.
دخلتْ غُرفتَها، وأوصدَتِ الباب، وغلَّقتهُ تَغليقًا، ثُمّ اتجهتْ صوب الدّولابِ،
فتحتهُ ثمّ استلمَتْ مرآتَها، جلستْ فوقَ سريرهَا لتبدأ رحلة المُطارحةِ مع نفسها.
شرَعتْ كالمُعتادِ تتَفقَّدُ تَجاعيدَ وَجههَا المُترَهّلِ، وتداعبُ خصلاتِ شعرهَا الرّماديّ.
تَمتَمتْ: إيهٍ يا حياةٌ! لقدْ داخلَكِ الزّمنُ وفتَّ عَضُدَ الأمل فيكِ، ودَاهمتكِ الغفلةُ
فنَزعتْ منكِ الشعورَ بالوُجودِ، وقطعتْ منكِ شريانَ الإحساسِ ..!
ثُمّ تقَهقرتْ إلى الخلفِ مُتّكئَةً على وسادِهَا العريضِ* منكفأةً على أيّامِها الخوالي،
تَسبرُ غثّها وسمينَها.
فَشرعتْ تتساءلُ والنّدمُ يأزّهَا أزًّا، يَغتالُ السِّنَة الطارقةَ أهدابَ جُفونهَا:
أينَ أنتِ من مسارحِ الفلاح؟ ومراتعِ الأفراحِ؟
ثمَّ أينَ أنتِ من حياضِ الذّكرِ، وتَمْتماتِ الشّكر، وتباريحِ الفِكرِ؟!
أينَ السّجّادةُ والمصحفُ؟ وأينَ الخِمارُ والمِلحفُ؟
أينَ أنتِ من رصّ الصفوفِ**، والأمرِ بالمعروف، وإغاثةِ الملهوف؟!
أينَ أنتِ من رفعِ اليدينِ***، وبرّ الوالدينِ، وغضّ الطرفينِ؟!****
هكذَا شرعتْ تتساءلُ مُقلّبةً صفحاتِ الحياةِ، مُتأمّلة أنفاسَها المُشرقة،
التي أبَتْ إلا أن تتَحامَل على شمسِهَا لتدفعَ بِها إلى الأفــولِ،
أوْ أنْ تدخلَ جُحرَ نفسها الضاربِ في التّيهِ، فتسجُنَ رُوحها في أظلمِ
حُجرةٍ شيّدها لها هواها!!
اضطجَعتْ على شقّها الأيسرِ بعدَ أن كانتْ مُستلقيةً على ظهرِها،
دَفعتْ بمرآتِها تحتَ وسادتها، ضاربةً لَها موعِدًا قريباً من أجلِ مُطارحةٍ
أخرَى تُلملمُ فيها شعثَ رُوحها السّتّينيّةِ!
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــ
* كناية عن تبلّد الحس.
** إشارة إلى حضور مجالس الذكر، وكذا الصلوات في جماعة كالتراويح مثلا.
*** أي: الدعاء.
***** أي غضّ البصر، و العرب تعبّر أحيانا عن الواحد بالإثنين.
.
الروابط المفضلة