صلة الرحم
روى البخاري عن أبي هُريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال:
{مَن كَان يؤمِن بالله وَاليومِ الآخِرِ فَليصل رَحِمَهُ وَمَن كانّ يؤمِنُ بِالله وَاليَومِ الآخِرِفَليقُل خَيراً أو ليصمت}.
إن الإسلام هو دين التواصل،
و سميت الرحم بذلك لأنها اشتقت من إسم الله الرحمن،
كما جاء في الحديث الشريف:
" شققت لها اسما من إسمي، فمن وصلها وصلته، ومن قطعها قطعته".
صلة الرحم :
دعوة للتراحم والتواصل بين المسلمين,
وهى شعار الإيمان بالله واليوم الآخر, وسبب بسط الرزق وطول العمر ودليل على كرم النفس وحسن الخلق.
وقد خلق الله الرحم لتقرب بين المسلمين، وتكون شاهدة عليهم يوم القيامة، فيُحرم قاطعها من الجنة، وتشفع لواصلها عند الرحمن.
اللهم اجعلنا من واصلي رحمنا يارب.
وتكون صلة الرحم بالإحسان لذوى القربى من النسب والأصهار ,
والأقارب من الإخوة والأعمام والعمات، والأخوال والخالات، ثم أبناء العم وأبناء العمة، وأبناء الخال وأبناء الخالة، وكل ذوي الأرحام.
وتكون بالسؤال عنهم ,وتفقد أحوالهم ومساعدة الفقراء فيهم ,والإهداء للأغنياء منهم واحترام الكبير والعطف على الصغير.
وتكون أيضاً بالدعاء للأرحام وتنقية القلب تجاههم والحرص على نصحهم وأمرهم بالخير والمعروف ونهيهم عن المنكر.
قال تعالى:
وَاتَّقُواْ اللّهَ الَّذِي تَسَاءلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ[النساء:1]
ولكن للأسف الشديد !!
رغم عظم شأن صلة الرحم إلا أن العديد من الناس مضيعين لهذا الحق,
ومفرطين فيه فكثيراً منهم لا يعرف قرابته بصلة ,
أو حتى بسؤال!
وتمضى الشهور وربما الأعوام والصلة مقطوعة بين الأرحام,
وآخرون يشاركون رحمهم في الأفراح فقط ,
ويبتعدون عنهم في أحزانهم !
وبعضهم يتودد إلى الأغنياء دون الفقراء.
وروى البخاري عن عبد الله بن عمرو عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال:
{ليس الواصل بالمكافيء ولكن الواصل الذي إذا قطعت رحمهُ وصلها}.
فالكثير الكثير من يصل رحمه فقط إذا وصلوه ,
ويقطعهم إذا هم قاطعوه وهنا يعتبر هذا الشخص مكافيء,
وليس بواصل كما وصفه رسول الله صلى الله عليه وسلم.
هناك من يكتفي بالرسائل القصيرة عبر الهاتف المحمول ( المسجات )
أو عبر البريدالالكتروني( الايميل )
للسؤال و التواصل مع الأهل و الأقارب فهل هذا يفي بالغرض
و على الجانب الآخر هناك من يكابر فلا يعفو و لا يسامح
أويتجاوز عن أخطاء اقاربه و ارحامه فيتسمك بالقطيعة ,
رافضا إخلاص النية لوجه الله تعالى
فهل يستطيع تحمل ذنب تلك القطيعة ؟؟؟؟؟
هل من الصعب عليه أن يتجاوز عن أخطاء أقاربه ورحمه ويصلهم؟
هذا هو الإختبار الحقيقي لمدى طاعتنا لأوامر الله في صلة الرحم ,
وليس لأن نضع المبررات التي نقطع بها أرحامنا مهما كان السبب.
ولنعلم أن الله سبحانه وتعالى يأجرنا على حسن صلة الرحم أجرا عظيما.
عن أبي هريرة رضي الله عنه في الصحيحين عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال :
( إن الله تعالى خلق الخلق حتى إذا فرغ منهم قامت الرحم فقالت : هذا مقام العائذ بك من القطيعة ،
قال : نعم أما ترضين أن أصل من وصلك وأقطع من قطعك ؟
قالت : بلى ، قال : فذلك لك )
هل حقا نستطيع أن نقطع صلتنا بالله سبحانه وتعالى بقطيعة رحمنا ؟؟؟
ومن يقطعه الله فمن ذا الذي يصله ؟؟
ولماذا إذاً إنتشرت قطيعة الأرحام بين الناس بتلك الصورة ؟؟؟
هل السبب هو الجهل بفضائل الصلة ,وعواقب القطيعة
أم
ضعف التقوى والإيمان أو الكبر وقسوة القلب ؟؟
تلك الأسئلة تحتاج منا إلى وقفة وإجابة!!
ولكن أولاً يجب أن نعلم جيداً:
قطع الرحم يعنى موت القلب المتعلق بربه.
وبالتالي عمى الأعين وصم الأذن عن كل ما يقربنا من الله وطاعته والعمل بأوامره.
والشيطان هنا يدخل إلى نفس الإنسان الضعيف ويعمل على محاربة أو قطع الصلة بين الشخص و أرحامه.
وقد خسر من اتبع هواه وشيطانه.
قال الله تعالى:
( فهل عسيتم إن توليتم أن تفسدوا في الأرض وتقطعوا أرحامكم . أولئك الذين لعنهم الله فأصمهم وأعمى أبصارهم ) . سورة محمد
هناك من يقول:
أقاربك العقارب لا تزرهم
ولا تنظر إلى عم وخال
فكم عمٍّ أتاك الهم مــنه
وكم خالٍ من الأخيار خال
ولكننا يجب أن نرد عليهم بقول الرسول صلى الله عليه وسلم:
"صل من قطعك وأعط من حرمك،
واعف عمن ظلمك،
وتحلم على من جهل عليك".
ولنعلم جيداً أن الإنقطاع الطويل عن الأهل والأرحام يؤدي إلى الوحشة واعتياد القطيعة.
وأيضاً الإشتغال بالدنيا وبعد المسافات
وكثرة المشاحنات والخلافات بين الأقارب يقطع كل صلة بين الأرحام.
ومن أكثر ما يؤدي إلى قطع الأرحام
( الميراث )
وخصوصاً عند تأخير تقسيمه إما لتكاسل أو عدم وفاق أو أطماع أو غيرها.
وبالتالي تكثر العداوة وتبدأ الخلافات وتنتقل إلى المحاكم
ويمكن ألا ينتهي الصراع أبدا
ولنعلم جيداً أن قطع الأرحام يصل إلى الأبناء والإخوة أيضاً..
لأن الأبوان يعطيان صورة يقتدي بها أبناؤهم.
وهنا نقول إعمل ما شئت فكما تدين تدان..
وإليكم بعض القصص الواقعية
الســـــــــــلام علــــــيكم ورحمة الله وبركاته
صديقاتي عضوات لكِ
أحب أن أطرح عليكم مشكلة لاتتعلق بي ولكن ؟؟
بوالدتي الغالية وزوجة عمــــــي !
في عيد الفطر كان عندنا الفطور العائلي,
أمي كلمت عماتي عن جدي قبل وفاته (رحمة الله عليه)
المهم زوجة عمي زعلت وانقهرت من أمي لأنهم مايزورون جدي إلا ناااااااااادر جدا.
وأمي نصحتهم بالزيارة لا أكــــــــــــــــــــثر !
المشكلة أن زوجة عمي لها بنات في عمري
ومرره متعلقين في بعض قبل المشكلة لكن بعدها
بدأ الجفاء والبعد عن بعضنا
فترةطويلة ما نزور بعضنا ولا نكلم بعضنا
وأنا أحبهم!
ماذا أفعل؟؟
وبماذا تفيدوني؟؟؟
بشيء من الألم،
جلس يروي الحكاية:
"كانت علاقتي بأرحامي تسير على أحسن وجه،
وذات يوم اختلفنا على الميراث، وقاطعت أختي الوحيدة رغم حبي الشديد لها،
وكانت ترسل في طلبي لأراها،
وكنت أرفض إلى جانب منعي إياها وأبنائها من دخول منزلي".
ويتنهد طويلا قبل أن يتابع :
"وبعد خمسة أعوام مرت كالسحاب،
جاء خبر وفاتها إثر حادث مروري.
ولكن هل ينفع البكاء أو يجدي العويل؟".
بحسرة شديدة يحكى لنا:
أعاني من قسوة قلوب أقاربي، وخاصة دار عمي.
إذ يتصرفون معنا وكأننا أعداء لهم،
ويحاولون التفريق بيننا وبين والدنا باختلاق الأكاذيب، وتفسير بعض الأمور على هواهم.
كما يقوم عمي دائما بتحريض والدي علينا،
وأنا أريد مقاطعتهم..
ما رأيكم؟؟؟
وهنا أقول لكل الإخوة والأخوات فيما سبق:
الله عز وجل سبحانه وتعالى العَالِم و العليم بذات الصدور والمطلع على ما تخفي النفوس والضمائر.
و يعلم ما تعانيه النفس من مجاهدة وضيق , من إساءة مَن تحسن إليه.
فعليكم بإتباع قول الله تعالى:
{ وَلا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ * وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ}.
وإليكم أخواتي بعض النماذج المشرقة لمن يصل رحمه
يقول أخ فاضل:
"أختلق الوقت لأزور أخواتي وعماتي وخالاتي وكل أرحامي.
وما أجمله من شعور عندما تتيقن بأنك تقوم بواجب يقربك من الله عز وجل،
وأنه سيرضيك في الدنيا والآخرة.
كما أنها تجلب البركة في العمر وفي المال،
وعلى المسلم أن يحرص ما استطاع إلى ذلك سبيلا".
وأشير أيضاً إلى أن لصلة الرحم مفعولها السحري في نشر الحب والتآلف والإخاء في قلوب الناس ,
وبين أفراد المجتمع،
وهذا ما لمسته في حياتي الشخصية.
وتلك فتاة تحكى :
إنفصل والدايا ,وذهبت للعيش مع أمي وقطعت كل علاقتي بأهل والدي ,
لا أزور عماتي ولا أعمامي ولا حتى أولادهم المهم كنت منقطعة عنهم تماما .
ودائماً ما أقول لنفسي طالما لا يسأل عني أحد فلماذا أذهب أنا للسؤال عنهم ؟؟
بقيت على هذا الحال حوالي 6 سنوات وفي تلك المدة كلها
كنت أعيش من ضائقة إلى أخرى,
وأي باب اسلكه في حياتي أجده موصدا ,
ولم أدرك أن لهذا صلة بقطع رحمي,
حتى أتى اليوم الذي سمعت فيه محاضرة للأستاذ عمر خالد !!
وسمعت حديثه وهو يصف كيف أن شجرة الرحم تعلقت بعرش الرحمن ,
وكيف أن الله جل جلاله قال لها أينصفك أن أصل من وصلك وأن أقطع من قطعك ؟؟
لا أخفيكم سرا كانت تلك هي المرة الأولى التي
أسمع فيها هذا الحديث الذي زلزل كل تفكيري وجعلني أسأل نفسي!!
يعني أنا مقطوعة من رحمة الله فلا صلاة تقبل لي ولا صيام ولا صدقة ؟؟
ومن أنا في هذه الدنيا حتى استغني عن رحمة ربي !
هل فقط لأرضي غروري لا أزور أهلي ؟؟؟
فذهبت إلى كل أفراد أسرتي القريب منهم والبعيد,
وفي كل بيت أدخله كنت أقول لنفسي:
هاأنذا أصلك يارب فهل تصلني ؟؟
هل تقبل يارب ؟
والحمد لله منذ ذلك اليوم تغير مجرى حياتي
وأصبحت أشعر أني قريبة من الله عز وجل ,
أدعوه وأنا موقنة بالإجابة,
الحمد الله الذي هداني لهذا وما كنت لأهتدي لولا أن هداني الله .
أخواتي وأحبتي :
إن الصلة تضيء العلاقات الاجتماعية بين الأرحام,
مهما كانت الخلافات والمشاكل.
ولنحذر جميعاً من التراكمات، وعلينا بالعلاج أولا فأول ,
لأن علاج الأمور في بدايتها أيسر بكثير من تركها حتى تتجذر وتترك رواسب يصعب تجاوزها ونسيانها.
ولنعلم معاً أنه بصلة الأرحام تترابط الأسر ويتحد المجتمع المسلم ,
ويتعاون على البر والخير ويصبح كالعروة الوثقى سعياً للتعمير والإصلاح في الأرض.
و أنه يجب أن نبدأ برحمنا دائماً وندعوهم إلى الخير والقرب من الله ,
فالأقربون أولى بالمعروف,
و أن نبدأ بأنفسنا ولا ننتظر حتى يأتي من يبدأ لنا صلة رحمنا حتى لا نضيع فريضة أمر بها الله.
قال تعالى:
{وَالَّذِينَ يَصِلُونَ مَا أَمَرَ اللّهُ بِهِ أَن يُوصَلَ وَيَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ وَيَخَافُونَ سُوءَ الحِسَابِ} (الرعد: 21).
ولنقدم حسن الظن دائما، ونلتمس الأعذار فيما يبلغنا عن الآخرين،
ولا نعطي للشيطان فرصة لتغيير قلوبنا تجاه أحد،
ولنعلم أن حسن الظن من الإيمان،
لنصل إلى صفاء القلوب وسلامة الصدور .
ونضع دائما نصب أعيننا ثواب صلة الرحم وفضلها الدنيوي والأخروي,
حتى إذا حاول الشيطان التسلل يجد أمامه حائط صد قوى ومتين .
و علينا دائما أن نجدد النية والإخلاص لله تعالى دون أن ننتظر المقابل.
وليكن هدفنا هو مرضاة الله سبحانه وتعالى وطاعته كما أمر.
أسأل الله العظيم أن يطهر قلوبنا جميعاً من الحقد والغل والرياء ،
وأن يجمعنا في جنته إخواناً متحابين على سرر متقابلين
وأن يظلنا بظله يوم لا ظل إلا ظله.
وأن يعيننا على طاعته، وأن يصرف عنا معصيته،
وأن يهدينا إلى الخير،
وأن يصرف عنا شياطين الإنس والجن
وأن يتقبل منا جميعاً أقوالنا وأعمالنا،
وأن يجعلها خالصة لوجهه الكريم،
وألا يجعل فيها لمخلوق حظاً,
اللهم آمين
الروابط المفضلة