تأملات ووقفات ( 2 ) : الحوار ،،،،
وفرت الاتصالات الحديثة للعالم حرية انتقال الحضارات والثقافات ، وأصبح ما كان جرماً بالأمس ، وتواريه الدول والحكومات ، وتشدد على نشره الأجهزة الرقابية في الدول أصبح متوفراً لدى الشخص العادي عبر الفضائيات المنتشرة ، وعبر الشبكات العنكوبتية .
بل وفرت هذه التقنية لغة التخاطب بين أبناء ( البشر ) في كل أصقاع الأرض ، فأصبح الواحد منا يخاطب من يشاء ومتى يشاء ، بعيداً عن سلطان الرقابة غير الذاتية .
وحديثي هنا لن يكون عن شرور وخيرات هذا التقنية ، ولكني سأتحدث عن أمر موجود من قبل ولكنه أثير وبشكل كبير مع ثورة الاتصالات الحديثة ، ذلكم هو موضوع الحوار ،،،،،
وأعلم مسبقاً بأن كثيرين من الأخوة والأخوات لا يحبون المقالات المطولة ، ولكني أعتذر لهم عن طول مقالاتي في هذه السلسة لأن المقام يقتضي ذلك ،
ولأجل الاختصار أريد أن أقسم الكلام على نقاط مختصرة ما أمكن ، فأقول وبالله التوفيق :
أولاً- الإنسان مدني بطبعه ، يحب أن يألف وأن يؤلف ، ولذا لم يكن له أن يعيش منعزلاً عن الناس من غير ضرورة داعية لذلك ، كخوف فتنة عند تحول الزمان ، أو انتشار مرض معدٍ أو ما أشبه ذلك . والتواصل البشري أمر أقرته الشريعة وغرس في الفطر . ولكن تبقى تلك الأطر التي تحكم علاقة الإنسان بالإنسان ، والتي تكفل خالق الإنسان والعليم الخبير به وبما يصلح له ببيانها ووضع قوانينها .
ثانياً- مهمة الإنسان في هذا الحياة أن يعبد الله تعالى وحده لا شريك له { وما خلقت الجن والإنس لا ليعبدون } ، ولذا كان لزاماً على كل بني الإنسان أن يدخلوا الإسلام عقيدة وسلوكاً ، قال الحق تبارك وتعالى : { ومن يبتغ غير الإسلام ديناً فلن يقبل منه } . فدعوة الإسلام دعوة عالمية . وعليه فإن الواجب علينا معشر المسلمين أن نخاطب ونحاور العالم كله بكافة طبقاته وفئاته بدعوة التوحيد .
ثالثاًً- ليس كل بني البشر سواء ، فهم مختلفون في كل شيء . فالأجناس متفاوتة ، والأفهام متفاوتة والعادات وسلوكيات العيش متفاوتة أيضاً . والتمازج مطلوب بين بني البشر لما فيه الصالح العام ، لكن مع الحفاظ على الثوابت كما سيأتي بيانه إن شاء الله .
رابعاً- الإسلام هو الدين الذي أراده الله تعالى للناس كلهم كما ذكرت سلفاً ، هذا الدين شامل لكافة مستلزمات حياة البشر ، وحيال ذلك ، لا بد لنا أن نعي أموراً :
أولها- وأوجهها بداءة إلى العقلانيين ، الذين كثروا في هذه الأيام : إن العقل البشري مهما كمل وبلغ من القدرة على التمييز والتفكير عاجز أمام كثير من الأمور التي تتعلق بحياته ، ولذا احتاج إلى شريعة إلهية تحكمه وتضع له ما ينبغي عليه فعله ليحقق الخير له وللآخرين في الدنيا والآخرة .
فعجز الإنسان على مدى حياته الممتدة عبر السنين عن إدراك كنه روحه وكيفيتها - وهي القوة المحركة له - ذلكم الإنسان أعجز عن إدراك ما هو خارج عن ماهيته من باب الأولى . ولذا أقول : إن إدراك عواقب الأمور وماتؤول إليه الأشياء أمر لا يستطيعه الإنسان ، ومن هنا جاء الشرع المطهر ببيان الحلال والحرام وأمور الغيب التي لا يحيط الإنسان بحقائقها الغائية بمجرد الركون إلى قوته الذاتية . قال الحق تبارك وتعالى : { كتب عليكم القتال وهو كره لكم وعسى أن تحبوا شيئاً وهو شر لكم وعسى أن تكرهوا شيئاً وهو خير لكم والله يعلم وأنتم لا تعلمون } .
وهذا فرع عن مسأله التقبيح والتحسين هل هو ثابت بالعقل أم بالشرع ؟ والكلام فيها وفي مذاهب الناس قد بسطه شيخ الإسلام في كثير من مؤلفاته ، فلتراجع هناك .
وعموماً فحين ركن العقل إلى قدرته وشهواته أنتج القنبلة الذرية التي دمرت ملايين البشر ، ومارس الظلم بأبشع صوره وعلى كافة الأصعدة .
ثانيها- هذه الشريعة الخالدة احتوت على ثوابت ومتغيرات ، أما الثوابت فهي تلك التي تتعلق بأبواب الإيمان والتوحيد والعقائد ، وأبواب الحلال والحرام والنصوص القطعية التي لا تحتمل التأويل- وأعني بالتأويل التأويل بضوابطه ، لا التأويل الذي هو أقرب إلى تحريف الكلم عن مواضعه - ، وهناك متغيرات هي تلك التي تتعلق بحياة الإنسان وعلاقته والتي تحكمها ظروفه الآنية ، مع العلم بأن هذه المتغيرات لا تخضع لمزاج الإنسان بل تتم ضمن ضوابط الشرع العامة والتي تسمى عندنا بالمقاصد الشرعية ، والتي لا يتحدث فيها وفي تقديرها من هب ودب ، بل لها أبناؤها المختصون من أهل العلم والخبرة والدراية والإخلاص .
ثالثها- ليس لأحد خصوصية التشريع إلا الله تعالى ورسوله المبلغ عن الله أمره ، وليس لأحد خصوصية الاتباع مطلقاً إلا رسول الله صلى الله عليه وسلم . وعليه فإن كل أحد يؤخذ من قوله ويرد إلا الرسول صلى الله عليه وسلم . فلا يؤخذ قول أي أحد ولو كان من كان على أنه تشريع ملزم في كل الأحوال . وأقول : إن الإنسان لا تؤمن عليه الفتنة والتغير ، فالقلوب بين أصبعين من أصابع الله تعالى يقلبها كيف يشاء ، والتمسك بالحق أولى من التمسك بالأشخاص .
رابعها- الأشخاص يعرفون بالحق ولا يعرف الحق بالأشخاص ، والمعنى : إن المطلوب منا أن نعرض أقوال الناس على الشرع ، فإن وافقت الشرع قبلت ، وإن عارضت رفضت ، وإن احتوت على حق وباطل ، قبل الحق ورفض الباطل .
خامسها- قال لنا المعصوم صلى الله عليه وسلم فيما صح عنه : (( تركت فيكم ما إن تمسكتم به لن تضلوا بعدي كتاب الله وسنتي )) ، وقال : (( عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي )) ، وقال أيضاً : (( خير الناس قرني ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم )) ، فكان الواجب علينا اتباع هدي الكتاب والسنة إذ هما المصدران الأصيلان اللذان لا تذهبهما الأيام إلى أن يشاء الله ذلك في آخر الزمان كما نطقت بذلك الأخبار ، وعلينا أن نقتفي آثار من سلف من خيار هذه الأمة من الصحابة والتابعين ومن تبعهم بإحسان ، اتباعاً لما أمرنا به صلى الله عيه وسلم ، والخير في الاتباع لا في الابتداع . مع اعتقادنا الجازم أن الصحابة ومن بعدهم من التابعين بشر يخطئون ويصيبون - وإن كان ذنبهم مغفور في جنب بلائهم العظيم في الإسلام - ولكننا مأمورون باتباع ما كان عليه مجموعهم وجمهورهم والذي جاء ترجماناً للكتاب العزيز والسنة النبوية الشريفة .
خامساً- نحن أمة مرحومة ، من الله تعالى علينا بالإسلام وجعلنا خير أمة أخرجت للناس . نحن لا ندعو إلى عنصرية عرقية ، إذ كل من دخل هذا الدين شملته هذه الخيرية بقدر تقواه { إن أكرمكم عند الله أتقاكم } . نحن لا نمارس الكبت أو مصادرة الناس في عبادتهم وإن كانت باطلة ، ولكننا ندعو الناس إلى النعيم الذي نحن فيه ، فمن اهتدى فلنفسه ومن عمي فعليها ، وباب الجهاد معروف للناس كلهم سواء كان غزواً أم دفاعاً بما اشتمل عليه من أخلاقيات الإسلام .
ثم إننا لسنا متعطشين إلى التكفير أو التبديع ، لكننا في الوقت ذاته لن نتوانى عن إعلان بطلان عبادة غير الله تعالى ، ولن نتقاعس عن إطلاق الأسماء الشرعية من التكفير والتبديع والتفسيق على من استحقها بشروطها .
وماذا بعد ؟!!
من خلال هذه المنطلقات والقواعد يمكننا أن نجيب على دعوات الحوار والتقارب التي يدعو إليها كثيرون : حوار بين الأديان ، حوار بين المذاهب ، حوار بين متعارضين ،،،،،
فما عساكم تقولون ؟!!!
------------
بعضهم - طبعاً ليس من أعضاء هذا المنتدى الخير- سيقول عني بأني أمارس الإرهاب الفكري وقمع الآخر عن طريق التكفير الديني إن لم ينفع التخوين السياسي !! وأني أسم بميسم التبديع ومخالفة منهج الله لمن خالف منهجي وأقوالي . بل بعضهم سيقول : ومن أنت لكي تتكلم بلسان الشرع وتنصب نفسك حكماً ؟
كل هذا سيقال وسيزاد عليه ، ولكي أستبق الأسئلة لأقول :
أنا ادعو إلى ما قاله الله تعالى وقاله رسوله صلى الله عليه وسلم ، وأحاور من اتفق معي على هذه الأصول ، لأنها ثوابت جاءت مبينة في كتاب الله تعالى وفي سنة رسوله صلى الله عليه وسلم وفي سيرة السلف الصالح من التابعين وأتباعهم وتبع الأتباع ، وبينها علماء الأمة المعروفين بدينهم وعلمهم .
أما المزايدات الرخيصة فكل يستطيع أن ينكر وأن يدعي ما يدعيه ، والوقت أثمن من أن يضاع في مناقشة و( حوار ) أمثال هؤلاء .
وللتأملات بقية ،،،
أخوكم صوت الأحساء ،،،،،،
الروابط المفضلة