قصة
الغرور و التجبر و التكبر
قال تعالي:
(إِنَّ اللّهَ لاَ يُحِبُّ مَن كَانَ مُخْتَالاً فَخُورًا )
النساء:36
يقول الشيخ ابن عثمنيين رحمه الله
والمختال : فهو الذى يبالغ فى هيئته وزينته ويمشى فى خيلاء
وأما الفخور: فهو المفتخر على عباد الله بما أنعم الله عليه من آلائه وبسط له من فضله ولا يحمده على ما أتاه من طوله ولكنه به مختال مستكبر وعلى غيره به مستطيل مفتخر
وقصتنا اليوم عن رجلا تجمعت فيه كل هذه الصفات الذميمة
وهى تدلنا على جزاء من تجبر وأستعلا على خلق الله وتكبر على أوامره ورسله
أنها قصة رجل من بنى إسرائيل فى عهد موسى عليه السلام
إنها قصة:
"قارون"
قال تعالى :
( وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مُوسَى بِآيَاتِنَا وَسُلْطَانٍ مُّبِينٍ * إِلَى فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَقَارُونَ فَقَالُوا سَاحِرٌ كَذَّابٌ )
غافر : 23، 24
أن قارون كذب موسى وقال عنه ساحر كذابونصر فرعون عليهو بغى على قومه بمنافقته للفرعون ومناصرته والوقوف بجانبه
رغم طغيان الفرعون وتجبره على بنى إسرائيل لقد أستكبر قارون وتكبر على تصديق كليم الله موسى عليه السلام
وأنضم إلى فرعون ووزيره هامان وأخذوا فى تعذيب بنى إسرائيل بمصر
قال تعالى :
(وَقَارُونَ وَفِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَلَقَدْ جَاءَهُم مُّوسَى بِالْبَيِّنَاتِ فَاسْتَكْبَرُوا فِي الأَرْضِ وَمَا كَانُوا سَابِقِينَ )
العنكبوت : 39
لقد أفاض الله على قارون بفيض من الأموال مما جعل ثروته مضرب الأمثال
لدرجة أن مفاتيح خزائنه كان لا يستطيع العصبة من العبيد الاقوياء على حملها
وكان يخرج متفاخرا على القوم من الفقراء
قال تعالى :
(إِنَّ قَارُونَ كَانَ مِن قَوْمِ مُوسَى فَبَغَى عَلَيْهِمْ وَآتَيْنَاهُ مِنَ الكُنُوزِ مَا إِنَّ مَفَاتِحَهُ لَتَنُوءُ بِالْعُصْبَةِ أُوْلِي القُوَّةِ إِذْ قَالَ لَهُ قَوْمُهُ لاَ تَفْرَحْ إِنَّ اللَّهَ لاَ يُحِبُّ الفَرِحِينَ )
القصص :76
وكان المؤمنون من قومه ينصحونه ويقولون له لا تفرح إن الله لا يحب الفرحين وأتقى الله الذى أعطاك هذه الثروة وتصدق على الفقراء
قال تعالى :
(وَابْتَغِ فِيمَا آتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الْآخِرَةَ وَلَا تَنسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا وَأَحْسِن كَمَا أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْكَ وَلَا تَبْغِ الْفَسَادَ فِي الْأَرْضِ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ)
القصص:77
ولكن قارون كان مغرورا ومتكبرا وكان يعتبر إن هذه الثروة هى جهده وعلمه وليست من فضل الله
ونسى ما فعله الله بمن هم أشد منه قوة وأثارا فى الارض كقوم عاد وثمود والذين من قبلهم وبعدهم
قال تعالى:
(قَالَ إِنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلَى عِلْمٍ عِندِي أَوَلَمْ يَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ قَدْ أَهْلَكَ مِن قَبْلِهِ مِنَ القُرُونِ مَنْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُ قُوَّةً وَأَكْثَرُ جَمْعًا وَلَا يُسْأَلُ عَن ذُنُوبِهِمُ الْمُجْرِمُونَ)
القصص : 78
ولكنه أستمر فى جبروته وطغيانه ومساعدته للفرعون الظالم على ظلم العباد
وأغراه هذا المال الوفير بالتكبرعلى قومه وبالتفاخرعليهم وعدم الرفق بهم والتصدق عليهم من ماله الوفير
فكان يخرج عليهم بأنفس الثياب وأغلى الزينة ويمشى كالطاووس معجبا بنفسه وماله
وذات يوم خرج على الناس وهو فى كامل زينته فقال الفقراء من القوم ياليت لنا أموال كما لقارون أن حظه عظيم ورزقه كبير وتحسروا على الفقر الذى هم فيه
قال تعالى :
(فَخَرَجَ عَلَى قَوْمِهِ فِي زِينَتِهِ قَالَ الَّذِينَ يُرِيدُونَ الْحَيَاةَ الدُّنيَا يَا لَيْتَ لَنَا مِثْلَ مَا أُوتِيَ قَارُونُ إِنَّهُ لَذُو حَظٍّ عَظِيمٍ)
القصص: 79
ولكن العلماء منهم قالوا لهم أن الخير خير الله فطلبوا الرزق منه وأعملوا صالحا
وأصبروا حتى يرى الله منكم ما يسره وإن لم يكن الخير نصيبكم فى الدنيا ففى الاخرة الثواب الكثير
قال تعالى :
(وَقَالَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ وَيْلَكُمْ ثَوَابُ اللَّهِ خَيْرٌ لِّمَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا وَلَا يُلَقَّاهَا إِلَّا الصَّابِرُونَ )
القصص: 80
وبينما الناس تتحسر على ماهم فيه من فقر ويحسدون قارون على ماهو فيه
خسف الله به وبداره الأرض أمام أعين الناس وجعله عبره لكل مختال بماله مغرور بثروته
مستغل لما أعطاه الله من خير فى الإفساد فى الأرض والبطش بالخلق
قال تعالى:
(فَخَسَفْنَا بِهِ وَبِدَارِهِ الْأَرْضَ فَمَا كَانَ لَهُ مِن فِئَةٍ يَنصُرُونَهُ مِن دُونِ اللَّهِ وَمَا كَانَ مِنَ المُنتَصِرِينَ)
القصص: 81
وذهل القوم من هول المنظر وأخذ كلا منهم يقول الحمد لله أننى لست فى مكانه
والا خسف الله بنا الارض وعلموا أن الرزق بيد الله هو سبحانه يرزق من يشاء وقت ما يشاء
قال تعالى:
(وَأَصْبَحَ الَّذِينَ تَمَنَّوْا مَكَانَهُ بِالْأَمْسِ يَقُولُونَ وَيْكَأَنَّ اللَّهَ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَن يَشَاء مِنْ عِبَادِهِ وَيَقْدِرُ لَوْلَا أَن مَّنَّ اللَّهُ عَلَيْنَا لَخَسَفَ بِنَا وَيْكَأَنَّهُ لَا يُفْلِحُ الْكَافِرُونَ)
القصص: 82
وهنا أنتهت قصة قارون
وتبين لنا الآيات التالية عقاب من يتبع سبيل المفسدين
قال تعالى:
(وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مُوسَى بِآيَاتِنَا وَسُلْطَانٍ مُّبِينٍ , إِلَى فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِ فَاتَّبَعُواْ أَمْرَ فِرْعَوْنَ وَمَا أَمْرُ فِرْعَوْنَ بِرَشِيدٍ ,
يَقْدُمُ قَوْمَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَأَوْرَدَهُمُ النَّارَ وَبِئْسَ الْوِرْدُ الْمَوْرُودُ , وَأُتْبِعُواْ فِي هَذِهِ لَعْنَةً وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ بِئْسَ الرِّفْدُ الْمَرْفُودُ )
هود : 96 :99
كما توضح لنا الآيات التالية جزاء المتقين و جزاء الفاسدين فى الارض وأن الجزاء من جنس العمل
فمن يعمل خيرا يجد الخير الكثير ومن يعمل الشر فله بالمثل
قال تعالى :
( تِلْكَ الدَّارُ الآخِرَةُ نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لاَ يُرِيدُونَ عُلُواًّ فِي الأَرْضِ وَلاَ فَسَاداً وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ * مَن جَاءَ بِالْحَسَنَةِ
فَلَهُ خَيْرٌ مِّنْهَا وَمَن جَاءَ بِالسَّيِّئَةِ فَلاَ يُجْزَى الَّذِينَ عَمِلُوا السَّيِّئَاتِ إِلاَّ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ )
القصص : 83 :84
الدروس المستفادة من القصة
-- الخير أنواع قد يكون مال أو علم أو أولاد كل ذلك من عند الله وإذا ظن الإنسان وأعتقد أن هذا الخير
هو ناتج اجتهاده وشطارته يكون مخطئا خطئا كبير ولكن هو من فيض الله عليه وهو قادرا على ذهابه بكن فيكون
-- إن مساعدة المفسدين فى الارض عقابه عند الله عظيم وهذا فرعون وهامان أغرقهما الله و قارون خسف به وبداره الارضولهم فى الاخرة عذاب عظيم
-- إن البغى على الخلق والإفساد فى الأرض من الأمور المحرمة فى دين الله
-- إن الغرور بوفرة المال أو الجاه أو السلطان هو عمل من وساوس الشيطان
-- إن للفقير حق فى مال الغنى يخرجه له كما أمر الله وهذا تزكية لماله ورحمة بالفقراء
--على الإنسان العاقل أن يوظف ما أعطاه الله من إمكانات فى تحقيق مكاسب فى الآخرة
-- وعلينا أن نطبق ( أعمل لدنياك كأنك تعيش ابدا وأعمل لآخرتك كأنك تموت غدا)
--إن الإفساد فى الارض من المعاصي التى لا يرضاها الله سبحانه وتعالى من عباده الذين استخلفهم فيها وسوف يسائلهم عن كل ما فعلوه فيها
--إن عاقبة الخروج على منهج الله هى الدمار فى الدنيا والعذاب فى الآخرة
--إن فتنة الناس ببهرجة الحياة الدنيا هى من أسلحة الشيطان فى إغوائه للإنسان فلنحترس من اسلحة الشيطان
الروابط المفضلة