رحم الله امرءا أهدى إلي عيوبي
مقولة تدل على أهمية النصيحة في حياتنا
فمن يهدي لنا عيوبنا يساعدنا على رؤية أنفسنا بوضوح و شفافية بعيوبها و مميزاتها
بعيدا عن ضغط الأنا و حب النفس
لأنّنا من خلال النصيحة نستطيع أن نكتشف عيوبنا و أخطاءنا
و يمكن أن يلفت انتباهنا الى أمور لم نكن نراها أو ندركها
و قد تتجلى أمامنا صورتنا واضحة من وجهة نظر من حولنا
فننتبه إلى أوجه القصور فيها فنعمل على تلافيها و محاولة إصلاحها
و تغيير ما فينا للآفضل
و هذا ليس عيبا رغم عدم تقبل أغلبنا للنقد بسهولة بسبب طبيعة الإنسان وأنانيته و رفضه قبول عيوبه
فكلنا يجب أن ندرك أنّ فينا عيوبا بلا شك .. و ربما تلك إحدى الحقائق المسلم بها و التي لا يختلف عليها اثنان
لآنه لو لم يكن لدينا عيوب؛ لكنا ملائكة نفعل كل ما علينا على أكمل وجه و لا تشوب تصرفاتنا أي شائبة
إلا أن هذا غير صحيح و غير واقعي ؛فنحن بشر ركبت نفسياتنا و سلوكياتنا
من مزيج من الخير و الشر بنسب متفاوتة ؛فمن يغلب خيره على شره نقول إنه انسان على خير --- خلوق طيب أمين صادق ... الخ
إلا أننا لا نقول عنه إنه كامل
فالكمال لله تعالى وحده
و نحن كل حياتنا نقضيها في محاولة للاقتراب من هذا الكمال
قدر المستطاع رغم علمنا أننا لن نصله
لكن الخير يتحقق بالمحاولة و مدى التحسن الذي نصل اليه.
تساعدنا في ذلك النصيحة التي يقدمها المحبون لنا و من نحسبهم على خير
نستطيع الثقة في كلامهم و أرائهم في ظل موافقة الدين و الشريعة
و الثقة برضى الله عما نقوم به
فعلينا أن لا نتحرج من قبول النصيحة بل و طلبها إن عجزنا عن وضع اليد على الخلل في أمر ما
و الانسان الذكي هو من يعمل ببعد نظر ليرى نفسه على المدى البعيد و ما حقق من أهداف، و إلى أين وصل بنفسه و ارتقى بها
و يتجاوز عن نرجسيته و كبريائه المزيف ........
موضوع النصيحة لا يتوقف على قبولها أو رفضها أو أهميتها في حياتنا
بل يتوقف على موضوع ربما يكون أهم وهو :
من يعطي النصيحة؟ و كيف يعطيها ؟
الناصح الحق المحب للغير و الراغب في الاصلاح،
ما هي صفاته و كيف يجب أن يكون؟
أذكر قصة قصيرة و مثال حي ذكرته إحداهن تقول :
في يوم كنت في المصلى مع أخواتي المسلمات و أدينا صلاة المغرب معا
و قد كانت خلفي سيدة اقتربت مني بعد الانتهاء من الصلاة و قالت لي :
على فكرة صلاتك لن تقبل كان ظهرك جزء منه مبين و أنت تسجدين يجب أن تعيدي الصلاة
تستأنف صاحبة القصة فتقول :
نصيحتها تلك كانت ستكون بالنسبة لي هدية رائعة
لحفظها لصلاتي و تنبيهي لأمر ربما كان ضيع أجر صلاتي و أبطلها
إلا أن السيدة قالت كلامها بصوت عالي على مسمع الجميع ممن أعرف و ممن لا أعرف
و جعلتني أشعر بالإحراج الشديد
من يومها و أنا كل ما أتذكر الموقف أشعر بالضيق ؛
و ترتبط صورة تلك المرأة بالجزء السلبي من تفكيري رغم أن المفترض
-- لو أنها أحسنت النصيحة-- أن أكون ممتنة لها
هذا المثال البسيط جدا يبّين لنا كيف أن أمر النصيحة و مجراها يتغيران تغييرا جذريا بسبب انحراف صغير و بسيط في طريقة التعبير أو الكلام أو الأسلوب
ذلك أن النصيحة أمر حساس جدا تتعلق بالنقد لشخص الإنسان أو تصرفاته؛ و هو أمر له آدابه ليؤدي معناه و يكون ذا هدف سامي بعيد عن الأغراض شخصية
أهم تلك الآداب و المقومات هي النية
فالنية الصادقة للنصيحة كما لكل أمور حياتنا
تحدد الهدف منها
و كما قال رسول الله عليه الصلاة و السلام :
( إنّما الأعمال بالنيات و إنما لكل امرء ما نوى )
صدق رسول الله - صلى الله عليه و سلم -
فماذا لو كانت النية الإحراج ؟؟ أو تفريغ الغضب و العصبية لشخص يغيظني مثلا؟؟
أو بغرض التقليل من شأن الإنسان أمام الأخرين
فهل تسمى نصيحة ؟
و هل يكتب لها الأجر ؟
بل ربما تحولت إلى إثم باختلاف النية و الهدف و الأسلوب !
يجب أن تكون النصيحة بهدف الإصلاح و الخوف على الآخرين من فساد دينهم أو دنياهم
يجب أن تكون حثا على الخير أو ردا عن المعصية أو الظلم
فمن آدابها: الحديث بينك و بين الشخص المعني بعيدا عن مسمع الآخرين تجنبا لإحراجه و إزعاجه
و من آدابها أن تكون بصوت منخفض و أسلوب ليّن و من شخص مؤهل لإعطاء تلك النصيحة
والناصح يجب أن يكون عاملا بما ينصح و ليس كما قال الشاعر :
لا تنه عن فعل و تأت بمثله
عار عليك إذا فعلت عظيم
فلا يعيب أحدنا على الآخرين إعراضهم عن النصيحة
و غضبهم منا إن نحن خرقنا تلك الشروط و لم نلتزم بها
و لا نتهمنهم بالجمود و عدم تقبل النقد
فالإنسان بطبعه يحب اللين و يستجيب له ،و ينفر من الفظاظة و العنف
و يرى نفسه في موقف المتهم المجبور على الدفاع عن نفسه
إن نصح أمام الملآ
ولا يتحجج أحدنا فيقول : و الله أنا صريحة و لا أعرف ألف و أدور و لا أحب سوى قول الحقيقة
فالحقيقة أيضا تقال بأساليب
و النصيحة أيضا تهدى بحلو الكلمات و طيبها
و تصل المعلومة بالأسلوبين
لكن النتيجة تختلف جوهريا في الحالتين
فما يضرك إن حافظت على مشاعر أختك و في نفس الوقت أوصلت لها ما تريدين قوله ؟
و لا ننس ديننا الحنيف و ما حثنا عليه من الأمر بالمعروف
و النهي عن المنكر
بالأسلوب المناسب و لين الحديث و التحبيب بدل التنفير
فبالحب و رقيق الكلام و عذبه تفتح القلوب
ولا ننسى أننا بهذا نكون صورة لديننا و أنفسنا و تربيتنا
و لشخصياتنا و ثقافتنا و مهاراتنا الاجتماعية أيضا
بالإضافة إلى كسب ودّ و احترام الآخرين
أما آن الاوان لمراجعة أنفسنا و أسلوبنا ؟
و بعد كل ما سبق هل العيب في الناصح وكيف ينصح ؟
أم في المقدم إليه النصح و عدم تقبله ؟؟
دمتم بكل خير ........
الروابط المفضلة