وجال بخاطري.. أَنَّ المَلَكَين يكتُبان أعمال الإنسان.. ومع هذا تشهدُ عليهِ أعضاؤه يوم القيامة.. لماذا ؟
ففي بعض الآيات يقول سبحانه وتعالى:
( وَكُلَّ إِنْسَانٍ أَلْزَمْنَاهُ طَائِرَهُ فِي عُنُقِهِ وَنُخْرِجُ لَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ كِتَابًا يَلْقَاهُ مَنْشُورًا * اقْرَأْ كِتَابَكَ كَفَى بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيبًا ) الإسراء/ 13، 14
في حين يقول جل جلالُهُ في موضع آخر:
( الْيَوْمَ نَخْتِمُ عَلَى أَفْوَاهِهِمْ وَتُكَلِّمُنَا أَيْدِيهِمْ وَتَشْهَدُ أَرْجُلُهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ ) يس/ 65
قال العلماء..
...إنما تشهدُ على الكافرِ والمنافقِ أعضاؤُهُ بما كان من عملِه لأنهُ يُنافحُ يومئذٍ عن نفسه بكل ما يستطيع ،
ويكذبُ على الله ، ويتبرأُ من عملِهِ ويَتَنَصَّلُ منه ، ويَدَّعِي أنهُ كان يعملُ الصالحات ،
ويتهمُ ملائكة الرحمن بأنهم كتبوا عليهِ ما لم يعمل، لِمَا يَرَى مِنْ سُوءِ الحال وأَنَّهُ إِنْ أَقَرَّ هَلَكَ لا مَحَالَة ،
فلا يزالُ يُنافِحُ ويَكذِبُ ويدفَعُ حتى تَشهَدَ عليهِ أعضَاؤُه ، وتتكلمُ بما كان من عملِه السَّيئ الذي كان عليهِ في الدنيا .
وحينئذٍ لا تبقَى لهُ حُجة عند نفسِهِ ، وذلك أن الله تعالى يقول :
( قُلْ فَلِلَّهِ الْحُجَّةُ الْبَالِغَةُ ) الأنعام/ 149 .
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عن رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في محاسبة الله للعبد يوم القيامة قال :
( ... ثُمَّ يَلْقَى الثَّانِيَ فَيَقُولُ : أَيْ فُلْ – يعني يا فلان - أَلَمْ أُكْرِمْكَ وَأُسَوِّدْكَ وَأُزَوِّجْكَ وَأُسَخِّرْ لَكَ الْخَيْلَ وَالْإِبِلَ وَأَذَرْكَ تَرْأَسُ وَتَرْبَعُ ؟
فَيَقُولُ بَلَى أَيْ رَبِّ فَيَقُولُ أَفَظَنَنْتَ أَنَّكَ مُلَاقِيَّ؟ فَيَقُولُ لَا . فَيَقُولُ : فَإِنِّي أَنْسَاكَ كَمَا نَسِيتَنِي ،
ثُمَّ يَلْقَى الثَّالِثَ فَيَقُولُ لَهُ مِثْلَ ذَلِكَ فَيَقُولُ : يَا رَبِّ آمَنْتُ بِكَ وَبِكِتَابِكَ وَبِرُسُلِكَ وَصَلَّيْتُ وَصُمْتُ وَتَصَدَّقْتُ وَيُثْنِي بِخَيْرٍ مَا اسْتَطَاعَ ،
فَيَقُولُ : هَاهُنَا إِذًا ، قَالَ : ثُمَّ يُقَالُ لَهُ : الْآنَ نَبْعَثُ شَاهِدَنَا عَلَيْكَ ، وَيَتَفَكَّرُ فِي نَفْسِهِ : مَنْ ذَا الَّذِي يَشْهَدُ عَلَيَّ ؟
فَيُخْتَمُ عَلَى فِيهِ وَيُقَالُ لِفَخِذِهِ وَلَحْمِهِ وَعِظَامِهِ : انْطِقِي ، فَتَنْطِقُ فَخِذُهُ وَلَحْمُهُ وَعِظَامُهُ بِعَمَلِهِ ، وَذَلِكَ لِيُعْذِرَ مِنْ نَفْسِهِ ، وَذَلِكَ الْمُنَافِقُ وَذَلِكَ الَّذِي يَسْخَطُ اللَّهُ عَلَيْهِ ) .
رواهُ مسلم (5270)
وعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ :
" كُنَّا عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَضَحِكَ فَقَالَ هَلْ تَدْرُونَ مِمَّ أَضْحَكُ ؟ قَالَ قُلْنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ .
قَالَ : مِنْ مُخَاطَبَةِ الْعَبْدِ رَبَّهُ يَقُولُ : يَا رَبِّ أَلَمْ تُجِرْنِي مِنْ الظُّلْمِ ؟ قَالَ يَقُولُ بَلَى . قَالَ فَيَقُولُ فَإِنِّي لَا أُجِيزُ عَلَى نَفْسِي إِلَّا شَاهِدًا مِنِّي ،
قَالَ فَيَقُولُ : كَفَى بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ شَهِيدًا ، وَبِالْكِرَامِ الْكَاتِبِينَ شُهُودًا . قَالَ فَيُخْتَمُ عَلَى فِيهِ فَيُقَالُ لِأَرْكَانِهِ : انْطِقِي .
قَالَ فَتَنْطِقُ بِأَعْمَالِهِ قَالَ ثُمَّ يُخَلَّى بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْكَلَامِ قَالَ فَيَقُولُ : بُعْدًا لَكُنَّ وَسُحْقًا فَعَنْكُنَّ كُنْتُ أُنَاضِلُ " .
رواهُ مسلم (5271)
فتنطق أعضاؤه بما كان من عمله ليزول عذره تماما ، وتقوم الحجة البالغة لله تعالى عليه .
والحاصل :
أَنَّ عِلْمَ الله تعالى سابِقٌ بعملِ عبدهِ كله ، وقد كَتَبَ ذلك كله في اللوحِ المحفوظ ، ثم كتب عليه أيضا وهو في بطنِ أمه ،
لكن حسابُ الله لعبادهِ لا يكونُ على سابقِ عِلمِهِ فيهِم ، بل على ما عَمَلُوهُ فِعلاً ،
فإذا عمِلَهُ العبد : كَتبت الملائكة عليهِ ما عَمِل ؛ فإذا كان يومُ القيامة ، أنكرَ بعض العِباد ما كتبتهُ الملائكة ، وذاكَ المنافقُ كما مَرَّ في الحديث ، ولا يرضَى شاهِدًا إلاَّ من نفسِه ،
فيأمرُ الله جوارحَهُ أن تنطِقَ بما عَمِل ، ولا يستطيعُ هو أن يُنكر شهادةَ جوارحِه ،
فتقوم الحجة البالغة لله على عبده يوم القيامة ، وينقطع عذرهم عنده .
مصدر البحث في هذه الخاطرة.. موقعي:
- سؤال وجواب
- "مسلم" للبحث في الآيات
الروابط المفضلة