احتراق مدينة المطرية سنة 1907 م
تعرضت مدينة المطرية لحريق مدمر في ربيع 1907 أتى على الأخضر و اليابس و لم يذر فيها إلا أكواما من الرماد و الحيوانات النافقة كما أن النيران أهلكت عدداَ كبيراَ من أهالي المدينة , و قد نشرت جريدة الأهرام في عددها الصادر بتاريخ 26 يونيو 1997 للدكتور يونان لبيب رزق دراسة تفصيلية عن احتراق المدينة في ابريل 1907 و هي دراسة مستفيضة تجعلك تشعر و كأنك ترى الحريق بعيني رأسك و تشعر أيضا بمدى الدمار الذي لحق بالمدينة حتى أنها (المطرية) لم يكن احد في القطر المصري يعلم شيئاَ عنها فكان هول هذه الكارثة بمثابة جرس قرع بأصواته المزعجة آذان الشعب المصري كله لمؤازرة إخوانهم الصيادين في المطرية ، و تقديم العون و المساعدة من اجل الظروف التي مروا بها على مدى تاريخ المدينة و هم حينئذ أكثر من 20 ألف لقد وجدت أن انقل نص هذه الدراسة في هذا الكتاب لكونها نادرة في إثبات الأحداث ، و وصفها تفصيلياَ ، و لمكانة معدها د. يونان رزق فهو أحد كتاب و مؤرخي مصر الثقات ، و لصعوبة تمكني من الحصول على مراجع أو مصادر تتناول هذا الحادث المروع .
و تحت عنوان : ( احتراق مدينة الصيادين ) نشرت جريدة الأهرام ما نصه : (و من تلك الأحوال ما جرى خلال ربيع عام 1907 من احتراق مدينة المطرية المطلة على بحيرة المنزلة ، فقد شخصت أنظارهم إلى تلك المدينة التي يعيش فيها وقتئذ أكثر من 20 ألف كان اغلبهم من الصيادين ..
و تحت العنوان : ( الرزء العظيم في احتراق المطرية ) ساقت الأهرام في عددها الصادر يوم 17 ابريل عام 1907 أخبار ما أصاب مدينة الصيادين التي طيرها إليه وكلاؤه و مكاتبوه الموجودون بالمنطقة تلغراف وكيل الأهرام في المنصورة جاء فيه : ( دمرت حريقه المطرية جميع البلدة و دواوين الحكومة فيها و دفاترها و يقول رجال الإدارة هناك أن النيران أهلكت كثيرين من أهلها ، و قد أرسلت المديرية 3 ألاف أقة من الخبز و أرسلت المياه و الخيم لمؤاوات المنكوبين و طلبت المديرية من الداخلية 3 ألاف أقة من البقسماط ) !
مكاتب المطرية أرسل تلغراف آخر يستكمل به هذه الصورة المأساوية لمدينة الصيادين كان مما جاء فيه :" عرفتكم تلغرافياَ عن حدوث الحريق الهائل الذي أصاب مدينة المطرية و قلت لكم إن الباقي من البلد نحو الربع و لكن لغاية هذه الساعة 16 الجاري الساعة 10 صباحاَ لم يبق غير العشر و لازالت النار مشتدا لهيبها و يخشى على الباقي لان النار أحاطت بالبلد من الأربع جهات و كأنه موكل بذلك ملائكة شداد غلاظ لم تستطع قوة الحكومة و آلات المطافئ إطفاء النار أو ردع الحريق .. و بالجملة قد عم المصاب جميع اهالى هذه المدينة من جميع الطبقات " .. أما تلغراف مكاتب المنزلة فقد جاء فيه أن النار " أحاطت بمدينة المطرية من كل جانب و اشتد لهيبها حتى عجز كل إنسان عن مكافحتها. و وصل وكيل المديرية أولا مع معاون بوليس المركز في قطار مخصوص و معهما وابورات المطافئ فلم يتمكن من إخماد النار ثم جاء مدير الدقهلية على قطار آخر فلم يفلح في مكافحتها و قد احترقت المدينة و المصاب جلل و الخطب عظيم و السبب مجهول " !
اكتملت الصورة بتلغراف وكيل الأهرام في المنصورة الذي أرسله يوم 18 يونيو و الذي جاء فيه : " لم أجد المطرية بل وجدت كدساَ من الرمال و التراب أما الاهالى فإنهم نازلون في فضاء الأرض و الفقراء منهم قد نشروا ملأت نسائهم خياماَ تغطيهم و تغطى عيالهم .. و كان النار لم تكتفي بأكل المدينة حتى امتدت إلى المراكب الواقفة في المراسي فأكلت خمسة منها و أكلت عربات السكة الحديد و البضائع الموجودة فيها " .
تقدم جريدتنا وصفاَ للمطرية بهذه المناسبة الحزينة فتقول : إنها مدينة واقعة على بحيرة المنزلة يزيد عدد سكانها على 20ألفاَ و فيها متاجر الأسماك التي تصاد من البحيرة ، و هي شبه جزيرة عليها و لكنها وصلت ببر الدقهلية بردم البحيرة و مد إليها الخط الحديدي من المنصورة .
تأكيداَ على العلاقة الحميمة بين المطرية و البحر تقول الأهرام أنّ جانباَ من يابسها قد تكون من الصدف ، و أنّه بعد أن ضاقت المدينة بأهلها أخذوا يردمون ما يحيط بها من البحر من الصدف الذي كانوا ينقلونه من جزر بحيرة المنزلة ، و لعلّ ذلك يذكرنا بأهل البحر الهولنديين الذين نجحوا في انتزاع أغلب أراضى بلدهم من البحر حتى شاعت المقولة بأنّه "بينما خلق الله العالم فقد صنع الهولنديون هولندا " و لم يختلف أهل المطرية كثيراَ عن الهولنديين و إن لم يكتسبوا نفس شهرتهم .
و تستطرد الأهرام في وصف المدينة فتقول أنّ أغلب مساكنها مقامة من الخشب " و هي متلاصقة و فيها نيف و 20 ألف مركب و زورق كلها تشتغل بصيد الأسماك فى بحيرة المنزلة و لا تجارة لها و لا زراعة و لا صناعة و لا يرتزق سكانها من غير الأسماك . و بعضهم قد أثرى من هذه التجارة ثراءَ كبيراَ " .
و ثمة ملاحظات على هذا الجانب من وصف صحيفتنا للمطرية :
أولاهما :أنّ الأهرام فى محاولاتها للتأكيد على هوية المدينة باعتبارها مدينة الصيادين قد بالغت فى تقدير عدد المراكب و الزوارق التى يمتلكها الأهالى إذ يصعب تصور أنّ سكانها العشرين ألفاَ يملكون عدداَ مماثلاَ من هذه القوارب و الزوارق . . بمعنى أنّ لكل شخص مركب (!) .
و ثانيها:أنّها قد ميزت بين صيادي السمك و تجارة أصحاب الثروة الكبيرة، و من المتصور أنّ الآخرين قد اقتنوا هذه الثروة من استغلال الأولين.و من الجانب الآخر من هذا الوصف كشف عن تلك المشكلة التى منها أغلب هذه المجتمعات البحرية الخالصة ..نقصان المياه العذبة ، و تقول الأهرام كانت تنقل إليها من بورسعيد بالمراكب إما عن اتصالها بأقرب الحواضر و الذي كان ضرورياَ لتوفير السوق للصيد البحري فتقول صحيفتنا أن شركة المنزلة حفرت قناة فى البحيرة لسير بواخرها بين المطرية و بورسعيد " و هي تقطع هذه المسافة الآن فى ثلاث ساعات " هذا فضلا عن السكك الحديدية التى تربطها بالمنصورة و التى توفر لها سوقاَ آخر . كل هذا ما عرفه المصريون فى مناسبة الحريق الكبير الذي جاء على اغلب مدينة الصيادين ، و كانت المبادرات التى قاموا بها لمد يد العون إلى اهالى المطرية بمثابة اكتشاف لهذه المدينة ، فقد اشتركت فى حملة الإعانة قطاعات متنوعة من أبناء الشعب المصري ، الأمر الذي يستحق وقفة .
فى يوم 30 ابريل عام 1907 ناشدت الأهرام المصريين إنقاذ 15 إلف نفس وجدوا أنفسهم بلا مأكل أو ملبس أو مشرب مما جاء فى قولها " نستثير عواطف أهل البر و الإحسان لإغاثتهم و إعانتهم و ننتظر من كبراء الأمة بل من الأمة جميعها مد يد المساعدة إليهم و إنا نفتح منذ اليوم أعمدة الأهرام و البيراميدل نشر أسماء المتبرعين " التي استهلتها صحيفتنا بالتبرع ب500 قرش بالتمام و الكمال !
بدأت بعد ذلك الصحيفة فى نشر قوائم المتبرعين التى شملت قطاعات عريضة من المصريين نظن انهم كانوا يسمعون لأول مرة عن مدينة الصيادين بالمطرية .
زيارة الخديوي عباس الثاني:
أن من لم يسمع من المصريين بخبر حريق المطرية قد سمع بزيارة ولى النعم لها، فقد صدر بلاغ رسمي يوم 27 ابريل جاء فيه:
إن الجناب العالي يسافر إلى الإسكندرية و بطريق يخلف كل قواعد الجغرافيا إذ تقرر أن يسافر بطريق النيل بالإبحار فى فرع دمياط إلى أن يصل إلى المنصورة و منها إلى المطرية فبورسعيد من حيث يستقل اليخت المحروسة قاصداَ الإسكندرية , و قد فهم الجميع أن سبب الخروج عن قواعد الجغرافيا بالسفر غرباَ عن طريق الشرق وراؤه رغبة خديوية إن يزور مدينة الصيادين .
حدث هذا بالفعل عندما وصل عباس الثاني إلى المطرية فى صباح يوم 8 مايو حيث نزل من القطار الخاص " و سار مشياَ على قدميه بين الأنقاض فطاف كل الأحياء التى دمرها الحريق و عند مروره وقف أمام احد المساجد المدمرة فاستبشر الاهالى خيراَ بهذا الوقوف ، و أيقنوا إن سموه مصدر أمره قريباَ ببناء المساجد .. و تكرم سموه بمبلغ 500 جنيه لإعانة الفقراء و المساكين فنطقت ألسنتهم بالشكر و زادوا بالدعاء "
الطريف فى هذه الزاوية _ و الكلام للدكتور يونان _ أن الاهالى بالمطرية قدموا للخديوي عريضتين قالوا فى الأولى : " أن مصيبتنا بانت فى جانب تفضلاتكم كأنها لم تكن فنحن الآن نستقبل خديوينا المعظم بصدور ملؤها السرور و الانشراح"
و تصورنا أن آخرين كتبوا لهؤلاء هذه العريضة ، و قد يكون مأمور المركز , فليس معقولا أن تمتلئ صدورهم بالسرور و الانشراح لمجرد زيارة الخديوي بينما الدمار يحيط بهم من كل جانب !
العريضة الثانية متصلة بما يترتب على الحريق من تدمير مساجد المطرية الثمانية " و بتنا الآن و لا قدرة لنا على تعميرها فنلتمس من خديوينا المعظم إصدار الأمر العالى لديوان الأوقاف ببناء مساجد و لو فى جهة العقبيين و العزبة الجديدة و الغصن وإنا نبسط أكف الضراعة إلى الله أن يديم سموكم مع الأنجال الفخام "
أما من لم يلفت نظره حملة الاكتتاب الواسعة التى شملت أغلب مصر و لا شد اهتمامه زيارة الجناب العالى للمدينة المنكوبة فلا بد ان يكون قد تابع بشغف احتجاجات الصيادين على سياسة الحكومة حيال مدينتهم بعد احتراقها و التى وصلت الى حد الاغتصاب ، مما يشكل الفصل الاخير من قصة احتراق المطرية .
· تشكلت لجنة العمومية فى اوائل مايو لاسعاف منكوبى الحريق برئاسة مدير الدقهلية انبثق عنها لجنة تنفيذية قصدت المطرية ، و التى اوصت : اولا : بنجدة البائسين من منكوبى الحريق ، و كانوا 401 ارملة .. جنيهان لكل ، و 161 من ارباب العائلات " التى اصبحت لا زاد عندها و لا ملجا " بمبلغ 5 جنيهات لكل ، كما تم توزيع كميات كبيرة من الاقمشة " لستر اجساد المعوزين " ! .. وضعت اللجنة التنفيذية ايضاَ المبادئ العامة لاعانة المنكوبين و كانت ثمانية :
اولا : ترك رسوم الصيد لمدة 8 شهور .
ثانياَ : تسلف الحكومة للتجار و اصحاب الاملاك 100 الف جنيه مقسطة على عشر سنوات بلا فائدة .
ثالثاَ : تسلف شركة بواخر المنزلة للصيادين 6 الاف جنيه تاخذها من اثمان الاسماك التى تباع بواسطة هذه الشركة بخصم 5 % من تلك الاثمان .
رابعاَ : الاعانات التى تجمع من الاهالى تعطى للمحتاجين من الاهالى و التجار دون الصيادين الذين يجدون ارزاقهم امامهم .
خامساَ : الاسراع باجراء التنظيم و ما يؤخذ من املاك الاهالى للشوارع العمومية بدفع ثمنه فوراَ ، و يعطى لهم مساحات فى البحيرة ليردموها ، و يحسب ثمن المتر عليهم مليماَ يعطى للحكومة .
سادساَ : يؤجل ردم المساحة المبيعة للاهالى فى البحيرة لعجزهم عن ردمها الان .
سابعاَ: تتجاوز مصلحة الاثار المصرية عن الرسوم التى تاخذها من الاتربة و الحجارة التى يحفرها الاهالى من تلول البحيرة لبناء منازل المطرية .
ثامناَ : الطلب من ديوان الاوقاف بان يعيد المساجد التى احرقت .
و تقدم تلك المبادئ صورة لطبيعة الحياة فى مدينة الصيادين .. الرسوم التى تاخذها الحكومة منهم ، اعتمادهم على شركة بواخر المنزلة فى تصريف منتجاتهم او جانب منها ، ردم البحيرة مقابل رسوم تحصل عليها مصلحة الاثار .
و على ضوء تلك المبادئ بدات عملية الاسعاف ، و التى تمت على نحو لم يرض الصيادين ، فقد قدم اكثر من 8500 جنيهاَ على 704 عائلة من غير الصيادين ، و قد تم تقسيمها الى خمسة مراتب بين 27 عائلة من الاسر الكريمة فى المرتبة الاولى ، 352 عائلة فى المرتبة الاخيرة , بينما حصل منكوبو الدرجة الاولى على 50 جنيهاَ , و كان نصيب منكوبى الدرجة الثانية 35 جنيهاَ ، و الثالثة 25 جنيهاَ ، و الرابعة 15 جنيهاَ ، و الاخيرة 9 جنيهات فحسب .. و بالمقابل خصص للصيادين 5 الاف جنيه كانت قد قدمتها الحكومة و قد قسموا بدورهم الى 5 مراتب و ان حصلوا على مبالغ اقل ، فقد تراوحت اسعافاتهم بين 30 جنيهاَ لاصحاب المرتبة الاولى و 5 جنيهات لمن وضعوا فى المرتبة الاخيرة و هو ما دعا الاهرام للتعليق .. قالت " وضع درجات للصيادين بالاقل عن الاهالى هو بالنظر لكون الاهالى قد تعطلت اعمالهم و تجارتهم من وقت حصول الحريق لعدم وقود نقود معهم تمكنهم من ادارة اشغالهم و لانهم اجدر بالعناية من الصيادين لان الصيادين لم تقف حركة اعمالهم مثل الاهالى و التجار بل انهم بعد الحريق بايام قليلة جداَ باشروا اعمالهم كما كانت ، هذا فضلاََ عن ان خسائرهم اقل بكثير من الاهالى " و لم يكن هذا راى الصيادين . فقد جاءت الاخبار باغتصاب بعض من هؤلاء و تعرضوا لزملائهم ليمنعوهم من الصيد , و هددوهم بقلب مراكبهم اذا هم اقدموا على الصيد بها " فشكا هؤلاء للبوليس فى المطرية و لخفر السواحل فى القنبوطى ، و ابلغ الخبر لمديرية الدقهلية فجاء حضرة وكيل المديرية مع مامور مركز دكرنس و ضابطين و 25 عسكرياَ من البوليس و باش كاتب خفر السواحل و معه قوة اخرى فاحضر وكيل المديرية المتعصبين و القى فيهم خطاب حثهم فيه على العودة الى العمل و عدم التعرض لسواهم و حذر كل من اعتدى على اخر من عاقبة اعتدائه " .
و تقر الاهرام بان بعض الصحف اخذت تناصر المتعصبين و عضدتهم و هو ما لم يعجب صحيفتنا التى انحازت للتجار و اصحاب الاملاك على حساب الصيادين ، فهى من ناحية ارتات ان خسائر هؤلاء بلغت نحو نصف مليون جنيه بينما لم تزد خسائر الصيادين عن 50 الفاَ ، و مع ذلك اخذ الصيادون ثلث الاعانة ، و هى من ناحية اخرى رات ان فرصة الصيادين فى تعويض خسائرهم اكبر كثيراَ من فرصة غيرهم فيما عبرت عنه بقولها .. " زد على هذا ان الصياد يجد رزقه فى ماء البحيرة فقد أكلت النار ماله ولم تبق له ما يسدد ديونه أو يعيل نفسه وعياله وليس له من رزق آخر غير تلك التجارة أو تلك الأملاك التى تلفت فأما المصابون حقيقة هم التجار وأصحاب الأملاك والصناع لا الصيادون الذين لم تحرق النار بحرهم ولم تأكل سمكهم فهم وجدوا رزقهم فى يوم المصيبة "
تتطور الامور الى مطالب فئوية حين احتج المغتصبون على منع الحكومة للصيادين عن الصيد بالشباك الضيقة وذهبوا فى ذلك الى حد ارسال وفد منهم الى الاسكندرية .
جاءت خطوة السلطات التالية من جانب مدير ادارة الاقسام الشرقية من خفر السواحل وكان انجليزيا اسمه "سنو "فقد وزع الرجل منشورا او ما كان يسمى بلغة العصر اعلانا فى كل انحاء المطرية وقد امتلا بالتهديد والوعيد
جاء ف هذا الانذار أن هجر الصيادين لمهنتهم سوف يترتب عليه أن يوصى الحكومة بردم البحيرة لتجعلها ارض زراعية وتكتب الاهرام ما يفهم منه أن الاعتصاب لم يكن عاما بين صيادى المطرية فقد صنفتهم الى ثلاث مجموعات "السنارتيه" و"الرفاعة" ولم يشاركوا فيه وقد اقتصر على الصيادين الشباكة وعدم استجابة الخديوى لمطالبهم ايضا ولقد تقدم هؤلاء بشكوى الى مدير المديرية بشأن مياه الشرب فقد كانت المراكب تحمل لهم المياه من بورسعيد فيبتاعون الصحف اليومية بثمن بخسو لشدة فقرهم بعد الحريق كانوا لا يستطيعون دفع ثمن الصحيفة وبعد ذلك أعلن الصيادون اقلاعهم عن الاعتصاب وانصرفوا الى البحر يبحثون عن الرزق والى البر حيث يعيدون بنناء أكواخهم التى أتت عليها النيران
المطرية فى الثلاثينيات و الأربعينات.
ظلت المطرية تابعة لمركز دكرنس حتى عام 1929 م ثم تبعت مركز المنزلة حتى استقلت بذاتها كمدينة و توابعها : قرية العصافرة و الضهير و اولاد صبور و القبلية .. و خلال هذه الفترة تغيرت معالمها المعمارية و الحضارية بشكل كبير ففى الثلاثينيات من سنة 1930 الى بداية الاربعينيات كانت المطرية اصغر مساحة مما هى عليه فى الوقت الحاضر فالمنطقة التى تم تجفيفها و المعروفة فى المطرية بين الأهالى ب " الجسر الواقى" كانت بحيرة أو جزء من بحيرة المنزلة يمارس فيها الصيادون الصيد ، و كان فيها أفضل أنواع الأسماك من :بورى و حنشان و قاروس و بياض و بلطى .. الخ ، و كان الصيادون يطلقون عليها اسم " بحر الملاحة " و تمتد من المطرية حتى مجرى القناة التى كانت تجرى فيها اللنشات و المراكب البدائية الى دمياط..اما منازل المطرية و مساكنها كانت مكونة من دور ارضى واحد ، و نادراَ تلك التى كانت تتكون من دورين و كان اكثرها مبنى من الخشب المقام على اعمدة سميكة قوية حتى انها كانت تبدو و كانها معلقة على تلك الاعمدة الخشبية للزينة او لتربية بعض الطيور اسفلها كالبط و الاوز و الدجاج و بعض الحيوانات الاليفة ، الا ان الاهالى كانوا يقيمونها على هذه الهيئة اتقاء لماء البحيرة عندما يزيد منسوبها و تغمر اراضى المطرية فى ذلك الوقت كما اخبرنى بذلك بعض المعمرين من اهالى هذه المدينة الطيبة ، و كذلك حفاظاَ على صحة ساكنيها من ارتفاع نسبة الرطوبة بها ..
· اما شوارع المطرية فكانت مثار اعجاب و دهشة لزائريها حيث تم تصميمها و تنظيمها شطرنجياَ و تكاد تكون فريدة من نوعها على مستوى العالم اجمع فانت اذا وقفت فى اول الشارع سترى اخره بلا عائق ، اى يمكنك رؤية اول المدينة و اخرها من اى مكان على الارض بوضوح ، و من العجيب انها مازالت على هيئتها الى الان و كان اغلبها مشجرة باشجار الصفصاف و النخيل · و كان بمدينة لمطرية نقطة شرطة فقط ، و قوتها العسكرية مكونة من ضابط ملازم و معه من 5 الى 10 جنود و بقية القوة خفر .. و كان بالمطرية عمدتان احدهما عمدة الغصنة و هو " محمد زين الدين عزام " و الاخر عمدة العقبين و اسمه " كامل داوود الريس " بن الحاج داوود الريس الذى بنى مسجد الحاج داوود بالعلادية ، و يعاون كلا منهما شيخ خفر واحد يراس مجموعة من الخفراء لحراسة المدينة ليلا .. كما كان هناك احد الخفراء يتولى اخطار المواطنين بما يخصهم كطلبات الالتحاق بالخدمة العسكرية او اخطاره بغرامة او قضية ما .
· اما ما يتعلق بالصيد فى هذه الفترة لا يختلف كثيرا عن الحاضر و هذا الاختلاف يتمثل فى اختفاء بعض انواع الاسماك من بحيرة المنزلة نتيجة لعذوبتها ، و انتهاء الصيد ببعض الطرق المخصصة لتلك الاسماك المختفية . و كذلك لم تعد مساحة البحيرة كما كانت فقد جف اكثرها حتى تقلصت من 720 الف فدان الى 120 الف فدان فقط و هذه المساحة المتبقية لم تسلم من عبث المفسدين فقد استولى اصحاب القوة و النفوذ على اجزاء كبيرة منها ، ناهيك عن تلوث مياه البحيرة بمخلفات المصانع المقامة فى بعض المدن الجديدة .. و لكن ما كانت تتميز به مدينة المطرية فى الثلاثينيات و الاربعينيات فيما يتعلق بالصيد هو وجود موردتين ( حلقتين) للتعامل فى الاسماك بينما كانت توجد فى كل من العزايزة و عزبة البرج و الجمالية و الروضة و القابوطى و غيط النصارى و الكاب موردة سمك واحدة لكل منها ، و لم يكن جائزا التعامل فى غيرها ، و كان لكل حلقة ناظر .. ففى المطرية كانت احدى الحلقتين و هى الكبرى عبارة عن صرح او سوق واسع على شاطئ البحيرة بجوار محطة السكة الحديد و كان مكانها فى شارع سعد زغلول مكان مبنى التلغراف و السنترال الحالى و كان بالحلقة وزان يقوم بوزن السمك لكل صياد و يعطيه ايصالا او قسيمة مدونة فيها اسمه و وزن سمكه و نوعه و التاريخ ثم يقام المزاد على هذا السمك ولا يبرح التاجر الذى يرسو عليه المزاد الحلقة الا بعد دفع ثمن السمك للصياد .
· كانت أسعار الاسماك و بعض السلع منخفضة جدا ، و هى بلا شك تناسب زمانها ، فقد كان للقرش قيمة ، و تكفى كثير من الاسر 5 قروش فى اليوم و الليلة لشراء كافة المتطلبات اليومية ، و فيما يلى بعض هذه الاسعار بالقرش :
·60 جوال الارز
·06 كيلة الغلة
·02 اقة السكر
·02.5 اقة البورى
·01.5 اقة الطوبار
·02 اقة الحنشان
·02 اقة القراميط
·01 ك البياض
·01 ك البلطى
الروابط المفضلة