السلام على أهل القرآن ورحمة الله وبركاته
•··• ( قصـــة يُوسُف عليه السلام ) •·.·• الجـــزء الأولــــ ( 1 )
•··• ( قصـــة يُوسف عليه السلام ) •·.·• الجـــزء الأولــــ ( 2 )
والآن نكمل القصة مع
قال تعالى:
( قَالَ نِسْوَةٌ فِي الْمَدِينَةِ امْرَأَةُ الْعَزِيزِ تُرَاوِدُ فَتَاهَا عَن نَّفْسِهِ قَدْ شَغَفَهَا حُبّاً إِنَّا لَنَرَاهَا فِي ضَلاَلٍ مُّبِينٍ (30)
فَلَمَّا سَمِعَتْ بِمَكْرِهِنَّ أَرْسَلَتْ إِلَيْهِنَّ وَأَعْتَدَتْ لَهُنَّ مُتَّكَأً وَآتَتْ كُلَّ وَاحِدَةٍ مِّنْهُنَّ
سِكِّيناً وَقَالَتِ اخْرُجْ عَلَيْهِنَّ فَلَمَّا رَأَيْنَهُ أَكْبَرْنَهُ وَقَطَّعْنَ أَيْدِيَهُنَّ وَقُلْنَ حَاشَ لِلّهِ مَا هَـذَا بَشَراً إِنْ
هَـذَا إِلاَّ مَلَكٌ كَرِيمٌ (31) قَالَتْ فَذَلِكُنَّ الَّذِي لُمْتُنَّنِي فِيهِ وَلَقَدْ رَاوَدتُّهُ عَن نَّفْسِهِ فَاسَتَعْصَمَ
وَلَئِن لَّمْ يَفْعَلْ مَا آمُرُهُ لَيُسْجَنَنَّ وَلَيَكُوناً مِّنَ الصَّاغِرِينَ (32)
( قَالَ رَبِّ السِّجْنُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِمَّا يَدْعُونَنِي إِلَيْهِ وَإِلاَّ تَصْرِفْ عَنِّي كَيْدَهُنَّ أَصْبُ إِلَيْهِنَّ وَأَكُن
مِّنَ الْجَاهِلِينَ (33) فَاسْتَجَابَ لَهُ رَبُّهُ فَصَرَفَ عَنْهُ كَيْدَهُنَّ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (34)
ثُمَّ بَدَا لَهُم مِّن بَعْدِ مَا رَأَوُاْ الآيَاتِ لَيَسْجُنُنَّهُ حَتَّى حِينٍ (35) ) سورة يُوسُف
فالخبر اشتهر وشاع في البلد، وتحدث به النسوة فجعلن يلمنها، ويقلن:
(امْرَأَةُ الْعَزِيزِ تُرَاوِدُ فَتَاهَا عَنْ نَفْسِهِ قَدْ شَغَفَهَا حُبًّا ) 30
هذا أمر مستقبح، امرأة كبيرة القدر وزوجها كبير القدر،
ومع هذا لم تزل تراود فتاها الذي تحت يدها وفي خدمتها عن نفسه،.
فأرادت أن توقعهن في ما وقعت فيه فإما أن يقعن فيما وقعت فيه من الرغبة أو يعذرنها
(فلَمَّا سَمِعَتْ بِمَكْرِهِنَّ أَرْسَلَتْ إِلَيْهِنَّ وَأَعْتَدَتْ لَهُنَّ مُتَّكَأً ) يُوسُف - 31
تدعوهن إلى منزلها للضيافة.
محلاً مهيأ بأنواع الفرش والوسائد، وما يقصد بذلك من المآكل اللذيذة،
وكان في جملة ما أتت به وأحضرته في تلك الضيافة طعام يحتاج إلى سكين،
إما أترج، أو غيره،
ولا يهمنا نوع الطعام فالقرآن يأتي بالمقاصد فقط
جلست امرأة العزيز في المجلس ورحبت بهن وقدمت الفاكهة
وحينها تأتِ الداهية من وراء الستار !!
تقول ليُوسُف اخرج اخرج ! لأنه في عداد الخدم في القصر, فهي تدبر عليه لكن الواحد الأحد معه
وزعت الفاكهة , بدأن بتقطيعها فنادت يُوسُف أنها تُريد غرضاً:
فتح الستار عليه السلام ومر في غرفة أخرى مر الكرام
فقط رأين القمر الذي هو أجمل من القمر في الليلة الرابعة عشر
طارت عقولهن !!
ونسين من الدهشة الألم !!
يقول بعض المُفسرين:
قطعن الأنامل وقطعن الكف لم يشغلهن الألم والدم
فماذا قالوا لها:
لا نلومك ارتفع اللوم ما دام بهذه الصورة !
وأنتِ لا تُلامين وأنتِ ترينه صباح مساء
ويا لها من فتنة ! أيصبح ويمسي بامرأة تلاحقه وتستخدم السلطة والمنصب والحبس
ومع ذلك يصمد يُوسُف عليه السلام إلا أن ينصره الله لأنه مُخلص لوجه الله
يقول بعض المُفسرين:
قصة يُوسُف من أولها إلى آخرها لا يوجد بها إسفاف ولو بكلمة
كلها طهر ونقاء , ولهذا قالت له بحضرتهن:
( وَلَئِنْ لَمْ يَفْعَلْ مَا آمُرُهُ لَيُسْجَنَنَّ وَلَيَكُونَ مِنَ الصَّاغِرِينَ ) يُوسُف - 32
لتلجئه بهذا الوعيد إلى حصول مقصودها منه،
قالت: الآن اسمع الرد من النساء
ذهبن وأيديهن تقطر دماء لا أكلن فاكهة ولا سلمت أيديهن
وقالوا: نحن عذرناكِ بهذه الفتنة
فلما سمع يُوسُف بذلك قال:
( رَبِّ السِّجْنُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِمَّا يَدْعُونَنِي إِلَيْهِ ) يُوسُف - 33
فاستحب السجن والعذاب الدنيوي على لذة حاضرة توجب العذاب الشديد
قال: ما دام كذا فإن السجن أحب إلي أصلي فيه وأعبده فليسجنوني يارب
:
إن هذه السورة الكريمة وهذه القصة العظيمة يا اخوات نزلت على النبي صلى الله عليه وسلم بمكة
في فترة صعبة مر بها نبينا عليه الصلاة والسلام.
وهي فترة وفاة عمه أبي طالب الذي كان يحامي عنه ويدافع،
ونزلت بعيد وفاة زوجته خديجة رضي الله عنها التي آمنت به وصدقته وأعانته بما لها حين حرمه الناس،
لأن قريشاً طمعت بعد موت أبي طالب بالنبي ..
فكان النبي وأصحابه يتعرضون وقتها لأذى وتعذيب لم يسبق لهم؛
فجاءت هذه السورة المباركة لتقول للنبي صلى الله عليه وسلم
وللمؤمنين معه:
إن يوسُف آثر السجن على الوقوع في فاحشة الزنا.
وأن يُوسُف يا محمد أنت وأصحابك تَعرِّضَ لفقدِ الوالد والفتنة والإغراء حتى سُجن ظلماً،
أدخل يوسف السجن، أدخله العزيز بأمر امرأته. فكيف كان يوسف عليه السلام في السجن.
( قَالَ رَبِّ السِّجْنُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِمَّا يَدْعُونَنِي إِلَيْهِ ) يُوسُف 33
:
على المسلم إذا خُيِّر بين المعصية و بين الصبر على الشدة .
يصبر على الشدة و يُؤثر أن يطيع الله ولو رَمَوه بسوء
إذ قال يُوسُف بما أخبر الله به
( رَبِّ السِّجْنُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِمَّا يَدْعُونَنِي إِلَيْهِ) يُوسُف - 33
استعانة يوسف بالله ( وَإِلاَّ تَصْرِفْ عَنِّي كَيْدَهُنَّ أَصْبُ إِلَيْهِنَّ ) يُوسُف - 33
يعنى الإنسان ضعيف ويوسُف يقول هذا أن الإنسان بدون توفيق من الله
ضعيف والمقاومة تنهار فأي واحدٍ يتعرَض لحرام
فالمفروض أن يلجأ إلى الله بالدعاء أن يُخَلِصَه من هذا
وإنه يصرف عنه الشرَّ و الفحشاء
:
وفى قول يوسف: ( رَبِّ السِّجْنُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِمَّا يَدْعُونَنِي إِلَيْهِ وَإِلاَّ تَصْرِفْ عَنِّي كَيْدَهُنَّ
أَصْبُ إِلَيْهِنَّ وَأَكُن مِّنَ الْجَاهِلِينَ ) يُوسُف - 33
عبرتان:
1- اختيار السجن والبلاء على الذنوب والمعاصى.
2- طلب سؤال الله ودعائه أن يثبت القلب على دينه، ويصرفه إلى طاعته،
وإلا فإذا لم يثبت القلب، صَبَا إلى الآمرين بالذنوب، وصار من الجاهلين.
ففى هذا توكل على الله، واستعانة به أن يثبت القلب على الإيمان والطاعة،
وفيه صبر على المحنة والبلاء والأذى الحاصل إذا ثبت على الإيمان والطاعة.
مجموع الفتاوى لابن القيم رحمه الله
ومن ترك شيئا لله عوضه الله خيراصً منه في الدنيا و الآخرة .
قال شيخ الإسلام ابن تيميه رحمه الله :
( ومن احتمل الهوان والأذى فى طاعة الله على الكرامة والعز فى معصية الله، كما فعل
يوسُف عليه السلام وغيره من الأنبياء والصالحين، كانت العاقبة له فى الدنيا والآخرة،
وكان ما حصل له من الأذى قد انقلب نعيمًا وسرورًا،
كما أن ما يحصل لأرباب الذنوب من التنعم بالذنوب ينقلب حزنًا وثبورًا )
يتبع
الروابط المفضلة