
ولوج :
سوريّة ٫ ننام ونستيقظ على "يارب سوريّة ٫ استودعنـاك شعب سورية
وأرض سوريّة ٫ نسماتها وطهارتها ٫ كل سورية يا الله"
يرن جرس المنزل ، الساعةُ تُشيرُ إلى الواحدة والنصف ليلا ، الهدوء والسكينة منتشرة في
أرجاء المنزل ، أمان يعم المدينة ، سوى قعقعة الأحذية في أرصفة الطريق ، وحديث يُختم بالسَّـلامْ !
- تتحدثُ الأم بصوت مرتفع وهي تتأهب إلى النوم ،
من يطرق الباب في هذا الوقت ؟
- أمي إنها امرأة تحملُ أطفالا جرحى ، لا أدري ما تريد !
- حسنًا ، سأتي ﻷرى ما تريد ، ماذا لديكِ يا خالة لم أنتِ هنا في هذا الوقت ،
ولم وجهكِ هكذا شاحبًا ، آه ماهذا ؟ لم أطفالك هكذا ممزقة جلودهم ؟ .
- تبكي بنحيب عميق ، تُطلق تنهيـدة عميق كعمق جرح الأمة الذي لم يضمَد بعد !
حسنًا يا سيدتي .
- أولا يا خالة ادخلي بالداخل مأوى لكِ وﻷطفالكِ ، أهلا بك !
تدخل الأم وهي وجلة لا تدري ماالمصير القادم الذي سيستقبلها !
- تفضلي ماء بارد
"وتقدم للأطفال الجرحى طعاما يسيرًا وتضمد جرحاهم"
- تفضلي يا خالة ، ماذا لديكِ ؟
- أنا يا سيدتي ، أمٌّ لخمسة أبناء وابنتان ، أصبحنا ولغيرنا من الشعب السوري
ضحيّة ملك لا يعرف للإنسانيّة معنى ، لا نفرّق بين الصباح والمساء ، نصحو على دقّات البنادق
وهي تصطدم بأجساد ثم شيئًا يقع الأرض ويختفي الصوت ، وننامُ على قتل أرواح بغير حق ،
كل يوم أفقد ابنًا ، في الليلة الماضية رأيت بأم عيني زوجي يموت أمامي ،
رأيته وهو يجاهد في الدفاع عن أسرته ، ثلاث رصاصات على صدره ، ألقت به أرضا ضممته
إليّ وأستغثت كأي أمٍ لا تقوى على موت قريب ، يا سيدتي سوريا بعدما كانت مزهرة ، مثمرة ،
تحملُ لوحة منعشة ، أصبحت مجزرة لا تحتمل ، يعتقلون الشيوخ ، يقتلون الأطفال بالصعق
بالكهرباء ، النساء يا سيدتي النساء يغتصبون و صوت ألمٍ عميق قد ارتفع إلى رب السماء
واستنجاد برب العالمين ، أصبحت بئيسة حينما أحمل في بطني جنينا ، لا أفرح مطلقا أن
أقدّم للحياة طفلا جديدًا ، أن أجلب فردا جديدا يُضم إلى الشعب السوري يُسمى حلقة
حزن جديدة قد سقطت في وسط الشعب السوري ، البؤس أصبح مرتبطًا بالانجاب ، يا سيدتي
سوريّة في الثانية الواحد تنتج فيلمًا موجعًا على موسيقى البكاء ، على مسرح الفيلم ،
خشبة مهترئة مُلطخّة بالدماء ، وطفلة لا تفقه من الحياة شيء سوى العبث بدميتها الممزقة ،
وبجانبها قطعة خبز تأكل منها كلما أحست بالجوع
، والدتها تحيكُ وشاحًا لصغيرتها من الصوف يخفف عليها من وطأة الشتاء وقسوته المريبة ،
والدها يعملُ مزارعًا للخضار ويبيعه بسعر بخيسٍ جدا ، في الدقيقة الأربعون عندما همّت
اﻷم المذعورة للنوم بعدما تطمنت على صغيرتها وأنها نامت وهي قريرة العين مرتاحةُ البال ،
لتوها انتهت من صلاة الوتر في آخر السحر ، وتدعو "يارب احفظنا ٫ وسورية"
دُق باب المنزل قد عاد زوجها في أول خطوة خطاها في ولوجه إلى المنزل ،
يقول بفرح : السلم عليكم ورحمة الله و . . . وصمت !
و طلقة مسرعة على كتفه الايمن وأخرى في منتصف عاموده الفقري قد ألقته أرضًا
تُسرعُ الأم تحاول اسعافه ، ولكن ... !
قد فارق حياته ، وأغلق الستار .
- تنتحم الأم وجعًا ، وتحاول أن تنهي بُكاؤها بأي طريقة ولكن لا جدوى !
" تُقاطعها الأم المكلومة"
-لا تبكي يا سيدتي ، أعلمُ أن أحداث الثورة السوريّة تُؤلم أحدكم ،
والآخر لا يحمل شيئا من الإسلام سوا لفظها يمضي به في حياته ، يحتفلُ صخبًا ،
ولا يهتم بشيء من هذا !
في سوريَّـة كثرت الأجنَّــة في بطونِ الأمهَـات ٫ لم يعد بوسعنَـا أن ننجُبَ أكثر ٫
لا نريد مؤنة ولا حتى كسوة ٫ الأطفال يذهبون من أمام أبصارنا ٫ ونحن نقف لُجومًـا ٫
ونفيقُ بصرخة ونحيب ٫ كفاكم يا عرب نظرة شفقة وآعين تنظر إلينا برحمة ٫ دسوا حبوبا لمنع الحمل
في برقيّات دون أن يشعر بشّـار !
يا سيدتي أملنا بالله لم ينتهي بعد ولن ينتهي بإذنه ٬ ننتظر الفرج من الله !
"تُكفكف دمعات وتنهيدات"
- يا خالة لا تقلقي إنّا نحن المسلمون لم نهنأ في غمضة عين على الإطلاق ٬ ندعوا الكريم ٫ نلجأ إليه
وفي كفيّنا دعاء ٫ وفي قلوبنا صلوات ٫ في كل سجود نُردد : "يارب سورية ٫ يارب سورية"
الشيخ والقواعد من النساء والفتية والفتيات وحتى الأطفال يحملون راية سورية ٫
يحملونها في ذهابهم وإيابهم ٫ "جميعنا سورية ٫ جميعنا سورية"
النصرُ قادمٌ لا محالة ٫ قادم يا أبطال الشام :")
والملتقى الجنّة بإذن الله
تعليق