جميعنا نفرح ونسعد حينما نتلقى كلمات أو جملا من المدح ، وبالمقابل نرفض النقد بجميع مشتقاته ؛ لأنه حينما يوجه إلينا تدخل أنفسنا في دوامة من الأحاسيس المختلفة ، فنتيه داخلها وينتهي بنا الأمر إلى الشعور بالألم.
والناس في الحقيقة أنواع وأشكال في تفاعلهم مع النقد:
* ففريق يدافع عن نفسه كيفما كان النقد الموجه إليه، لأنه يسعى فقط إلى تبرير مواقفه وتبرئة نفسه.
* وفريق يصدق بسرعة أي انتقاد موجه إليه ، بل ويلوم نفسه ، وقد يفقد الثقة بها.
* وفريق يميل إلى الغضب ويحتج وتفور أعصابه ويتحول إلى مهاجم ومنتقد في الوقت نفسه.
وفريق وفريق وفريق...
فكيف نتعامل مع انتقادات الغير لنا ؟؟؟؟
1 لنتذكر ولنضع نصب أعيننا أن انتقاد الآخرين لنا ليس هو الذي يشعرنا بالألم ، وإنما ما نفكر فيه ونعتقده حول هذا الانتقاد هو السبب في الشعور بالألم والضيق ، ولربما يكون السبب أننا نكره أن تظهر عيوبنا أمام الآخرين وتنكشف لهم.
2 أن نتوقع ما يحتمل أن ننتقد بسببه.
3 أن نتصرف بهدوء ، ولا نسمح للنقد بأن يؤثر فينا ، ونراقب كيف نتعامل معه.
4 يجب أن نتدرب على مهارة أساسية وهي: قبول ذواتنا والثقة بأنفسنا ، مهما كان رأي الناس يجب أن نبقي أنفسنا عزيزة، ونكن لها كل التقدير والحب، وإلا سنفقد الثقة بها ونحتقرها.
5 أن نفكر بإيجابية ، لأن النقد ربما يكون مفيدا لنا.
6 أن ننصت بتركيز ، لنظهر اهتمامنا وتفهمنا للمنتقد، ونستطيع حقا أن نفهم ما يقصده من دون أن نقاطعه أو نشوش أو نشوه نقده.
7 ألا نتسرع في الرد والدفاع عن أنفسنا ، بل يجب أن نتفهم دوافع المنتقد ، ونطلب منه توضيح ما يبدو غير واضح ، حتى نستطيع إيجاد جواب للسؤال التالي:
لماذا ينتقدنا؟؟
وهل انتقاده في محله؟
وما الذي يمكن أن أفعله حتى أصحح ما أخطأت فيه ؟؟
وحينما نجد الجواب نستطيع حينها التصرف بعقلانية.
فإن كان حقا ينتقدنا لحبه لنا ورغبته في تسليط الضوء على أخطائنا لنتجاوزها ونطور أنفسنا، فهنا يجب أن يكون رد فعلنا مناسبا. فنقول له مثلا :
" نقدك أزعجنا حقا ولكنه في الحقيقة أفادنا وأوضح وبين ما كنا نجهله فينا"
ولنتذكر هنا قول سيدنا عمر بن الخطاب رضي الله عنه:
( رحم الله من أهدانا عيوبنا)
وبالتالي نحاول أن نضع خطة عمل لتغيير وتصحيح أخطائنا . وبين الفينة والأخرى نواجه ذواتنا بهذه الأخطاء ونهذبها ونصحح مسارها ، ولن يتحقق لنا ذلك إلا بعد أن نزيل الغرور الذي ينجم عن اعتدادنا بذواتنا والثقة الزائدة بها.
أما إن كان ينتقد ظلما ليتكبر علينا، فلنتذكر أن النقد الظالم هو في الحقيقة مدح مبطن. فالحجارة لا ترمى إلا على الشجرة المثمرة. فالمنتقد في هذه الحالة كأنه يقول لنا بطريقة غير مباشرة
:"أنتم أشخاص مهمون وناجحون وأنا أقل منكم شأنا وانتقادي لكم ليس إلا لأشعر نفسي بأهميتها حين أنتقد من هم أفضل وأنجح منها"
وهنا يمكن أن نرد عليه ونقول:
" يمكن أن يكون نقدك مفيدا ولكننا لا نتفق معه، لذا سنفكر فيه جيدا "
وإذا زاد المنتقد وبالغ في انتقاداته ، يمكن أن نستخدم معه في هذه الحالة أسلوب التشويش.
إذ لا يوجد قانون يحمينا من الانتقاد اللاذع ، ولا نملك إلا أن نعرف كيف نتعامل مع أي منتقد وبحكمة. لأن المثل يقول:
( لا أحد يستطيع أن يؤذيك دون رضاك)
لنقلب الآن الدفة ونطرح هذا السؤال:
كيف نوجه نحن انتقاداتنا للغير؟؟
1 فلتكن نيتنا حين انتقاد الغير هي تنبيهه إلى أخطائه لإصلاحها وتطوير ذاته. وليس التقليل من شأنه أو السخرية منه.
2 أن نختار الوقت والمكان المناسبين لنا وللآخر.
3 أن ننتقد بهدوء ورزانة ، فلا نتصرف كالأطفال فيكون همنا تضخيم ذواتنا وتصغير الآخر ، ولا حتى كالآباء المنتقدين الذين يتصرفون بسلطة من يخاطب من أعلى إلى أسفل، وإنما ننتقد بأخوية وحب.
4 أن ننتقد بدقة فلا يكون كلامنا عاما. مثلا نقول:
" مر أسبوع وأنت لاتقوم بواجباتك" ولا نقول له :
" أنت لا تقوم بواجباتك أبدا" بل حتى حين ننتقده يجب أن ننتقد سلوكا أو موضوعا محددا،وليس أن نتهم الشخص ككل.
5 قبل انتقاد الشخص من الأفضل أن نعترف بإيجابياته أولا ، ليفهم أننا نريد إصلاح خطئه وليس تشويه شخصه.
6 لا يجب أن نصنف هذا الشخص أو نضعه في قالب من القوالب لأن الناس أكثر تعقيدا من أن ندرجهم أو أن نصنفهم تصنيفا دقيقا.
7 أن نكون واقعيين فيما نطلبه منه ، ونحدد له العواقب ليرى نتائج عمله وما يحتمل أن يخسره.
8 يجب أن نتقمص موقف هذا الشخص قبل أن ننتقده ، فقد يكون تصرفه نابعا من دافع نجهله ، وبالتالي يكون نقدنا في غير محله.
وقبل كل هذا وذاك يجب أن نفتح بصرنا وبصيرتنا لنتأكد مما ننتقده قبل التسرع فنكون نحن المخطئين ونحن من يحتاج إلى النقد.
وهذه القصة خير دليل:
اكترى زوجان شقة غير شقتهما الأولى، وفي صباح اليوم الموالي وبينما كانا يتناولان إفطارهما لمحت الزوجة غسيل جارتها المنشور من وراء زجاج الشرفة فقالت:
* يا لهذا الغسيل المتسخ ، هذا الجارة لا تعرف كيف تنظف الملابس ، او ربما تستعمل مسحوق تنظيف سيء... سأنصحها بمسحوقي حينما أتعرف عليها.
راقب زوجها المشهد في صمت..
وفي كل يوم تنشف فيه الجارة غسيلها في الشرفة كانت هذه الزوجة تردد التعليقات نفسها.
وبعد شهر..
فوجئت الزوجة بغسيل جارتها نظيفا جدا، وقالت لزوجها:
* انظر لقد تعلمت جارتنا كيف تنظف غسيلها ، وربما سبقتني إحدى الجارات ونصحتها بتغيير المسحوق...
فقاطعا الزوج قائلا :
* لا أظن ، فبعد أن صليت صلاة الفجر خاصمني النوم، فقمت وشغلت نفسي بتنظيف زجاج نوافذ بيتنا المتسخة !!!!!
وهكذا الحياة
كل شيء تابع لنظافة زجاج بيوتنا وحتى أعيننا ، التي من خلالها نبصر العالم. فإن كان الزجاج متسخا بدا لنا كل ما في الخارج كذلك.
فقبل النقد واتهام الآخرين لا بد أن نتأكد من جودة بصرنا وتبصرنا وحينها سنرى الأمور بوضوح
أختكم التي تحبكم في الله
نورس المغرب
الروابط المفضلة