سنة الحياة أن يتكلل الزواج بإنجاب أطفال لمن حباه الله بهذه النعمة .
يدخلون البهجة على قلوب الوالدين ويضيفون إلى مسؤولياتهم
وانشغالاتهم في نفس الوقت ،
فبعد الزواج ومجيء الأولاد والانشغال بتربيتهم ؛
والسعادة بوجودهم يملأ البيت حياة تبدأ رحلة الفراق ؛
بل إن هذا الفراق يبدأ منذ الولادة .
لأنّ سنة الحياة أيضا أن هؤلاء الأبناء سيغادرون البيت .
فراق أول : منذ ولادته والانسان في رحلة انتقال وفراق
يخرج إلى الحياة بعد مغادرة مكان آمن هو بطن أمه ،
ويستقبل الحياة بصرخة ، دليل حياته ووصوله بالسلامة
يؤوّلها المشتغلون بعلم النفس بأنّها تعبير عن حزن لمغادرة مكان آمن دافئ ..
وعبر آليات الإشراط الاجتماعي أهله على التكيف مع هذا العالم الجديد
–التربية – إلى حين وقت الدراسة .
*فراق ثاني
: ابتداء من سن الثالثة –في بعض الأسر-
تبدأ مسيرة التربية والتعليم في مؤسسات مختصة :ـالروضة – المدرسة –
وقد تبدأ من الحضانةإن كانت الأم عاملة ؛وليس لديها من يرعى طفلها في غيابها ،
وهذه حلقة أخرى من حلقات الفراق التي قد تكون صادمة بالنسبة للبعض
ـ حسب قوة درجة التعلق بين الطرفين ـ
ويترقى الابناء في سلالم التعليم ويصبح الوضع مألوفا .
وما إن يكبروا حتى يبدؤون في الابتعاد وهو أمر عادٍ
يسافرون إما لإتمام الدراسة أو العمل أو الزواج
فهل الآباء قادرون على استيعاب والتعايش مع هذه التحولات ؟
تختلف ردود الفعل بين الأسر في كيفية استقبال هذا الانتقال ـ
مغادرة البيت ـ
كما تختلف بين الأم والأب والإخوة
حسب درجة القرب من الابن أو الابنة المسافر
فالأمّ تفرح إذا نجح ابنها ؛ لكن إذا ذهب إلى الجامعة تبكي .
إذا تزوج تفرح وإذا سكن بعيدا تبكي .
فرح يعقبه حزن يعقبه ارتياح : حيث أغلب الآباء يشعرون بكبر وفراغ البيت
فيتركونه إلى شقة صغيرة لتضييق دائرة الفراغ .
وتنقسم ردود الفعل عموما إلى :
* تعايش سلبي : نظرا للتعلق الشبه مرضي أو المرضي في بعض الحالات
لأن هذه البنت أو الولد يمثلان سندها – يملأ فراغها ويحميها في حال طغيان الزوج .
* أزمات : حيث تصبح الحياة السليمة رهينة بعودة الابن أو البنت
* الفراغ في البيت قد يرافقه أو يعقبه فراغ في الحياة
يسبب اضطراب الحياة بين زوجين لم يكن يجمع بينهما سوى الصبر
حتى يبلغ الأبناء بر الأمان – ولو من طرف واحد –
وتعتبر مغادرة الأبناء معيارا لقوة الرابطة الزوجية أو هشاشتها .
* فالأزواج الذين بينهم مشاكل ويكونون مشغولين بتربية الأبناء
وأمهات صابرات من أجل الأبناء ، يجدان نفسيهما فجأة وجها لوجه ،
ولا يجدان أو يبحثان عن شيء يجمعهما أو يقولانه لبعضهما ؛
فتطفو المشاكل ، ولا يعرفان كيفية مواجهة هذه الوضعية / الصدمة.
لأن كيفية التعامل مع هذه الوضعية مرتبطة بنوعية العلاقة داخل الأسرة
وقدرة الزوجين على إدارة الحياة الزوجية / الأسرة .
لكن حتى في هذه الحالة التي تتم وسط الأفراح والاحتفالات
لا يخلو الأمر من تعبير عن الحزن لفراق البنت أو الولد .
وخصوصا البنت لأن بعض الأمهات يتخوفن على بناتهن
من دخول عائلة جديدة قد لا تتوافق معها .
أما الابن حسب هذه الثقافة نفسها فقلما يخاف عليه لأن الرجل قوي
وسيكون له تأثير على زوجته ـ ما تريده لزوجة ابنها ـ لا تقبله لابنتها .
وقد ينتقل هذا الشعورإلى الأبناء كذلك ؛ لأنّهم تربّوا على الاعتماد الكلي
على الوالدين حيث يشعرون بالعجز والغربة عند أول خبرة تتطلّب اتخاذ قرار .
ألا نرى طلبة لا يقوون على البقاء شهرا بعيدا عن أمهاتهم ؟
وبنات تزوّجن ؛ يبكين يوميا لبعدهن عن أمّهاتهن ؟
*التعايش الإيجابي : ويعرفه أفراد الأسر المتماسكة أركانها ؛
والذين أنشِؤوا أبناءهم على المسؤولية ؛
ويدركون أنّ الحياة حلقات من الترحال ؛ تبدأ من المدرسة
وصولا إلى تحقيق نجاح وارتقاء اجتماعيين واستقرار أسري لتستمر الدائرة
قد يحزنون في البداية ؛ لكن من منطلق إدراكهم أنّ الأمر طبيعي
يرضون ويحمدون الله على ما وصل إليه أبناؤهم وما حققوه من نجاح في حياتهم .
* نتائج وتوصيات:
* سنة الحياة هي أن الولد أو البنت يعمران بيت الأهل فترة ؛
لكن مهما طال مقامهما
فإنهما سيغادران إلى العمل أوبيت الزوجية .
لأنّ ضرورات الحياة تفرض هذا الانتقال وتوسعه ،
ولذلك ينبغي أن نعلم أبناءنا وأنفسنا نوعا من الاستقلالية والاعتماد على النفس
حتى نقبل الافتراق بسهولة .
*على الأم / الأب تقبّل بعد الأبناء عن لتحقيق ذواتهم .
ويكونوا قادرين على تحمل المسؤولية ،
يعرفون ما يريدون وكيف يعيشون حياتهم إيجابيا .
*تربية البنات وتأهيلهن لدخول حياة جديدة
حتى تنجح في بناء أسرة ولا تشعربالغربة .
أمّا عن التواصل فالأمور تغيّرت كثيرا حيث البعد أصبح جغرافيا فقط ،
ولم تعد هناك حواجز للتواصل في ظلّ التطورات التكنولوجية الحديثة
التي جعلت العالم أصغر من قرية صغيرة .
الروابط المفضلة