فيا أيها المسلمون :
لا يستجرينَّكُم الشيطان ، ولا يخدعنَّكم أتباعه وأتباع عابديه ، فتستخفوا بهذه الفاحشة التي يريدون أن يُذيعوها فيكم ، وبهذا الكفر الصريح الذي يريدون أن يوقعوكم فيه ، فليست المسألة مسألة تقييد مباح أو منعه ؛ كما يريدون أن يوهموكم ، وإنّما هي مسألة في صميم العقيدة : أتُصرُّون على إسلامكم ، وعلى التشريع الذي أنزله الله إليكم ، وأمركم بطاعته في شأنكم كله ؟ أم تعرضون عنهما - والعياذ بالله - ؛ فتتردَّوْا في حَمَأَة الكفر ، وتتعرضوا لسخط الله ورسوله ؟
هذا هو الأمر على حقيقته !
إنّ هؤلاء القوم - الذين يدعونكم إلى منع تعدد الزوجات - لا يتورَّع أكثرهم عن اتخاذ العدد الجم من العشيقات والأخدان ، وأمرهم معروف مشهور ، بل إن بعضهم لا يستحي من إذاعة مباذله وقاذوراته في الصحف والكتب ، ثمّ يرفع علم الاجتهاد في الشريعة والدين ، ويزري بالإسلام والمسلمين .
إنّ الله حين أحلَّ تعدد الزوجات - بالنص الصريح في القرآن - أحلّه في شريعته الباقية على الدهر ، في كل زمان وكل عصر ، وهو – سبحانه - يعلم ما كان وما سيكون ، فلم يعزُب عن علمه - عزَّ وجل - ما وقع من الأحداث في هذا العصر ، ولا ما سيقع فيما يكون من العصور القادمة ، ولو كان هذا الحكم مما يتغيّر بتغيُّر الزمان - كما يزعم الملحدون الهدّامون - لنصَّ على ذلك في كتابه أو في سنة رسوله : { قُلْ أَتُعَلِّمُونَ اللَّهَ بِدِينِكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ } [ الحجرات : 16 ] .
والإسلام بريءٌ من الرهبانيّة ، وبريءٌ من الكهنوت ، فلا يملك أحد أن ينسخ حكماً أحكمه الله في كتابه أو في سنة رسوله ، ولا يملك أحد أن يحرّم شيئاً أحلَّه الله ، ولا أن يُحلَّ شيئاً حرَّمه الله ، لا يملك ذلك خليفة ولا ملك ، ولا أمير ولا وزير ، بل لا يملك ذلك جمهور الأمّة ، سواء بإجماع ، أم بأكثريّة ، الواجب عليهم جميعاً الخضوع لحكم الله ، والسمع والطاعة .
اسمعوا قول الله : { وَلاَ تَقُولُواْ لِمَا تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ الْكَذِبَ هَـذَا حَلاَلٌ وَهَـذَا حَرَامٌ لِّتَفْتَرُواْ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ إِنَّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ لاَ يُفْلِحُونَ مَتَاعٌ قَلِيلٌ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ }[ النحل : 116- 117 ] ، وقوله -سبحانه-: { قُلْ أَرَأَيْتُمْ مَّا أَنزَلَ اللَّهُ لَكُمْ مِّن رِّزْقٍ فَجَعَلْتُمْ مِّنْهُ حَرَاماً وَحَلاَلاً قُلْ ءَاللَّهُ أَذِنَ لَكُمْ أَمْ عَلَى اللَّهِ تَفْتَرُونَ } . [ يونس : 59 ] .
ألا فلْتعلمُنَّ أن كل من حاول تحريم تعدد الزوجات ، أو منعه ، أو تقييده بقيود لم ترد في الكتاب ولا في السنّة ، فإنّما يفتري على الله الكذب .
ألا فلْتعلمُنَّ أن ( كل امرئ حسيب نفسه ) ، فينظر امرؤ لنفسه أنَّى يصدر وأنَّى يرد ، وقد أبلغتُ .
والحمد لله ربِّ العالمين ( 1 ) .
ــــــــــــــــــــ(1) ( عمدة التفسير ) ( 1 / 458 - 461 ) .
الروابط المفضلة