استحضار هذه المعاني التي تضمنتها سورة الفلق مهم في الرقية بها وقوة التأثير بها؛
فإن الرقية كلام مؤثر، وتأثيره معنوي يخلص إلى الأمور الحسية بإذن الله بحسب ما يقدره الله من قوة هذا التأثير.
وليس تأثير الرقية بكثرتها وطولها، وإنما بقوتها وقوة عقل المعاني واستحضارها وإرادة التأثير، ولا يتنفع مع هذا إلا إذا أذن الله بنفعها.
وأنا لا نعرف عن النبي صلى الله عليه وسلم ولا عن أحد من الصحابة والتابعين رقية مطولة كما يفعله بعض الناس اليوم.
"
قول الله تعالى: {وَمِن شَرِّ غَاسِقٍ إِذَا وَقَبَ} سورة الفلق ءاية 3
{غاسق} التنوين هنا للتنكير المفيد للعموم، أي: من شر كل غاسقٍ، وهذا يدل على أن الذي يغسق أشياء كثيرة.
قال ابن جرير: (كل غاسق فإنه صلى الله عليه وسلم كان يُؤمر بالاستعاذة من شرِّه إذا وقب).
وقد ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم وعن السلف الصالح في تفسير الغاسق ما يدل على أنه يقع على أشياء متعددة
يجمعها وصف الغسوق.
ففُسِّرَ الغاسق بالليل، وفسر بالقمر، وفسر بالكوكب، وفسر بالثريا، وفسّر بغير ذلك.
فأما تفسيره بالليل فعليه أكثر المفسرين من التابعين وعلماء اللغة ، ولا شك أن الليل يغسِق وقد قال الله تعالى:
{أَقِمِ الصَّلاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلَى غَسَقِ اللَّيْلِ}سورة الإسراء ءاية 78
دلوك الشمس: زوالها ، وقيل: غروبها، وقيل: دنوّها للغروب، ثلاثة أقوال.
وغسق الليل فيه ثلاثة أقوال أيضاً: أول ظلمته عند غروب الشمس،
وأول العشاء عند غياب الشفق، وحين اشتداد ظلمة الليل واجتماعها، وذلك نصف الليل.
وهذه الأقوال كلها صحيحة وهي تنتظم مواقيت الصلوات بدءا وانتهاء سوى صلاة الفجر،
فقال تعالى: {وَقُرْآنَ الْفَجْرِ إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كَانَ مَشْهُودًا } سورة الإسراء ءاية 78
فقول الله تعالى: {وَمِن شَرِّ غَاسِقٍ إِذَا وَقَبَ} فسر بأنه "الليل إذا دخل"، وهذا قول مجاهد بن جبر.
وقد روى عبد الرزاق عن معمر عن الحسن أن معنى {وقب} أي: "أقبل ودخل على الناس".
وروى عن معمر عن قتادة أن معنى {وقب} أي: "غاب وذهب".
فإذا صحَّ قول قتادة -وهو من أهل عصر الاحتجاج- فاللفظ من الأضداد، فيكون لليل وقوب عند دخوله ووقوب عند ذهابه.
فكأن الوقوب وصف لحالة دخوله وحالة خروجه.
ومما يقوّي هذا أن المعوذتين تسنّ قراءتهما عند الإصباح وعند الإمساء.
ومن أهل العلم من أنكر معرفة المعنى الذي ذكره قتادة؛
قال ابن جرير: (ولست أعرف ما قال قتادة في ذلك من كلام العرب، بل المعروف من كلامها من معنى وقب: دخل)
وقال أبو جعفر ابن النحاس: (وقول قتادة : "وقب: ذهب" لا يعرف).
وقتادة من أهل عصر الاحتجاج والإسناد إليه صحيح؛ فلا يدفع كلامه بمثل هذا النفي.
لكن هذه المسألة فيها لبس يزول بإذن الله بمعرفة أصل لفظ الوقوب عند العرب.
فالذين فسروا الغاسق بأنه الليل منهم من تكلم في علة وصف الليل بالغسوق واختلفوا في ذلك على أقوال:
القول الأول: أن الليل سمي غاسقاً لأنه مظلم، وكل ما يُظلِم فهو غاسق، والظلمة غسق.
وهذا قول الفراء وابن قتيبة وابن جرير الطبري وجماعة من اللغويين منهم: الأخفش واليمان البندنيجي وابن خالويه وغيرهم.
والقول الثاني: أن الليل سمي غاسقاً لأنه أبرد من النهار، وهذا قول الزجاج فإنه قال: (قيل لليل غاسق لأنه أبرد من النهار،
والغاسق: البارد ، والغسق: البرد).
ويجمع هذين القولين قول هو الصواب والتحقيق إن شاء الله ،
وهو ما قاله الماوردي في تفسيره إذ قال: (أصل الغسق: الجريان بالضرر، مأخوذ من قولهم: غسقت القرحة إذا جرى صديدها).
وهذا المعنى – إذا تأملتيه وجدته - يجمع الأقوال التي قيلت في تفسير الغاسق كلها، وهو معنى صحيح تدل عليه شواهد اللغة.
سؤال الدّرس :
ما أعلى درجات الاستعاذة وأحسنها أثرا ؟
تحدثي عن هذه الدّرجة بإيجاز من خلال فهمكِ للدّرس ..
:
الإجابة هنا بنفس الصفحة
☆
وحشتووووني طالباتي المُؤدّبات
إيه نسيت أقول لكم لقيت طالبة هربت بس مسكتها
الروابط المفضلة