الوقت :التعريف والعلاقات
باسم الله ؛ نبدأ وعليه نتوكّل .
أشرت في مقدّمة الدورة إلى المفهوم الملتبس للوقت عندنا ؛
لأنّه المفهوم الأكثر عمومية وضبابية ؛
لأنّنا لو طرحنا السؤال عن تحديد معنى الوقت لحصلنا على أجوبة تختلف بعدد المجيبين .
وبما أنّ هدفنا في هذه الدورة ؛ تصحيح أو تعديل علاقاتنا بالوقت لنتمكّن من الاستفادة منه
في جميع أعمالنا الدينية والدنيوية على أحسن وجه؛
سنبدأ بإذن الله بتقديم تعريفات ؛وتركيبها وصولا إلى تصوّر هادف له .
لأنّ تحكّمنا في أي شيء وتسخيره فيما ينفعنا يتطلّب معرفته ؛
كان لزاما البدء بتعريف الوقت :
يعرفه الباحثون بكونه أحد البعدين حيث تتحرّك الظواهر والأفعال البشرية :
الزمان والمكان أو الفضاء ؛وأنّ الإنسان محكوم بالزمن
واقع في قبضته مهما حاول الانفلات أو التحرر منه .
كما أنّ كلّ إنسان يتوفّر على رصيد من الوقت يمكن اعتباره رأسمالا
يستهلكه خلال حياته ويتمنى دائمااستثماره بأحسن طريقة ممكنة .
الوقت ينظم وتيرة حياتنا
نقوم كلّ يوم من النّوم وأمامنا عدد معلوم من الساعات ؛ فكيف نوزّعها ؟
بين العمل والعبادة والأكل والرياضة والراحة والقراءة والتفكير ؟
فهل لدينا الوقت للقيام بما نريد ؟
أم أنّنا نمضي أيامنا في محاولة القبض عليه ؟ ،هل ننهي ما بدأناه ؟
ما نسبة الفشل ودرجة الإحباط الذي ينتابنا إن فشلنا ؟
ولم ننه أعمالنا بسبب عدم توفّر الوقت ؟
من هنا يبدو أنّ الوقت مكون ثمين يتحكّم في تنظيم نشاطاتنا .
وعلى هذا الأساس فالمسألة هنا في معرفة ماذا نفعل بوقتنا ؟
وفي قدرتنا على تحليله ، ودراسة سلوكنا الشخصي في التعامل معه .
في البداية نسترشد ببعض الأقوال من التراث الإسلامي والإنساني
التي تحدّد قيمة والوقت وتحذّر من عواقب سوء استعماله .
قال الخليفة الراشد عمر بن عبدالعزيز رضي الله عنه : (( إن الليل والنهار يعملان فيك فاعمل فيهمـا )) .
_(اضاعة الوقت جريمة انتحار بطئ ترتكب على مرأى و مسمع من الناس ,
ولا يعاقب عليها احد, فمن قتل وقته فقد قتل في الحقيقة نفسه !).د.يوسف القرضاوي
_(الوقت يمضي...؟؟ لا للاسف...فان الوقت يبقى, ونحن نمضي.)هنري اوستن
(يكون لدينا متسع من الوقت عندما نعرف كيف نستخدمه )بسمارك
(ان تكون غنيا هو ان تملك المال, ان تكون ثريا هو ان تملك الوقت )مرجريت بونانو
(لازلت ارى اليوم قصيرا جدا على كل الافكار التي اود ان افكر فيها,,
وكل الطرق التي اود ان امشي فيها, وكل الكتب التي اود ان اقراءها,
وكل الاصدقاء الذين اود ان اراهم ) جون بوروف
(ان العالم اليوم يتحرك بجناحين هما:السرعة والابتكار
وعلى الانسان ان يدرك ذلك حتى لا يحطمه قطار الزمن) د.ابراهيم الفقي
يقول أحد الحكماء ، وهناك من ينسبه إلى علّي بن أبي طالب رضي الله عنه
(من أمضى يومه في غير حق قضاه، أو فرض أداه، أو مجد بناه،
أو حمد حصله، أو علم اقتبسه، فقد عق يومه، وظلم نفسه )
من خلال هذه التعريفات يتبّين أنّ الوقت ثروة لا تقدّر بثمن لأنّه مرادف للحياة ،
هو أعز ما نملك لأنّنا لا نستطيع شراءه ولا توفيره لأنّه لا يقبل التراكم ،
هو يمرّ ، ورغم أنّه يمضي بالنسبة للجميع ؛
فإنه يمكنك استعماله بشكل أفضل من الآخرين
وهكذا يكون أداة للتمكن من العيش أفضل .
ومن هذا المنطلق فعلاقتك بالوقت تعود إليك ؛
فقد يكون عدوّك ، سيّدك ، عبدك أم صديقك ؛
فماذا تختارين ؟
هل الوقت عدوّك ؟
قد تضطرّين للتصارع والتسابق مع الوقت لربحه ،
وتكون حياتك كما يقال ، جريا ضدّ الساعة ،
فأنت إذن تريدين ربح الوقت من أجل مزيد من ربح الوقت ؛
وليس من أجلك أنت ؛ هي إذن رياضة بدون هدف ،
تعتبرين كلّ تأخّر هزيمة شخصية لأنّك تشعرين بإحباط كونك تجرين بدون توقّف
وعندك انطباع أنّك لن تصلي أبدا ،
يترتّب على هذا الإحساس فقدان للصبر
وشعور بأنّ الآخرين يمتلكون وقتا أكثر من المتاح لك ؛
وهذا يجعلك تتسرّعين ؛ فهل تتقنين ما تقومين به إن تسرّعت ؟
وماذا عن النّوعية إن كنت تهتمين بالعدد والكمّ ؟
حتّى علاقاتك مع الآخرين قد تتأثّر سلبا لأنّ التسابق قد يتحوّل إلى عدوانية
وإصرار على النجاح ، قد يكون نجاحا فعليا ؛ لكنه في الغالب نجاح مؤقّت
ـ أنجزت عملا ؛ لكنّك لم تمتلكي طريقة للتعامل السلس مع الوقت .
والنتيجة أنّ الوقت سيغلب لأنّ عنده كامل وقته
وهو يسخر من اضطرابك وتوتّرك؛ فلماذا تجعلينه عدوّا وهو لا يغلب ؟
نصيحة : اختاري أن تربحي أو تخسري ضدّ الوقت ؛
فهو ما هو عليه ولن يتغيّر ؛
لكنّه متاح متى عرفت كيف تتكيّفين معه وتديرينه.
هل الوقت عبد لك؟
هل تفعلين بالوقت ما تشائين ؟
هل تقسّمينه إلى أجزاء وتلتزمين هذا التقسيم؟
لا مكان عندك للارتجال أو العفوية أو المرونة ؛
والنتيجة أنّك تعيشين توتّرا ما دام تركيزك منصبّا على النتيجة المحدّدة في الوقت المحدّد ،
كما أنّك لا تؤمنين بفكرة تقسيم العمل وتكليف من يساعدك في بعض المهامّ ؛
ولأنّك تؤمنين بالإتقان وبالنجاح في المستقبل وتلغين الماضي والحاضر ،
تلغين الحرية ؛ حبّ الحياة والتفاعل مع الآخرين لأنّها لا يدخل في برنامجك الدقيق ،
لهذا التصور إيجابيات ؛لكنّ سلبياته على المستوى الشخصي خطيرة
لأنّه قد يضرّ بتوازنك وصحتك النفسية متى اقترب من الوسواس .
هل الوقت سيّدك ؟
مسؤوليات كبيرة تحملينها ، وقرارات تنتظرك ؛
لكن الوقت يتحكّم في كلّ شيء ؛ إنّه مديرك نوعا ما ، أو سيّدك ؛
وأنت مضطرّة للحاق به ؛ وهذه هي الحالة الغالبة ـالملاحظة ـ
وتترجمها التعابير الشائعة التالية :
لم يكن عندي وقت ـ الوقت وحده كفيل ب... أو ـ الوقت لا يهمّني ـ
أو كنت أودّ ؛ لكن الوقت لم يسعفني ...
وغيرها من العبارات التي تترجم شعورا بأنّ كلّ ما ينجز بهدوء يعتبر عملا غير مجد،
كما تحمل نوعا من الأعذار الشائعة التي نعلّق عليها عجزنا عن التحكّم في الوقت ،
لأنّ سعينا إلى التحكّم فيه ،وفشلنا يجعله سيّدا حقيقيا .
وعدم القبض على نوعية العلاقة الصحية بالوقت ،
يعمق الشعور بالفشل ، لأنّ الوقت لا ينتظر : ما حصل قد حصل ؛
ولا مجال للاستباق أو الرجوع ؟
فلماذا لا نجعل من الوقت صديقا ؟.
الرغبة في السباق مع الوقت أو ترويضه أو الخضوع له لها نتائج سلبية ،
فماذا لو جعلنا منه صديقا ؟
ستأتي تفاصيل هذه العلاقة في محاضرة لاحقة ؛
ـ لأنّها الهدف الأساس من الدورة ـ.
لكن لا بأس من وضع بعض عناصرها : إن أنت غيّرت مواقفك السابقة
وحاولت تطويعه بحيث يتحوّل إلى شريك ؛ ستربحين
* القدرة على العيش في الحاضر
*والتفكير في المستقبل
*القدرة على الإبداع ،
*القدرة على اتخاذ القرار وتحمّل المسؤولية ،
*الإحساس بلذة النجاح ؛
*الطموح الشخصي التحكم في النفس وفي العلاقة بالآخرين ،
*الرغبة الإيجابية في العمل .؛
كلّ هذه الأشياء يمكن أن يحققها لك الوقت إن أنت نظرت إليه بإيجابية
واعتبرته حليفا وصديقا .تعتمدين عليه في كلّ أعمالك .
قواعد عامة
الوقت مختلف بيننا لأنّ صوراتنا له مختلفة .
في البيت ؛ في العطلة أو في العمل يختلف تصوّرنا وتعاملنا مع الوقت .
وقت الإنسان الراشد يهيَّأ منذ الطفولة .
إلى هنا انتهت المحاضرة
وبعد هذه التحديدات ؛نأتي إلى الأسئلة :
1 ـ السؤال الأول : هل للوقت أهمّية بالنسبة لك ؟
2 ـ السؤال الثاني : أين يمضي وقتك : حاولي وضع جدول ليومك من لحظة الاستيقاظ إلى النّوم :
الساعة كذا ـــــــــــــ العمل
الساعة ..........وهو جدول تنظيمي يمكن أن تطبقيه على أسبوع؛
من الساعة ..إلى .....
واستخلاص النتائج الدّالة على نوعية علاقتك بالوقت .
3 ـ السؤال الثالث : كيف تهيّئين أولادك للتعامل الإيجابي مع الوقت ؟
وموعدنا في المحاضرة الثانية التي سيكون محورها بإذن الله :
العوامل المضيعة للوقت أو آكلات الوقت .
الروابط المفضلة