"
- تأخرت ماما!
- خلاص حبيبي شوي يجون ان شاء الله، كلمتها قبل شوي قالت خلاص قريبين مرة.
تأفف الطفل ذو الخمس سنوات بضجر ، وهو يرمق خالته الكاذبة بازدراء.
اكملت مها استذكارها لاحد المواد المملّة ، فغدًا لديها اختبار نهائي.
ويجب عليها بذل جهدها لئلّا تأكل علقة مؤلمة من والدها.
مع ذلك .. لم تتوانَ اختها مع "واسطة" والدتها عن وضع مسؤولية طفل بكّاء على عاتقها.
-
بعد ثمانِ دقائق :
رنّ هاتفها بنغمة اختها! كانت قد وضعت لها صوت بُكاء نكايةً بطفلها :")
اييه! هذا الطفل الذي لم يأتِ إلا بعد سبعِ سنين من العناء.
هذا الطفل جنّة والديه ، مُدلّل لا يُرفض له طلب ، لا يعرف معنى اللأ
يبكي لأتفه الأسباب ، متعلّق بأمّه جدًا.
ولا يعيش لمدة يوم كامل بدون رؤيتها وتقبيلها .. دُنيته كُلّها هي "ماما"
اما مها فهي لا تستسيغه ، لكنها تحبّه بلا شك.
كيف لا وهي التي عاشت تفاصيل علاج اختها ، وكانت العضد في رحلة ألمها.
نورة .. تتذكّر حتمًا كيف كانت شقيقتها قد تنازلت عن كل شيء ، من اجلها!
هي حتّى عاجزة عن ردّ دينها العظيم ، الكبير.
مها في عينيّ نورة .. الثبات والصمود.
-
ضغطت زرّ الرد ، وهي مستعدة تمامًا لتكيل سيلًا من الشتائم لاختها التي عاقبتها نفسيًا بتأخّرها القليل. فـ بجانبها غرينتش يجهش بكاءً.
- السلام عليكم
- و عليكم السلام!
- احبّ ابلّغك اختي ان صاحبة الجوّال واللي معاها كلهم تعرضوا لحادث وهم الحين في الـ . . . . .
هنا .. توقّف الزمن.
اختفت جميع الأشياء من حولها.
تسلّل الخدر لجسدها.
ارتجفت اطرافها ، طار هاتفها بعيدًا
احتضنها السواد.
وعانقتها برودة الأرض.
-
- مساء الخير :")
بصعوبة ، فتحت عينيها
محاولة استيعاب مايحصل.
ما إن حدث هذا حتى هتفت : وين ..
قاطعتها شقيقتها الصغرى :
- ارتاحي ارتاحي ، سلامات وش فيك فجأة دختي؟ جاني عبدالاله لغرفتي يبكي.
صرخت مها : هااااتي جوالي بسرعة!
ناولتها هاتفها بخفّة وهي مرعوبة .. همست : وش فيه؟
ضغطت ازرار هاتفها بعجلة ، وعيناها مُحمرّتان.
اتصلت على امها ، مُغلق!
بوادر الإنهيار بدت على مُحيّاها.
مرت ثوانِ ثقيلة على قلبها وعقلها
قلبها الصغير .. لم يصدّق
ومن هول الفاجعة لم تبكِ!
مع ذلك .. مرّت تلك الثوانِ عليها!
سمعت ضجيجًا وبلبلة في الدور الأول.
خطرت في بالها فكرة : جموع المُعزّين من الأقرباء والجيران!
هكذا فقط .. فقدت الثلاثة دفعةً واحدة.
جُلّ اسرتها! عدا ابيها وشقيقتها الصغرى
رحلوا!
تركوها في هذه الدنيا البائسة ، لتواجه مصير تجهله
هم لم يشاركوها فرحة تخرجها حتّى ! لم ينتظروها!
لمَ ؟
لمَ يا أمي ؟ ياكل الأحضان الدافئة .. يا سعادتي الأبدية
لمَ تركيني ، انني عاجزة يا أمي بدونكِ.
إن قُلت انّكِ كُل شيء في حياتي ، فإني لا اكذب!
والله وتالله انكِ تعادلين الاكسجين في اهميته.
أنا طفلتكِ! ، طفلتكِ التي تعشقينها كثيرًا.
الا تذكريني ، الا تغدقيني من حنانك؟
لم تركتيني اواجه ألم رحيلكِ؟
بل كيف لي أن اوصل لسارة وعبدالاله الخبر الصاعق؟
مالذي سيفعله ابي ؟
عودي ، ارجوكِ .. افعلي ذلك!
بيتنا سيرتدي السواد حدادًا حتى آخر لحظة من عمره!
لكِ انتِ ولنورة ، ولحسام ..
حسام! آهٍ ياعيني ويا سندي
كيف لي أن احيا بدون سماع ضحكاتك الصاخبة تملأ المنزل.
كيف لي أن اتنفس بسكينة بدون أن انافسك في كل شيء؟
أنا اعلم جيدًا انّكم سترقدون في قبوركم .. بهدوء!
امّا أنا فسأعيش الحزن بتفاصيله الدقيقة.
-
خرجا سارة وعبدالإله من الحجرة بهدوء ، ومها تهذي في عالم آخر. عالم معتم مكتظّ بها!
سمعت صرخة "فرح" من عبود:
- ماماااااااااااااااااااا!
قفزت من سريرها لتجد نفسها فجأة امام غرفة المعيشة في الدور الأول!
فغرت فاها ، لم تصدّق عيناها:
- معليش تأخرنا بس الزحمة شي مب طبيعي! يوم خميس!
اما مها فهي على وضعيتها السابقة ، لم تنبس ببنت شفّة! قالت نورة:
- سلامات!
- جوالك وينه؟
- اييه جوالي نسيت اقولك ، انسرق! وجت امي بتكلمك من جوالها وخلّص الشاحن ! :")
لم تعلّق ، تركت هذه المهمّة لدموعها التي تسابق سرعة الضوء!
بكت ، وبكت ، وبكت .. فعلت ذلك بكلّ ما اُوتيت من قوّة.
انهمرت الدموع كما الشلال. بل واكثر من مجرد شلال!
مها ، القويّة! كيف لها أن تبكي فجأة؟ وبتلك الطريقة المؤثّرة؟
اقبلت والدتها وهي خائفة ، مرعوبة على ابنتها : وش فيك حبيبتي مها؟ صار شي؟
ارتمت في حضنها .. واكملت ما بدأت به.
اما امّها فلم تتمالك نفسها .. واجهشت بكاءً معها!
هنا . . ادركت مها مدى هشاشتها.
مهما كانت قويّة صامدة لا تحكي ولا تبكي .. فالوهن ليس مُستثنىً عنها.
ادركت شيئًا من الدنيا .. الشيء الكثير!
فعلًا .. "وخُلق الإنسان ضعيفا"
- مارية / غيم
الروابط المفضلة