لماذا يهمل الآباء مسألة المشاعر خاصة حين يكبر أبناؤهم؟".
كثير من الآباء لا يدركون احتياجات أبنائهم، وقد لا يشعرون أنهم أصبحوا أكبر سنا وأكثر احتياجا، وأن احتياجاتهم هذه أصبحت تأخذ أشكالا أخرى كثيرة غير الأكل والشرب.
وكثيرمن الآباء لا يدركون احتياجهم هم لأبنائهم.. قد يدركونه حين يكبرون قليلا ويكبر أبناؤهم معهم ويصبح لهم انشغالاتهم الخاصة، وحينها قد لا يعرف الآباء كيف يعبرون بدورهم عن احتياجهم لأبنائهم.
يمكنك ان تستشعر طيبة والدك وحبه لكم، وجميل تفهمك لانشغاله بالعمل والسفر المستمر، تأكد أن لغيابه عنكم أثرًا عليه؛ فهو يعود إليكم وقد أنهكه السفر، ثق في أنه حين يغيب عنكم يشتاق لكم ويحن لسرعة العودة إلى الجلوس بينكم -وإن كان صامتا- إلا أنه بالتأكيد يأنس بصحبتكم، وبوجودكم حوله.
ولا نتهم الاب بانه يهمل مسألة المشاعر، ربما فقط هو لا يعرف كيف يعبر لك عنها.. ربمايرى أن وسيلة تعبيره عن اهتمامه وحبه هي الانخراط في العمل لأجل توفير احتياجاتكم، وربما يرى أن الأنسب لكم ألا يثقل عليهم بهمومه وأعبائه وانشغالاته فيفضل أن يبقى صامتا غارقا في أفكاره وحده حبا فيكم ورحمة بكم.
مهم أيضا أن تعرف أن الناس يختلفون في أساليب التعبير عن أنفسهم ومشاعرهم؛ فمنهم من يعبر عن نفسه بالقول، ومنهم من تخونه الكلمات فيكون تعبيره بالفعل، ومنهم من لا يعرف كيف يعبر أصلا فتجده صامتا.. وقطعا يختلف الآباء عن الأمهات في هذا.
من الطبيعي أن تكون أقرب لوالدتك في فترة من الفترات، وذلك لأنها هي الأكثر تواجدا معكم ومشاركة لكم في تفاصيل حياتكم اليومية: الدراسة، واللعب، والأكل، والشرب، والنوم... ليس لشيء إلا لاستقرارها غالبا في البيت بخلاف الأب كثير السفر والانشغال.. وهذا شيء طبيعي.
لكن دعني أسألك: ماذا فعلت أنت -قبل أن تسألنا- لتكسبأباك؟
أصبحت كبيرا أي أنك أصبحت أكثر خبرة وعلما واطلاعا وثقافة من ذي قبل.
هل حاولت أن تقتحم صمت والدك وهو جالس بينكم؟
هل حاولت أن تعرف اهتماماته وما يحب فتقرأ عنه وتعرف عنه المزيد حتى تتمكن من فتح مجالات للحديث بينكما؟ "يمكنك الاستعانة بوالدتك لتعرف شيئا من هذا".
هل حاولت أن تعرف تفاصيل عمله وما يشغله وتبحث عن الجديد فيه وتتحدث معه في الأمر؟
هل طلبت منه بشكل مباشر أن يساعدك في حل مشكلة تواجهك أو مناقشة موضوع يشغلك أو أخذ رأيه في شيء خاص بك؟
هل أشعرته باهتمامك به وعبرت له عن حبك قبل أن تطالبه بذلك؟
هل أوصلت له احتياجك إليه وحرصك على وجود صداقة بينكما؟
هل حاولت التقرب منه كما تفعل مع صديق جديد أو زميللك في المدرسة أو الجامعة؟
ربما فعلت -أنا لا أعرف- ولكن ربما لم تفعل، ولهذا لن يصله أبدا أن هناك من يحتاج إلى قلبه المليء بالحنان، لن يعرف أنك كبرت وأصبح احتياجك له أكبر وأقوى.
مثقل هو بالأعباء والهموم والمسئوليات؛ فلا تعرض عنه فتثقل عليه أكثر، اصبر وصاحبه في الدنيا معروفا وأحسن إليهما كما ربياك صغيرا، ولا تنس أن في طاعتهما وبرهما طريق لدخول الجنة، فقد قال رسول الله في صحيح مسلم عن أبي هريرة: "رَغِمَ أَنْفُ ثُمَّ رَغِمَ أَنْفُ ثُمَّ رَغِمَ أَنْفُ قِيلَ مَنْ يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ مَنْ أَدْرَكَ أَبَوَيْهِ عِنْدَ الْكِبَرِ أَحَدَهُمَا أَوْ كِلَيْهِمَا فَلَمْ يَدْخُلْ الْجَنَّةَ"..
اسع لبر أبيك واصبر عليه فقد أوصاك الله به إحسانا، وقال رسوله في ذلك: «رضا الله في رضا الوالد، وسخط الله في سخط الوالد».
اسأل عنه وتقرب إليه، وشاركه وأظهر له اهتمامك، واستقبله بابتسامة حين يرجع فسوف تخفف عنه، اصبر على اعتراضه على صوت التليفزيون، وتحمل جلوسه صامتا قبل خلوده إلى النوم، واحمد الله على أنك تراه وأنه جالس بينكم؛ فهذه من النعم التي لا نشعر بها إلا إذا فقدناها.
ثق أن مبادرتك ستسعد والدك.. ستسعده الآن باهتمامك وحبك، وستسعده مستقبلا بصحبتك ووجودك إلى جواره حين يشعر أنه كبر وأنه ما زال هناك سند له، ومن يمكنه الاعتماد عليه.
منقول للفائده
الروابط المفضلة