فشاركت في إحياء هذا الفن في قرية أخميم التي تواجه اتفاقيات (الجات) بغزل البنات, ثم تحولت إلى فن صناعة الأثاث, واختارت أن تعيد من جديد موبيليا جدتي إلى التألق والحياة, بعد أن أضافت إليها الألوان المعبرة والرسوم المستوحاة من التراث الديني والشعبي.. إنها الفنانة وسيدة الأعمال فوقية شحاتة وهذا هو حوارنا معها.. * اتجاهك لتصنيع وتجارة الأثاث الشعبي المصري.. هل كان عن دراسة, أم مجرد صدفة؟ ـ لا..أنا لست متخصصة, ولكن مسألة الفن والأثاث جاءت مع الوقت.. فأنا في الأصل متخرجة من كلية التجارة قسم إدارة الأعمال, لكنني لم أعمل أبدا في مجال دراستي, ولقد عشت في إنجلترا وبلاد أوروبية أخرى بحكم عمل زوجي, وحينما عدت إلى مصر, فكرت في عمل شيء يساعد في الحفاظ على تراثنا وشخصيتنا التي كادت تضيع وسط هوجة التغريب والتقليد الأعمى, فبدأت مع مجموعة من الفنانين ومعظمهم كانوا أصدقاء حميمين لي ولزوجي في الإعداد لإنشاء مصنع للنسيج المستوحى من التراث المصري القديم والشعبي أيضا, ويمكن الاستفادة منه في نفس الوقت في فرش المنزل العربي, فقمنا بإحياء فن النسيج الذي كاد أن ينقرض في قرية أخميم بصعيد مصر, واشترينا لهم الأنوال والخيوط والخامات الحديثة, وكنت أقضي نصف وقتي مع الفتيات والعمال هناك, أشرف على العملية الإنتاجية وأشترك في تصميم الرسومات التي استوحيناها جميعا من التراث الإسلامي والقبطي. * لماذا تخليت عن فن صناعة النسيج واتجهت لتصنيع الأثاث؟ ـ لقد أتاح لي عملي في مجال النسيج دخول بيوت مصرية وعربية كثيرة, وكنت كلما قمت بزيارة من هذه الزيارات, أحس بغصة في حلقي ومرارة شديدة, لأنني لم أكن أجد بيتا من تلك البيوت له شخصية واضحة سوى في حالات نادرة للغاية, حيث لاحظت أن الغالب على فرش بيوتنا العربية هو الطابع الغربي سواء كان الفرنسي أو الإنجليزي أو حتى الأمريكي (المودرن), بدون مراعاة للأصول الخاصة بهذا الطراز أو السياقات الاجتماعية والثقافية التي أسهمت في وجودها.. واكتشفت أن السبب الرئيسي في هذه الفوضى هو دخول أناس غير متخصصين ولا يهمهم سوى الربح فقط في مجال الديكور والتصميم الداخلي للمنازل.. وهؤلاء الدخلاء تسببوا في حالة فساد الذوق الموجودة في بيوتنا, فضلا عن الدور السيئ الذي يلعبه التلفزيون بما يعرضه من نماذج مقززة للأثاث والمفروشات. * وما هي فلسفتك لمواجهة هذا الطوفان من القبح وفساد الذوق؟ ـ لقد كان همي منذ البداية هو البحث عن الشخصية العربية داخل البيت.. ولكي يكون البحث منطقيا كان لابد أن أبدأ من القديم مع مزجه بالحاضر وإيقاع العصر, أما عن القديم فلدينا في كل البلاد العربية تراث واسع ممتد عبر التاريخ بمراحله المختلفة وأنماطه المتنوعة.. فهناك الطرز التقليدية والشعبية والريفية والصحراوية, وكل منها متأثر بالآخر.. وقد قمنا بدراسة وافية وجمع كم هائل من المعلومات عن الطرز العربية في شتى مجالات التراث, ثم اتجه التفكير إلى كيفية الاستفادة من كل هذا الموروث الثري, وتحويله إلى شكل معاصر يتمشى مع احتياجات البيت العربي العصري, عن طريق تطوير قطع الأثاث القديمة من حيث الشكل, لكي تلائم استعمالاتنا المعاصرة, وإضافة قطع أثاث جديدة تلبي احتياجات البيت العربي المعاصر مع إضافة لمحة تراثية إليها. * ومن أين جاءتك فكرة الرسم على الأثاث أولا, ثم اختيارك للرموز الإسلامية والمصرية الشعبية بالتحديد لتدور حولها معظم هذه الرسومات؟ ـ لقد وجدت أمامي سؤالا آخر يجب أن أ جيب عنه, وهو.. كيف نعيد مرة أخرى العنصر الجمالي إلى البيت العربي, وبخاصة في المدن التي فقدت جزءا لا يستهان به من جمالياتها وإحساس الناس فيها بالجمال؟.. ولم أجد أمامي سوى الألوان, لأن وجود اللون داخل البيت ـ إذا أحسن استخدامه ـ يضفي عليه جوا خاصا من البهجة والسرور, أو الهدوء والتناغم, وذلك طبقا لنوعية الألوان المستخدمة وعلاقاتها مع بعضها البعض.. فتلوين قطعة الأثاث جزء هام من التصميم, وبعد التلوين يرسم يدويا بعناصر وموتيفات مستوحاة من الموروث الديني والشعبي.. مثل الآيات القرآنية, والزخارف الإسلامية, والكف والخرزة الزرقاء وكل ما كان المصري القديم يعتبره دفاعا ضد الحسد من رموز وأشكال.. وكذلك العبارات التي تكتب على حوائط البيوت لاستقبال الحجاج وبعض الرموز والأشكال البدوية والنوبية, ورسوم المحمل والموالد والنجوم والأهلة, وكل ما استطعنا الوصول إليه من وحدات زخرفية مصرية وعربية أحيانا, وذلك تأكيدا على أصالة شكل قطعة الأثاث الموجودة في بيوتنا بإضفاء لمسة تاريخية وجمالية عليها وعلى جو البيت. * وكيف استطعت تحقيق معادلة الأصالة والمعاصرة, التي تعتبرينها شعارا لأعمالك؟ ـ لقد بدأت كما قلت لك بتقليد القديم, ثم اكتشفت أنه لابد أن يكون لدي دور, فبحثت عن أفضل من يعمل أو يفهم في الفن الشعبي, واستعنت بالفنان حلمي التوني, واتفقنا على عمل طراز أثاث قاهري متأثر بالفن الشعبي المصري, ولكنه يخدم الروح المعاصرة.. وقمنا بجمع قطع من التراث الشعبي.. (وطقطوقة.. ترابيزة قهوة.. كرس المقهى المنجد بالخوص.. صندوق العروسة.. كرسي الحمام.. الدكة الشعبية.. الأسرة والدواليب القديمة.. التسريحة) أي بمعنى آخر كل فرش وأثاث جدتي, وجمعنا بعد ذلك الوحدات الزخرفية الشعبية التي سبق أن ذكرتها لك, ثم أدخلنا بعض التعديلات على هذه القطع القديمة بحيث يمكن أن نستفيد منها في بيوتنا الحديثة, مع تعديل نسبها وأحجامها وأغراض استخدامها, ولكن بدون المساس بروحها التراثية الجميلة. * زبائنك هل هم من الشباب أم من الأجيال القديمة؟ ـ في بداية المشروع, كان تفكيري موجها للشباب, على أساس أن الجيل القديم لم يعد مستعدا لتغيير أفكاره, ثم فوجئت بأن الشباب قد يعجبون بهذا الفن وينبهرون بقطع الأثاث التي نعرضها لهم, ولكن عند اتخاذ القرار, فإنهم يفضلون تقليد أقرانهم وأقربائهم.. فقررت ألا أفعل سوى ما أقتنع به, وأترك مسألة البيع والشراء هذه للمتخصصين فيها. * وما الذي تنصحين به المرأة العربية؟ ـ أنصحها بأن يكون بيتها شبهها وليس غريبا عنها, فنحن عرب تعرضنا للحضارة الفرنسية, وبيوتنا لابد أن تكون عربية, بمعنى أن يسيطر عليها بشكل عام الذوق العربي والطرز العربية بأنواعها المختلفة.. وإذا أرادت عمل إضافات من طرز أخرى, فلابد أن يكون الاختيار بدقة شديدة, ولا يجب أن يعطي الناس أنفسهم الحق في اللعب في الطرز بسهولة بدون منطق أو فهم أو دراسة وإلا تحولت المسألة إلى (سمك لبن تمر هندي) كما هو الحال في معظم بيوتنا الآن.
القاهرة ـ محمد رفعت
لطفا أرجو المتابعة
الروابط المفضلة