سلمى و نور و علياء جارات في نفس البناء
علاقتهم جيدة ببعض يتزاورون و يتسوقون و يستمتعون باوقاتهم معا
في يوم قامت نور بعمل وليمة دعت اليها الاقارب و الصديقات بمناسبة ترقية زوجها
و كانت من ضمن الحاضرات بالطبع سلمى و علياء
كانت نور منشغلة جدا ما بين تحضير المأكولات و تنسيق الطاولة و الترحيب بالضيوف و تلبية طلبات الموجودين
و في معمعة العمل و الجهد سلمت على الحاضرين و نسيت أن تسلم على علياء
...لانها ظنت أنها سلمت عليها فعلا
فوجئت علياء بذلك التصرف و شعرت بحرج شديد عندما مدت يدها لنور للسلام عليها في نفس اللحظة التي أدارت فيها نور ظهرها لتستقبل ضيوفا آخرين
غضبت علياء غضبا شديدا و شعرت بالاهانة فقد ظنت ان الامر متعمد
ذهبت الى نور في المطبخ و باعلى صوتها صرخت : كيف تتصرفين معي بتلك الطريقة?!
بعد كل تلك العشرة أهذا ما أستحقه ?! أتلك هي صداقتك ??
و دون أن تسمح لنور التي كانت في قمة الذهول بأي كلمة بسرعة الريح غادرت المكان وسط دهشة الحاضرين وتعجبهم
و بعدها دار الحديث بين الجارات عن ما حصل و علمت نور بالسبب الذي دفع علياء لتصرفها
أقسمت أنها لم تكن تقصد و لم يكن ما حصل متعمدا
و لكنها أيضا أكدت أن ما فعلته علياء من احراج لها أمام الضيوف أمر غير مقبول و انها لا تريد رؤية وجهها بعد اليوم
علمت علياء ما حصل ... و علمت نور ما حصل لكن كان من المستحيل أن تعود المياه الى مجاريها و العلاقات الى سابق عهدها
في وقت لاحق و بعيدا عن الموقف الاول
اتصلت سلمى مرة بعلياء لتعرف أخبارها و تطمئن عليها
ردت علياء بارتباك على الهاتف و تكلمت مع سلمى لكن بكل برود
و أوحت طريقة كلامها الى سلمى انها لا ترغب باكمال الحديث معها
بل أنها اعتذرت في منتصف المكالمة و قالت لسلمى : عزيزتي سأتصل فيك لاحقا.. و أقفلت السماعة و لم تعاود الاتصال
مرة اخرى في يوم اخر حاولت سلمى الاتصال بعلياء فحدث معها نفس الشيء
محادثة باردة و صمت تقطعه بعض الكلمات
ردود مقتضبة و نبرة صوت باهتة ...
طلبت سلمى في يوم آخر زيارة علياء فاعتذرت أنها مشغولة في المنزل بتدريس أولادها .. لكنها رأتها في نفس اليوم خارجة من البيت الى مكان ما !
انزعجت سلمى كثيرا من تصرفات علياء و فاض فيها الكيل
مع تكرر الموقف عدة مرات حاك الشيطان في نفس سلمى
فشعرت بالغضب الشديد و عزت عليها نفسها
و اتصلت مرة أخرى بعلياء اخبرتها انها منزعجة جدا مما فعلته
و قالت : ليس من حقك معاملتي بهذا االازدراء
ان كنت لا ترغبين بعلاقتنا يمكننا قطعها فورا
أما أنا نفسي غالية علي و كرامتي مهمة عندي
استغربت علياء و حاولت تهدئة سلمى أخبرتها ان لا علاقة لها ببرودها
و أن سبب ما لاحظته من جمود هو مشاكل شخصية تمر بها علياء و لم تدرك أنها كانت تعكس لهذه الدرجة على تصرفاتها و حديثها
قالت لها : أما عندما رغبت زيارتي فقد كنت في حالة بكاء و تعب نفسي لا تسمح لي باستقبال أحد
و عندما رايتني خارجة فقد ذهبت لزيارة امي المريضة التي نقلت يومها الى المشفى لارتفاع مفاجئ في ضغط الدم
انت فهمتيني غلط و لم اقصد أبدا ما وصل اليك اهدئي و لا تظني بي ظن السوء
و رغم صعوبة الموقف الا ان سلمى ادركت انها فهمت الامور بشكل خاطئ و عادت الامور بالتدريج الى سابق عهدها
نجد في كلا الموقفين السابقين سوء تصرف
و عدم احسان لفن العتاب و المصارحة ..
العتاب يصفي النفوس و يزيل الخلافات و يجدد العلاقات
و ينقيها أولا بأول
فكثير ما نتوهم امورا و نفهمها خطا ممن حولنا
تصل الينا بشكل آخر و تترك في أنفسنا أثرا سلبيا ان لم نتعامل معها بشكل صحيح
و يجد الشيطان بيئة خصبة ليوقع بين الاحباء و الاصدقاء
للعتاب فن و للمصارحة أصول لتؤدي ما ترنو اليه و تكون ذات فائدة
ففي الموقف الاول و كمان رأينا ما حصل بين علياء و نور
بسبب سوء فهم بسيط الا ان سوء التصرف و توقع سوء النية من قبل علياء
جعل الامور تسوء .. و حالت سرعة رد الفعل و الانفعال من أن تفهم السبب الحقيقي لتصرف أغضبها
و أدى الأمر الى اصعب من ذلك بحيث قطعت العلاقة بينهما و خسرتا بعضهما ..
بينما كان الاولى بعلياء أن تمسك أعصابها و كما أخبرنا رسولنا الكريم عليه الصلاة و السلام ( لا تغضب )
فتتمهل و تنتظر و لا تقوم ساعة الغضب بمصارحة لأن ما فعلته لا يعتبر تحت بند العتاب و المصارحة
فهي قامت بالصراخ غاضبة و أحرجت صاحبة المنزل نور امام الجميع
و تحدثت بتحقير و غضب و عصبية
فما كانت النتيجة الا سلبية
و كان يجب أن تتعقل و تحسن الظن أولا ثم تنتظر الفرصة المناسبة لتصارح نور و تعاتبها بمحبة على ما فعلته
فتستمع الى ما ستقوله و تزن الامور بعقلها و تعطي فرصة لنور للتعبير عن نفسها فلا تفرض أحكاما دون أن تستمع و لا تقطع الود دون سبب حقيقي
لقد انتهت علاقتهما بسبب اللاشيء !
و أما في الموقف الثاني و لو كان أقل حدة و خاليا من الخسائر تقريبا
فقد سمحت سلمى للشيطان أن يشككها بصديقتها
و جعلت السلبيات تتراكم في نفسها و مشاعر الغضب تكبر و تكبر يوما عن يوم و بعد كل مكالمة أو تصرف
كما ان تلك الحالة جعلتها تربط كل ما تقوم به علياء بشكل سلبي بالفكرة التي توطنت في ذهنها
و هي أن علياء تتهرب منها و لا ترغب بها و تفتعل الحجج للبعد عنها بل و ربما ترغب في قطع علاقتهما
الافضل كان أن لا تترك لخيالها العنان ليسرح فيهيأ لها امورا و يجعلها تربط الاحداث التي تكون غالبا عفوية و لا ترمي الى شيء و لا قصد منها
انما الحبس في القلب و وسوسة الشيطان تسول لها أن كل شيء له سبب و هدف
يصب ضدها في النهاية
و كان المفترض ان التبس عليها الامر و لم تقدر على الخلاص من التفكير به
كما يحدث احيانا عندما يعلق الموقف في قلوبنا و عقولنا
عندها كان عليها المباشرة في مصارحة علياء و عتابها باصول العتاب الصحيح
و المصارحة البناءة
فتطلب منها الحديث وجها لوجه بينهما فقط و بشكل هادئ و عقلاني تبدأ
بتحديثها عن مشاعرها و ما أوحت به تصرفات علياء لها الايام الماضية
تخبرها انها شعرت انها تتهرب منها و شعرت بالنفور من قبلها
و لم ترغب ان يوقع الشيطان بينهما و يخرب اخوتهما في الله
فتطلب مفاتحة و تبريرا منها
و بذلك تعرف السبب الحقيقي لتصرفات علياء أو على الاقل أنها غير مقصودة بها
و المسلم كيس فطن .. تظهر له الحقائق سريعا و يستنبطها مباشرة
و الاسلام أمرنا أن نلتمس لآخوتنا سبعين عذرا
العتاب يغسل القلوب و ينقي النفس من الشوائب و يطهر العلاقات من شباك الشيطان و خبائثه
فتكون علاقاتنا شفافة طيبة حقيقية صادقة
أكثر تفهما و اخوية و ترابطا
و لا نضطر للابتسامة الزائفة او التواصل الشكلي
بل تكون علاقاتنا لوجه الله و نلتمس الاعذار و الاسباب للاخرين
و ننتزع الشك و سوء الظن من قلوبنا
العتاب فن يرجو من يتقنه
فيحقق مبتغاه و يصل غاليته
فكثرته تميت المحبة و غيابه يزيف العلاقات و يجمدها
له آداب و مبادئ ليصل الى القلوب
علينا التزامها لنعرف كيف نستخدمه و نستغله...
فلا يفقد قيمته و لا تضيع هيبته
و لا يكون جارحا بل مداويا ... لطيفا لا قاسيا
معبرا عن الحب و الود لا البغض و الضغينة
و من يعلم ربما كان يمكن إنقاذ الكثير من العلاقات و فض الكثير من الخلافات
لو كان هناك من يتقن و يحترم فن العتاب
الروابط المفضلة