوية العبقرية لمرض العصر.. "الغفلة عن الإيمان".


والله المستعان