:
:
نعم ... كان جميلاً ، ولا يَطْلبَنّ أحَدُكمْ مِنّي وَصْفَه ، لَم أرَ لِجمالِهِ مثيلاً ، وَلسوفَ أُثْقِلُ كاهِلَ اللّغاتِ إنْ حاوَلت ، ولَسَوفَ أظْلِمُهُ إنْ وَصَفْتُه !
جَمالُهُ كانَ مُرَكّزاً في اثنين : صَوْته وعينيه ..
أما صَوتُهُ فَهوَ لمْ يُجِدْ الإنشادَ يوماً ، وإن دَنْدَنَ وهَتَفْتُ لَهُ ضَحِكَ بِرَوعةٍ وقال : صوتي نَشاز !! دونَ أنْ يَعلمَ أنَّ صَوتَهُ أحَبُّ إلى أُذُنَيَّ مِن هَمْسِ السّنونو !!
حينَ يَتَكلّمُ ، تتعالى نَبَراتُ صَوْتِهِ وتَنْخَفِضُ ، وَتَتمايلُ كما فُرشاةِ فنّانٍ مُحترِفٍ تَرسُمُ لكُم المَشْهَد ، فتعيشونَ أجواءَ قِصَصِهِ الرّائِعَةِ حيناً والمؤلِمَةِ أحياناً أخرى ..
وَحينَ يُقَدّمُ نصائحَهُ الغالية ، ستحِسّونَ بما أقْصِدُهُ بِجمالِه !!
سَتنتَهونَ عمّا نهاكُمْ عنهُ وَسَتفعلونَ ما نَصَحَكُمْ به ، دونَ أيّة حاجَةٍ للتّفكير !!
وأمّا عيناه ، فالجمالُ فيهما ليسَ مَصْدَرَهُ شَكْلُهما ، هما واسِعتانِ ، عسليّتانِ رائعتان .. نعم !! لكنّي لمْ أقصِدْ يوماً هذا ، بل قَصَدْتُ تلكَ التعابيرَ التي لن يقوى أحدُنا على إظهارِها وإنْ اجتَمَعَت جَميعُ حَواسّه ! فهوَ كما كانَ مُتَكلّماً رائعاً ، كان مُسْتَمِعاً أروَع ، يَستَمِعُ إلى الجميعِ بِقلبِهِ فَتَظْهَرُ رَدّاتُ فِعْلِهِ في عينيه تلك الحبيبتين ، فلا تَمْلِكُ سوى الاسترسالِ في الحديثِ والشّكوى لما تُدْرِكُهُ مِنهُ مِنْ تَفَهّمٍ وَحُبّ ، وحينَ تدمعان ... آآآآآهٍ مِنهُما وعلَيْهِما .. مَطَرٌ فَوقَ البحر .. أتخيّلتُم المَنظَر ؟!
وهأنذا ظَلَمْتُه !!
فأنا لمْ أُجِدْ الوَصْفَ يوماً ولَمْ تُسْعِفني الكلماتُ وإنْ كُنْتُ على وَشْكِ الاختناقِ بها !
فجمالُهُ الذي أقصِدُهُ ، والذي يُمَيِّزُهُ عن سائرِ الخَلْقِ لمْ يَكُنْ قَطّ في كُلِّ ما ذَكَرت ، ولا أدري ما مَنْبَعُه !!
لكنّهُ كالهالةِ البيضاء الكبيرَة التي تُلازِمُهُ حيثما ذَهَب ، تَنتَشِرُ حَولَهُ فَتَنْشُرُ فَرحاً وبَهجَة ، يَكْفي أنْ يَكونَ مَوجوداً ، مُغْمِضاً عَينيهِ وَصامِتاً لأُحسَّ بِدفءٍ كَبير .... !!
آهٍ كَمْ أحِبُّهُ .. وأُحِبُّه .. وَأحبُّه وَكَمْ أفتَقِدُ هالَتَهُ البيضاءَ تِلْك !!
()()()
()()
()
قالَ سيأتي ..
نعم ..قالَ سيأتي ..
فأفْرَحُ ، وَأفرَح ..
وَكُلُّ الفَرْحِ لا يَكفي
وَكُلُّ سعادَةِ الأطْيارِ
وَكُلُّ رَحابَةِ الأكوانِ لا تُجْدي !!
سيَأتي ... سيأتي
تَتراقَصُ دُمُوعُ الحُبِّ في صَدْري
وَتَهْمِسُ بالصَّرخاتِ حُنجُرَتي
وأكْتُمُ الأنينْ
والشَّوقَ والحَنين ،
وَغُرْبَةَ السّنينْ
سيأتي كما أخبَرَني ..
وَلو بَعْدَ حِينْ
يَشُدُّهُ الهَوى ، وَلَوْعَةَ النّوى ..
نعم .. يشتاقُ لي أكيدْ ..
يُبادِلُني مَحَبَّة .. في اللهِ لا تَغيضْ
وأنْسِجُ الأحلامْ
نوراً في ظلامْ .. تِيهاً في ظلام ..
ويَرْتَدُّ الصّدى ..
يَصفعني ارتدادُهُ ..
كَكَفٍّ مِنْ مدى ..
قالَ سيَأتي
وَيُمْعِنُ في التّأخّرِ ،
وَتَذْهَبُ الأحلامْ ..
بَعيدَةً ، سُدى ..
وأُمسِكُ الوعودْ ...
أنثُرُها في بيداءِ شَوْقٍ
حتّى لا تعودْ ..
تجْتَمِعُ ، وتَهوي ..
فتَنمو رياحينٌ ..
وَتَعْبَقُ الوُرودْ ..
أكرَهُ الأريجْ ،
ويَعْلو مِن أطرافِ الأناملِ النّشيجْ ..
أجْتَثُّ كُلَّ الوَردْ ...
أنسى ذاكَ العَهْدْ
قالَ سيأتي ... ومَنْ يعلم ؟!
لَعَلَّهُ قريباً .. لنْ يَفِي بالوَعْدْ
..
قال سيأتي ... وأنْتَظِرُ مُذّاكَ مجيئهُ
وَوَقْتُ وفائهِ ما حانَ بَعْدْ ...
أقطَعُ الوُرودْ ..
أرميها في الأنهار ..
لا .. ما لَهُ حُدودْ
في داخلي الصّراع
يُلْهِبُ العيون .. يُشْعِلُ الشّجونْ ..
فتَهْطِلُ العَبَراتُ ..
وتَنْبُتُ الأشجارْ ..
على ضِفافِ الأَنْهُرِ ..
على حوافِّ الدّارْ
فتَحْفَلُ الأكوانْ
بوُرودِها تَزدانْ
ألْمَحُهُ مِنْ بَعيدٍ ..
قال سيأتي ..
وكاذِباً ما كان ..
قال سيأتي ..
وهاقد أتى والتقينا ..
وما أحلى مِنْ لِقائنا
في هذهِ الجّنان ...
()
()()
()()()
الروابط المفضلة