في زمن كثرت فيه الفتن و قل فيه الالتزام بشرع الله ظهر الكثير من المتعالمين الذين يدّعُون العلم ونصبوا أنفسهم دعاة للأمة فاغترَّ بهم الشباب خاصة فتركوا الرجوع للكتاب و السنة و كبار علماء الأمة و أصبحوا يأخذون دينهم عن المتعالمين الذين جعلوا الدين يسيرا.
وأصبح هؤلاء قدوتهم و إن كان سمتهم و هديهم مخالفا لما كان عليه النبي صلى الله عليه و سلم، فحينما تسأل عن مصدر هذه المعلومة أو تلك، قالوا فلانا وفلانا، أسماء ظهرت بين اليوم و الليلة..
ولو تتبعنا سيرة هؤلاء المتكلمين نجد أنه لا يعرف لهم شيوخا تلقوا عنهم العلم...!
فحظهم من العلم الشرعي لايكاد يذكر...!
فكيف نجعلهم مرجع لنا في رأس أمرنا وهو ديننا العظيم...!
يريدون أمثال هؤلاء جعل الدين نصف إسلام أو ربع..!
و علماء الأمة الربانيين يريدونهم اسلاما كاملا..!
فعلى كل المسلمين ، أخذ العلم عن أهله، وبأخذه عن أكابر أهل العلم ما استطاعوا إلى ذلك سبيلا، ولا يلجؤوا إلى الأصاغر إلا عند الضرورة، ولكن عليهم أن يحذروا كل الحذر من المدسوسين والمشبوهين والمجهولين وأدعياء العلم، فإن هؤلاء لا يقودون إلا إلى الهلاك والضلال لأنهم يحدثون في دين الله ما ليس منه، وليعلم الجميع أنه ليس من منهج السلف أن يجتمع الشباب ليس لهم رأس في العلم بزعم أنهم يتفقهون في الدين، دخل أحد السلف جامعاً فوجد جماعة متحلقين، فقال: ما يصنع هؤلاء؟ قالوا: يتفقهون، قال: هل لهم رأس؟ أي هل لهم شيخ من أهل العلم والفقه يعلمهم؟ قالوا: لا، قال: إذاً والله لا يفقهون أبداً.
إنّ شريعة الإسلام قد أوجبت على كل مسلمٍ أنّ يتقي الله عز وجل إذا تحدث عن الله أو تحدث عن رسول الله صلى الله عليه و سلم.
واجبٌ على كل مسلم أن يتحرّى في كلامه ، ليحل الحلال ويحرم الحرام، ويأمر بالمعروف وينهى عن المنكر، ويحل الطيبات ويحرم الخبائث على نور و بصيرة بالدليل الصحيح. أما إذا اعتاد الإنسان أن يطلق للسانه العنان فيتكلّم فيما يعلم وفيما لا يعلم و يفتي فيما يحسن وفيما لا يحسن حسب عقله فإنه يأتي بالطامّات العظيمات، ويتكلم بالأمور المنكرات، فيحل الحرام ويحرم الحلال، ويأمر بالمنكر وينهى عن المعروف، ويكون سببًا لشقّ العصا وتفريق الكلمة وزرع العداوة والبغضاء بين المؤمنين ... و الدين قد أتمه الله و ارتضاه لنا ... فإن أقسم هؤلاء جهد أيمانهم أنهم يريدون خدمة دين الله و هم يعملون بما لم يشرع الله فإنهم لا يكذبون إلا على أنفسهم .
ربُنا جل جلاله في كتابه الكريم أصّل هذا الأصل الأصيل، وبيّن هذا الأدب القويم في خطابه لأنبيائه ورسله صلوات ربي وسلامه عليهم أجمعين، يقول ربنا الرحمن مخاطبًا نوحًا عليه السلام:
{قَالَ يَا نُوحُ إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صَالِحٍ فَلاَ تَسْأَلْنِ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنِّي أَعِظُكَ أَن تَكُونَ مِنَ الْجَاهِلِينَ }هود46
ويخاطب نبيه محمد فيقول له:
{قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَن تُشْرِكُواْ بِاللّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَاناً وَأَن تَقُولُواْ عَلَى اللّهِ مَا لاَ تَعْلَمُونَ }الأعراف33
ويخاطب كل امرئٍ مسلمٍ بقوله سبحانه:
{وَلاَ تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولـئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْؤُولاً }الإسراء36
وإن العلم في الإسلام له منزلة ومقام رفيع، وهو في نظرة الإسلام مسؤولية عظمى وأمانة كبرى، والأمة اليوم وهي على مفترق طرق شتى تتربَّص بها الشرور من كل منعطف وزاوية، يريد الأعداء أن يقوِّضوا رسالتها ويطفئوا مشاعلها بالوسائل المتعددة من قوة معادية، وثقافات مسمومة، ومفاهيم دخيلة مغلوطة، ومناهج ملوثة، فإن الأمة والحال تلك في أحوج ما تكون إلى سلوك سبيل الإسلام في التربية والتشريع، في الحكم وجميع الشؤون، لتنهل من ينبوعه الزاخر، فتلتزم التزامًا كاملاً بالمنهج الرباني، وتحتكم إليه الاحتكام التام، لتصل إلى الغاية الأساسية، وهي السعادة والأمن في هذه الدنيا وفي الآخرة.
وإن من لزوم سلوك هذا السبيل حاجتها العظيمة إلى العلماء الربانين والدعاة الصادقين، لتنهل من علمهم، وتتوجه بوجهتهم، وتتربى بقدوتهم.
ومن هنا، فثمَّة مفاهيم أساسية ومرتكزات أصيلة يجب أن تكون على بال كل طالب علم في هذه الأمة المحمدية، تذكُّرًا وعملاً، منهجًا وسلوكًا.
1. فالواجب البعد عن الهوى ورغبة النفس، وعن التعصب في المقال والفعال، فذلك باب لظلمة القلوب، وتهييج النفوس، وتعكير الألسن بطيِّ الفضائل ونشر الرذائل، فقد أوصى الله نبيه داود بعدم اتباع الهوى فكيف بباقي البشر الذين يخطؤون و يصيبون {يَا دَاوُودُ إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِي الْأَرْضِ فَاحْكُم بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ وَلَا تَتَّبِعِ الْهَوَى فَيُضِلَّكَ عَن سَبِيلِ اللَّهِ إِنَّ الَّذِينَ يَضِلُّونَ عَن سَبِيلِ اللَّهِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ بِمَا نَسُوا يَوْمَ الْحِسَابِ }ص26 .
فلن يستقيم عدل إلا بإرضاء الخالق جل وعلا.
2. وجوب الرد إلى الله وإلى رسوله في كل مسألة تنزل أو معضلة تقع، يقول جل وعلا: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَطِيعُواْ اللّهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنكُمْ فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللّهِ وَالرَّسُولِ إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً }النساء59، ويقول صلى الله عليه و سلم : ((فإنه من يعش بعدي فسيرى اختلافًا كثيرًا، فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي عظوا عليها بالنواجذ)) .
ممن نأخذ الفتوى؟!
يجيبنا الحافظ ابن قيم الجوزية في كتابه "إعلام الموقعين عن رب العالمين"، بقوله:
"لا يحل لأحد ان يفتي في دين الله الا رجلا عارف بكتاب الله بناسخه و منسوخه و محكمه و متشابهه و تأويله و تنزيله و مكيه و مدنيه و ما أريد به و يكون بعد ذلك بصيرا بحديث رسول الله و بالناسخ و المنسوخ و يعرف من الحديث مثلما عرف من القرآن و يكون بصيرا باللغة بصيرا بالشعر و ما يحتاج إليه للسنة و القرآن و يستعمل هذا مع الانصاف و يكون بعد هذا مشرفا على اختلاف اهل الامصار و تكون له قريحة بعد هذا فإذا كان هكذا فله أن يتكلم و يفتي في الحلال و الحرام و اذا لم يكن هكذا فليس له أن يفتي".
قال الامام النووي رحمه الله في كتابه المجموع (1/41): " فصل شرط المفتى كونه مكلفا مسلما ثقة مأمونا متنزها عن أسباب الفسق وخوارم المرؤة فقيه النفس سليم الذهن رصين الفكر صحيح التصرف والاستنباط متيقظا سواء فيه الحر والعبد والمرأة والاعمى والاخرس إذا كتب أو فهمت اشارته: قال الشيخ أبو عمر وبن الصلاح وينبغي أن يكون كالراوي في انه لا يؤثر فيه قرابة وعداوة وجر نفع ودفع ضر لان المفتى في حكم مخبر عن الشرع بما لا اختصاص له بشخص". أهـ
و قد يفرق البعض في زماننا بين الفتوى و الدعوة فيقول بعضهم أنا لا أفتي و لكني أدعو لدين الله..!
نعم هناك فرق بين الدعوة و الفتوى..إن كان الداعية لدين الله ينقل النقل الصحيح عن علماء الأمة تكون دعوته صائبة، لكن كل من ينصب نفسه داعية للأمة على مجال واسع سيكون له لا محال نصيب من الفتوى لأن الناس سيسألونه عن دينهم و سيضطر ليجيب..و كيف سيكون جواب من لم يتعلم أصول الدين و لم يدرس أقوال العلماء على ضوء النصوص ليعرف الراجح من المرجوح..!
فعجباً لهؤلاء الذين يكون لهم جوابا لكل سؤال و قد سئل مالك في 48 مسألة فقال في 32 لا أدري.
فعلى الأمة أن تسعى لأخذ الدين ممن أوصانا الله جل و علا بالأخذ عنهم : "فَاسْأَلُواْ أَهْلَ الذِّكْرِ إِن كُنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ"..
[RAM]http://www.geocities.com/mohamedhassanfile/mohamedhassantotal.ra[/RAM]
من هم العلماء ؟ " حلقه قيمة من برنامج الراصد"هنا..
..المراجع خطب متنوعة من موقع المنبر..
الروابط المفضلة