فتيات ...... "نار" العنوسة ولا "جنة" الزوجة الثانية
ريم سليمان– دعاء بهاء الدين- سبق– جدة: أكملت عامها الثلاثين وبدأ القلق يسود الأسرة بأكملها، إلا أنها مازالت ترفض أن تصبح زوجة ثانية أو رقماً في حياة الرجل، باحثة عن المستقبل المرموق والمستوى التعليمي الذي يعد خير حماية لها من غدر الزمن، دون النظر إلى الظروف الاجتماعية ونظرة المجتمع للفتاة "العانس"، فلم يبقى وجود الرجل هو الحصن الحصين لكل فتاة، رافضة عبارة "ظل رجل ولا ظل حيطة".
ويظل "شبح العنوسة" هاجساً موجوداً في كل منزل، ومازال السؤال الذي يدور في الأذهان متى ستتزوج البنت؟!
مستقبل مرموق
في البداية قالت مرام لـ"سبق" تقدم شاب لخطبتي يكبرني بخمس سنوات، مبينة صفاته الحسنة، وقالت: أثنى أقاربي على صفات هذا الشاب وتدينه ومستقبله المرموق، وأبدت دهشتها لمعرفة أنه متزوج، وقالت: لن أتزوج نهائياً من رجل متزوج، ولن أكون زوجة ثانية مهما كانت ضغوط المجتمع.
وقالت: أنا طبيبة ينتظرني مستقبل مرموق، فلماذا أصبح مجرد امرأة في حياة زوج؟ مؤكدة رفضها أن تصبح مجرد رقم في حياة الزوج، وقالت: سأتزوج رجلاً أكون المرأة الأولى والأخيرة في حياته، ولن تجبرني الظروف مهما كانت على التضحية بأحلامي، مؤكدة أن مستواها الاجتماعي المرموق ومستواها العلمي الرفيع خير حماية لها من غدر الزمان، وليس الارتكان إلى زوج لمجرد أنه رجل هو ما يحقق لها الأمان.
ضغوط الأقارب
ورفضت زينب "تعليم متوسط" أن تصبح زوجة ثانية لأحد أقاربها، وقالت: قاومت ضغوط الأهل والأقارب في إجباري على الموافقة بهذا الرجل كي أهرب من شبح العنوسة، بيد أنها رفضت ذلك مبررة بقولها إنها لا تريد أن تهدم بيت الزوجة الأولى وتصبح السبب في إثارة المشكلات الأسرية.
وتابعت: بالرغم من أن العمر يمتد بي، فإنني لن أستسلم لضغوط الأهل والمجتمع، متمنية الزواج من رجل مناسب، وتكون هي زوجته الأولى، حتى تحقق السعادة التي تحلم بها منذ بداية شبابها.
لن أكون رقماً
بينما اشترطت "أسماء" (30 سنة) طلاق الرجل لزوجته الأولى حتى توافق على الزواج به، رافضة وجود امرأة أخرى في حياة زوجها، وقالت: لن أتخيل نفسي رقماً في حياة من أرتبط به، لافتة إلى أن الرجل خائن بطبعه، وربما يتزوج بعدها ثالثة ورابعة، وقالت: لن أضحي بحياتي ومستقبلي للهروب من شبح العنوسة، وفضلت أن تظل بدون زواج على الاقتران برجل متزوج.
هدف مشروع
رأت الأستاذ المساعد في علم الاجتماع الدكتورة نورا الصويان أن الزواج هدف مشروع لكل فتاة وحلم طبيعي لكل أنثى، لكن في ظل ارتفاع المستوى التعليمي للمرأة وزيادة الوعي والانفتاح على المجتمع بدأت تختلف معايير الزواج عند كل فتاة.
وأوضحت أن الفتاة التي حصلت على التعليم الجامعي وما بعده اختلفت نظرتها للزواج عن غيرها، حيث باتت ترفض الزواج من أي شخص، وترفض نهائياً أن تصير زوجة ثانية، كما أن الأسرة بمستواها الثقافي وانفتاحها ترفض أن تصبح ابنتها زوجة ثانية، وربما تشجع الفتاة على الدراسة والسفر وتحقيق الذات بالمقارنة بالأسرة ذات المستوى الأقل، التي تضغط على الفتاة للقبول بأي زوج من مبدأ "ظل راجل ولا ظل حيطة".
ونحت الصويان باللائمة على المجتمع الذي يصم الفتاة غير المتزوجة أو التي تأخر سن زواجها بالخلل، وكأنه خطأ اقترفته بعدم زواجها، حتى صار الهدف الذي تبحث عنه الفتاة في حياتها هو الزواج، رافضة فكرة أن الفتاة إذا وصلت لسن معين عليها أن تتنازل وتقبل حتى لا تصبح "عانساً"، وأكدت على دور المحيط الأسري في دعم الفتاة.
تحقيق الذات
وقالت: المرأة الآن اختلفت كثيراً وأصبح أمامها الكثير من تحقيق الذات والتطور حتى تصبح عضواً منتجاً داخل المجتمع، مؤكدة أن الزواج هدف لكل فتاة، ولكنه ليس نهاية المطاف، ولا يمكن أن يكون الهدف الوحيد في حياة كل بنت، وإلا فسوف تنتهي أحلامها عند الوصول له.
وأكدت أستاذة الاجتماع أنه من المهم جداً تغيير الصورة النمطية للفتاة في المناهج التعليمية، والتأكيد على أنها عضو منتج ومهم داخل المجتمع، كما أن المؤسسات المجتمعية لها دور مهم في تنمية المجتمع وتوعية الأسر بخطورة تنازل الفتاة لمجرد الزواج ليس إلا، كما أنه علينا أن ننظر ونعي جيداً نسب الطلاق المرعبة التي تجعلنا حذرين في اختيار شريك العمر، وختمت حديثها بالتأكيد على أن رفض الفتاة أن تصبح زوجة ثانية وبقاءها "عانساً" أفضل بكثير من كونها مطلقة.
عائق الحرية
من جهته رأى الاستشاري النفسي الدكتور فهد المنصور أنه بالرغم من أن كلمة "عانس" صعبة على الكثير من الفتيات، فإن البعض يرى أن الزواج عائق أمام الحرية، وهناك من تأخذها العزّة أن تُشارك امرأة أخرى في الرجل وتفضِّل العنوسة على أن تكون ضَّرة، حيث تلعب سمات شخصية الفتاة دوراً في ذلك.
وبدأ بتحليل الشخصية المتعالية التي ترى نفسها تستحق أفضل شاب في العالم، وترفض "الخُطّاب" لأنها تضع معايير خيالية لفارس أحلامها وتريده خالياً من العيوب وذا مواصفات عالية، حيث تقيس كل من يتقدم إليها على هذه المعايير، فترفض الرجل العزب، فما بالك بالمتزوج، فهذا يجرح نرجسيتها التي تجعلها تفضل العنوسة على كونها زوجة ثانية.
وأوضح أن هناك فتيات ذوات شخصية تجنبية منعزلة تخشى المواجهة والتفاعل مع الآخرين، وتخشى أي علاقة جديدة أو أي تغيير في حياتها، وتظهر لديها علامات القلق والتوتر مع أي قادم جديد، حيث تهاب مواقف الخطبة والزواج، ولذا ترفض تماماً تجربة أن تتشارك مع أخرى في زوج، حيث تشعر أن هذا يهدد استقرارها النفسي ويجبرها على الدخول في مقارنات تتخوف منها بشدة.
عدالة الرجال
وقال المنصور: لابد أن نشير إلى أن هناك فئة من الفتيات لديهن سوء ظن شديد بعدالة الرجال، خصوصاً مع امرأة ثانية، ولديهن تصور سلبي ناتج عن رسائل متكررة من أخريات أو على قصص سلبية سمعنها، فعممت التجربة، كما أن هناك قلة من الفتيات لا يستطعن العيش مع رجل، حيث يشعرن بحالة اكتفاء ذاتي ولا يُردن زوجاً، سواء كان عزباً أم لا.
وحول الآثار النفسية التي تعانيها الفتاة التي تأخرت عن الزواج، أجاب المنصور: تسبب العنوسة غالباً آثاراً نفسية سيئة، فقليلاً ما تجد فتاة تمر بهذه التجربة تتمتع بحياة نفسية مستقرة، إلا أن هناك من تحاول تعويض عنوستها بالانغماس في العمل أو في القيام بأعمال تطوعية أو في الإبداع الأدبي بأنواعه، واللجوء إلى الزهد في الرجال بلجوء بعضهن إلى "الاسترجال" عقاباً للمجتمع ككل على إهمالهن.
شبح العنوسة
وأوضح الاستشاري النفسي أن الفتاة "العانس" عادة ما تشعر بالوحدة بالرغم من كثرة الناس حولها، حيث تعاني من الغربة والإحساس بالدونية على الرغم من محاولاتها إنكار ذلك، كما يلعب الفراغ النفسي والحرمان العاطفي من الشريك ومن دفء الأسرة ومن الأمومة دوراً كبيراً في أن تكون الفتاة عرضة للقلق والاكتئاب، وربما يصل إلى الاضطرابات الجسدية بسبب الكبت النفسي والانفعالات.
وأكد في النهاية أن من فاتها قطار الزواج تحمل في داخلها خوفاً من المستقبل وإحساساً بعدم الأمان، خاصة حين تكبر في السن وتجد نفسها تعيش وحدها بعد وفاة الوالدين وانصراف باقي الإخوة والأخوات إلى حياتهم ومشاغلهم، وبالرغم من كل مشاعر الحرمان والآثار النفسية التي ذكرناها فإنه علينا أن نحترم اختيار الإنسان في زواجه أو عدمه، فلا تُرغم فتاة على زواج لا ترغب فيه لمجرد التخلص من شبح العنوسة.
تُجار "النساء"
وأبدى الكاتب محمد اليامي تحفظه على مصطلح "عانس" قائلاً: هي كلمة فضفاضة غير واضحة المعالم، وتخضع لمقاييس اجتماعية بناءً على أفكار خاطئة، تتعلق بعمر المرأة وحالتها الاجتماعية، معتبراً أنها كلمة يتم التركيز عليها من تجار "النساء"، وقال: هم أصحاب الزواج من جميع الماركات والأسماء وأصحاب النفوذ الاجتماعي المبني على ثقافة وجوب اتكاء المرأة على الرجل.. حتى لو كانت على حد قوله "أرجل منه".
وأرجع التركيز على هذا المصطلح لتكوين صورة ذهنية عنه تخيف الأسرة التي تضغط لتزويج الابنة كيفما اتفق أحياناً، ثم هي تخيف بعض البنات أو السيدات باعتباره لقباً اجتماعياً غير جذاب.
وبسؤاله عن سبب رفض بعض البنات الارتباط برجل متزوج وتفضيل البقاء دون شريك حياة أجاب اليامي: هناك أيضاً من يرفضن الزواج حتى من رجل غير متزوج، لانعدام القناعة بالرجل المتقدم، أو لانعدامها في المؤسسة الزوجية بشكلها الحالي القائم في المجتمع، أو لأكون دقيقاً القائم عند أغلب فئات المجتمع، لافتاً إلى إحدى مشاكل الزواج في السعودية، وقال: إن الفردين المرتبطين بهذه العلاقة يجدان أنفسهما مكبلين في أسرة، كل منهما بطريقة أو بأخرى، ثم في الأسرة الأكبر أو القبيلة، ثم في المجتمع الذي يضعهم تحت مجهر قاسٍ من النقد غير الهادف.
وتابع: أعتقد أن استقلالية المرأة المادية وزيادة فرص تعليمها ووعيها، جعلها تنظر للزواج كمشروع ارتباط عاطفي إنساني مقدس، أكثر من نظرتها السابقة المرتبطة بالحاجة إلى الرجل، أو الحاجة إلى الهروب من تشدد أسرة، أو نظرة مجتمع، رافضاً وصف المتزوج من ثانية بـ"الخائن"، وقال: من يتزوج علناً فهو ملتزم يختلف عن الهارب إلى "زواجات الظل"، موضحاً أن كثيراً من النساء يتفهمن حاجة بعض الرجال إلى الزواج الثاني "إذا كان فعلاً من الرجال"!
الروابط المفضلة