كان الرجل -في الماضي -
عندما يسافر,
يفارق عائلته وهو مطمئن البال,
لوجود من يرعى شؤونهم,
ويقضي حاجاتهم,
في وقت كان فيه الجيران أهلا..
حيث كان صلاح الدار,
والاستقرار فيها مربوطا بصلاح الجار,
فــ(الجار قبل الدار).
وعندما يغادر الرجل ,
داره مرغما,
يقول (بعت جاري ما بعت داري ).
هذا العلاقة الطيبة,
تلاشت تقريبا,
فلم يعد الجار مقدما على الدار,
حتى وصل الأمر,
ان الأسرة تسكن بيتها الجديد,
وتجلس فيه السنتين,
والثلاث سنوات,
ثم ترحل,
وهي لا تعرف شيئا عن جيرانها,
ولا حتى أسمائهم.
قد يرجع البعض ذلك,
إلى اتساع مساحة العمران,
فبعد أن كان الشخص,
يسكن في بيت مساحته,
لا تتعدى (الأربع غرف أو أقل),
أصبح يسكن في فيلا كبيرة,
مترامية الأطراف..
لكن الأمر أيضا يشمل,
سكان المجمعات السكنية ,
حيث تضم العمارة,
أكثر من ثلاثين شقة,
يجمعهم مدخل واحد,
ومصعد واحد ,
ومن ضيق المساحات,
يتهيأ للساكن أن جيرانه يسكنون معه,
لاختلاط صوته وأبنائه,
مع أصوات الجيران ..
ويحسب أن طارق بيت الجيران يطرق بابه .
بالرغم من ذلك ,
نجد كل في حاله,
وقد تقتصر العلاقة,
على تبادل التحية,
_بالإيماء بالرأس_
عندما يلتقى الجار بجاره,
أمام المصعد..
حتى أن البعض عندما,
يهم بالخروج من بيته,
ويرى جاره متوجها نحو المصعد,
ينتظر خلف بابه حتى يذهب جاره,
تحاشيا لتبادل عبارات,
السلام والسؤال عن الحال.
هذه القطيعة بين الجيران,
تعود لكثير من الأسباب,
منها على سبيل المثال:
- جهل الكثير من الناس,
بحقوق الجار العظيمة,
والذي دلت عليها الآيات القرآنية,
والأحاديث النبوية,
فنجد القطيعة الشديدة,
بين الجيران..
وقد يصل الأمر بإلحاق الأذى بالجار,
لدرجة أن لا يأمن الجار,
على نفسه وبيته من جاره.
- قد يكون الجار من أصحاب,
المناصب العليا,
فيتحاشى الاختلاط بجيرانه,
تحاشيا لمنع إحراجه,
بطلبات الجيران,
وهذا بالفعل ما ذكرته لي,
أحد زميلاتي,
حيث تقول : (زوجي يشغل منصب هام,
وله علاقات كثيرة مع أناس,
ذوي مراكز عليا,
وهذا الأمر اثر على حياتنا الإجتماعية,
فهو قليل الاختلاط ,
بالناس العاديين,
ودائما يحيط نفسه,
بسياج من الرسمية,
مع كل من يقابله من الجيران,
خوفا من أن يستغله الجيران في الوساطات ).
-التخوف من الجار,
نتيجة وجود انطباع خاطيء,
لدى الأسرة,
بأن العلاقة مع الجيران,
لا يأتي منها سوى المشاكل,
ودمار البيوت..
(بالرغم من أن هذا ليس صحيحا بالضرورة,
فالإنسان العادي يستطيع بفراسته,
أن يميز الشخص الجيد من السيء).
-ظروف العصر الذي نعيشه,
(عصر السرعة)..
حيث الزوج و الزوجة ,
يعملان طوال النهار,
ويقومون على رعاية شؤون,
البيت والأبناء في المساء..
بالإضافة لوجود وسائل التقنية الحديثة,
من انترنت وقنوات فضائية,
والألعاب الإكترونية (بلاي ستيشن),
وغيرها من الملهيات.
-بعض الناس لا تكون لديه,
الشجاعة الكافية,
ليستلم زمام المبادرة,
في التعارف مع الجيران,
-على الرغم من رغبته بالتواصل مع جاره-
وينتظر من الجار أن يبدأ بالمبادرة,
وهذا ما حصل معي شخصيا,
في بداية زواجي,
حيث سكنت في عمارة سكنية,
مكونة من أربع طوابق,
في كل طابق شقتين سكنيتين,
جلست ثلاث شهور,
لم يطرق باب بيتي أحد من الجيران..
حتى جارتي التي بابها,
مقابل لباب بيتي,
عندما ألاقيها صدفة,
وأنا خارجة من منزلي,
تضع عينيها على طريقها,
وتسير - كأنها لم تر أحد - !!
مما ترك لدي إحساس,
بأنها من النوع الذي,
لا يحب التعامل مع الجيران,
إلا أني ذات يوم قلت لنفسي,
لما لا أبادر أنا بالتعارف,
فربما هي من النوع الخجول,
وفعلا قمت بوضع تشكيله
من الحلويات الموجودة لدي,
بسلة أنيقة,
وعندما سمعت صوت طفلها,
يلعب أما بيتهم,
أخذت سلتي وأعطيته إياها,
وفعلا لم يمض عشر دقائق,
إلا وهي تطرق بابي,
وتشكرني على هديتي,
وتدعوني لزيارتها,
فاعتذرت لها,
لأني كنت مشغولة ذلك الوقت,
وفي الغد جددت دعوتها,
والآن هي من أعز صديقاتي,
بالرغم من أني غيرت,
مقر سكني بعد ذلك بأربع شهور..
وفهمت منها فيما بعد,
أنها كانت تتشوق رغبتة,
في التعرف علي,
لكنها خشيت ان أقابلها بجفاء.
بالرغم من ذلك توجد نماذج,
أكثر من رائعة لحسن الجيرة,
والتي تستمرت لسنين طويلة,
حافلة بالمودة والعطاء والتكافل,
والتراحم بين الجيران,
وإن كانت -في أغلبها -
ليست كما في السابق,
(نظرا لمتطلبات الحياة هذه الأيام)
إلا أن المودة والتواصل يظلا موجودان.
لكي نبني جسور متينة ,
من التواصل والمودة,
هناك أمور قد نغفل عنها,
أو نهمشها لكنها في غاية الأهمية,
في تعاملنا مع الجار منها :
-الحرص على السؤال عن الجيران,
ووصلهم وزيارة مريضهم,
وتفقد فقرائهم وإعانتهم,
ومناصحتهم عند رؤية,
أي منكر عليهم,
والاستمرار على ذلك,
حتى لو كانوا كفار.
-عدم إزعاجهم برفع,
صوت جهازي التلفاز والمذياع,
وحث الأولاد على,
خفض أصواتهم,
أيضا عدم تحريك الأثاث الثقيل,
خاصة في أوقات الراحة,
كوقت الظهيرة وآخر المساء.
- (تهادوا تحابوا)فالهدية,
-بقيمتها المعنوية-
لها أثر عظيم في صفاء القلوب,
وتقوية روابط المحبة بين,
الناس مهما اختلفت طبائعهم.
-عند حدوث مشكلة بينك,
وبين جيرانك,
ثحدثي معهم وحاولي حلها,
مباشرة بينك وبينهم,
بدون إدخال وساطات,
- قد تزيد الطين بلة - .
-بعض الناس يتعب نفسه,
ويضايق جيرانه,
بتدخلاته وأسئلته المزعجة:
من أتاكم اليوم ؟!!
ماذا اشتريتم من السوق؟!!!
لماذا تأخر اليوم زوجك,
على غير العادة؟!!!!
لماذا ارتفع صوتك عندما,
بكت ابنتك , ما الشكلة ؟!!!!!
والقائمة تطول..
أعتقد أننا كلنا مررنا,
بمثل هذه الشخصية
_مرة واحدة في حياتنا على الأقل_
ونعرف شعورنا تجاهه..
فما بالك عندما يكون,
هذا الفضولي جارك,
وهو الذي لا يترك شاردة,
ولا واردة إلا يسأل عنها..
أعتقد أن الوضع سيكون لا يطاق
(أحد أقاربي باعوا بيتهم,
الذي الذي انتظروه,
عدة سنوات,
ووضعوا الريال فوق الريال,
حتى استطاعوا إكمال بنائه,
والسبب جارهم الفضولي,
الذي أقض مضاجعهم,
بتدخلاته وتطفله عليهم,
وكأنه يسكن معهم ).
عزيزتي وغاليتي,
فالنبادر معا من هذه اللحظة,
وفي هذه الأيام المباركة,
إلى تفقد أحوالنا مع جيراننا,
ومد جسور التواصل,
مع من قطعناه..
والإعتذار إلى,
من أخطانا بحقه,
- بقصد أو بدون قصد _
والعفو والغفران,
عمن أسائوا إلينا منهم,
إحتسابا وطلبا للأجر والمثوبة من الله عز وجل.
قال الله تعالى: (وَاِعبِدوا اللَهَ وَلا تُشرِكوا بِهِ شَيئاً وَبِالوالِدَينِ إِحساناً وَبِذي القُربى وَاليَتامى وَالمَساكين وَالجارُ ذي القُربى وَالجارُ الجَنِب)
الروابط المفضلة