شعر المتنبى
.
.
.
لا خلاف عند أهل الأدب أنه لم ينبغ بعد المتنبي في الشعر من بلغ شأوه لأو داناه .. والمعري على بعد غوره وفرط ذكائه وتوقد خاطره وشدة تعمقه في المعاني والتصورات الفلسفيه يعترف بأبي الطيب المتنبيويقدمه على نفسه وغيره
ويقول الدكتور عائض القرني أنه أمبراطور الشعراء .. وكان قد لقب بزمانه بـ "مالئ الدنيا وشاغل الناس" .. فقد ملأ أفوه الناس شعرا وذكر كما ذكرنا سابقا من الشواهد ما يردده الحكام والعوام إلى يومنا هذا
وما يميز شعر المتنبي وضوحه وبساطته رغم إحتوائه للمعاني الجميلة والصور المذهله
وما ميز شعر المتنبي أيضا كونه محتويا بغالبه على أسلوب البيت الواحد .. وكون شعره قريب من صورة المثل .. فمن "إيجاز اللفظ" إلى "إصابة المعنى" إلى "حسن التشبيه"
وبهذا يقول الصاحب ابن عباد بعد أن أستخرج من أشعاره 371 بيتا سارت بالناس كأمثال فيقول في ذلك .. : "وهذا الشاعر مع تمييزه وبراعته، وتبريزه في صناعته، له في الأمثال خصوصا مذهب سبق به أمثاله، فأمليت ما صدر عن ديوانه من مثل رائع في فنه، بارع في معناه ولفظه، ليكون تذكرة في المجلس العالي، تلحظها العين العالية، وتعيها الآذان الواعية"
ولعل المتأمل لشعر المتنبي يلحظ بشكل عميق وحده البيت عنده وهذا الأمر سهل كثيرا بالأخذ عنه والإستشهاد به
وعن شهره المتنبي وخلوده كثرت الدراسات حيث أن الأيام لا تزيد تألقا كلما مرت .. وقد أورد علي أدهم تفسيرا لذلك ضمنه ثلاثه أمور جعلت لشعره قابلية الخلود والإستمرارية وهذه الأمور هي .. :
1- أنه أقوى الشعراء إنفعالا وعاطفه
2-أن حكمته صادقه معبره عن حقيقة الإنسان
3-أن أدبه ملتصق بالنفس الإنسانية معبر عن حالاتها وأحاسيسها راضية وغاضبه
تحدث مارتن نك عن شعر المتنبي فقال .. :
جموح الخيال والاستعارات الحالمة والمبالغات في الصور مما نجده في شعر المتنبي جعلت الكثيرين يصفونه بأنه المثال الأبرز لشعر المديح والفخر. ولنفهم أهمية المتنبي في الشعر العربي, علينا أن ننظر عن كثب لأنواع الشعر السائدة في عصره.
تنقسم الأشكال الشعرية السائدة حينها وفق القواعد التقليدية إلى شعر الغزل الذي يضم قصائد الحب والقطعة أو المقطوعة وهي نوع أدبي أصغر وأقل جدية يتحدث عن الجانب الهزلي من الحياة وهناك القصيدة وهي الأسلوب الذي اختاره المتنبي بأسلوبه التأكيدي الأكثر ذاتية، ولكن ببعض التعديل.
ولدت القصيدة الشعرية مع فجر المجتمع العربي قبل الإسلام. وتطورت لتصبح الشكل الأول للأدب العربي والذي كان أساساً شعراً يتحدث عن الشجاعة والإقدام تفخر به القبائل في بدايات العصور العربية. القصيدة في مضمونها تصف مراحل من حياة كاتبها وتجاربه أو حياة وتجارب قومه. وكان هذا الوصف يصاغ بأسلوب مفعم بالقوة والرصانة. بنية شعر القصيدة تتضمن ما بين عشرين وأكثر من مئة بيت. كما أن أسلوب القصيدة القائم على الالتزام بالبحر والقافية نفسيهما في كل الأبيات لا يزال سائداً حتى اليوم.
يبدأ الشاعر القصيدة بمقدمة هي بالضرورة أبيات غزل تعرف باسم النسيب. بعدها يأتي وصف الشاعر لتجربته التي يريد التحدث عنها. ثم ينتقل إلى الخاتمة التي تتضمن جزءاً يمدح فيه معطيه ويهجو أعداءه. وفي أحوال نادرة, يحس الشاعر بالحرية لينهي قصيدته بأبيات يفخر بها بنفسه وقد اعتاد المتنبي على فعل ذلك مراراً. وكانت القصيدة شديدة الجاذبية للعرب، وأصبحت تعتبر الشكل الشائع لشعر المديح, وهو عموماً نص شعري يمتدح فيه الشاعر زعيماً معيناً يرفع فيه من شأنه وخصاله.
وإلى جانب ذلك كانت القصيدة تكتب أيضاً للتعبير عن المواضيع الفكرية. إذ في سياق تطورها أصبحت المقدمة أحياناً تتحدث عن الطبيعة أو الحكمة. وفي أحيان نادرة كانت المقدمة تستخدم ليثبت فيها الشاعر فصاحته وتمكنه من اللغة في تعبيره عن نفسه.
مضى المتنبي بالقصيدة خطوة أخرى وبز كل شعائرها بفضل ما وصفه الدارسون بأنه "جموح خياله وجرأته". وفي نتاجه الشعري جرب المتنبي ومزج بين التقاليد الأدبية في الشام ومصر والعراق والمعايير الأدبية العربية التقليدية الصارمة. وقصائده التي كتبها - مدائح لرعاته بأبيات مقتضبة وجذلة لا تزال ترددها الألسن حتى اليوم- كانت دائماً تلهب خيال العرب وخصوصاً زعمائهم. إذ دائماً ما تمتع المتنبي بقدر كبير من المعجبين بقصائده المفعمة بعباراته القوية وجرسها الرفيع. ومرة أخرى, فإن القارئ لأشعاره المترجمة من غير المحتمل أن يشعر بقدر كبير من المتعة الفنية مثلما يفعل قارئه العربي.
ويروى أن أول ما نظمه المتنبي وهو في صباه قوله .. :
بأبي من وددتـه فأفترقنـا
وقضى الله بعد ذاك اجتماعا
فافترقنا حولا فلما التقينـا
كان تسليمه عليّ وداعـا
وقوله أيضا .. :
أبلى الهوى أسفا يوم النوى بدني
وفرق الهجر بين الجفن والوسنِ
روحٌ تردد في مثـل الخـلال إذا
أطارت الريح عنه الثوب لم يبنِ
كفى بجسمي نحولا أنني رجـلٌ
لولا مخاطبتي إياك لـم ترنـي
ثم إنه بعد ذلك إرتاد البادية وأقام بينهم حتى جزلت ألفاظه وأشتدت معانيه فخرج عندها بالدرر واللآلئ المدهشه .. :
ولنختار بدءا غيضا من فيضه .. ثم نورد قصائده المطوله إن شاء الله تعالى
فمن جميل أبياته قوله .. :
إذا غدرت حسناء وفّـت بعهدهـا
فمن عهدها ألا يدوم لهـا عهـدُ
وإن عشقت كانت أشـد صبابـة
وإن فركت فاذهب فما فِركها قصدُ
وإن حقدت لم يبق في قلبها رضىً
وإن رضيت لم يبق في قلبها حقدُ
كذلـك أخـلاق النسـاء وربمـا
يضلّ بها الهادي ويخفى بها الرشدُ
ومنه أيضا قوله .. :
أظمتني الدنيا فلمـا جئتهـا
مستسقيا مطرت علي مصائبا
وقولة .. :
ولست أبالي بعد إدراكي العلا
أكان تراثا ما تناولت أم كسبا
وقوله .. :
ذو العقل يشقى في النعيم بعقله
وأخو الجهالة بالشقـاوة ينعـمُ
لا يخدعنّك مـن عـدوٍ دمعـه
وارحم شبابك من عـدوٍ ترحـمُ
لا يسلم الشرف الرفيع من الأذى
حتى يراق على جوانبـه الـدمُ
والظلم من شيم النفوس فإن تجد
ذا عـفـةٍ فلعـلـه لا يظـلـمُ
ومن البلية عذل من لا يرعـوي
عن غيه وخطاب مـن لا يفهـمُ
ومن العداوة مـا ينالـك نفعـه
ومن الصداقة ما يضـر ويؤلـمُ
ومن جيد شعره قوله .. :
ما كنت أحسب قبل دفنك في الثرى
أن الكواكب فـي التـراب تمـورُ
ما كنت آمل قبـل نعيـك أن أرى
رضوى على أيدي الرجال يسيـرُ
خرجوا به والكـل بـاكٍ حولـه
صعقات موسى يـوم دك الطـورُ
حتى أتوا جدثـا كـأن ضريحـه
في كـل قلـبٍ موجـدٍ محفـورُ
كفـل الثنـاء لـه بـرد حياتـه
لمـا أنطـوى فكأنـه منـشـورُ
وقوله في وصف حال المسلمين في عصره .. :
أحل الكفر بالإسـلام ضيمـاً
يطول به على الدين النحيـبُ
فحق ضائع وحمـى مُبـاح
و سيف قاطـع ودم صبيـبُ
وكم من مسلم أمسى سليبـاً
ومسلمة لها حـرم سليـب
وكم من مسجداً جعلوه ديـراً
على محرابه نُصب الصليـب
أمـور لـو تأملهـن طفـل
لطفل في مفارقـه المشيـب
أتسبُ المسلمات بكـلِ ثغـرً
وعيش المسلمين إذا يطيـب
أمـا لله والأسـلام حــق
يدافع عنه شُبانّ وشيـبُ ؟
فقل لذوي البصائر حيثُ كانوا
أجيبوا الله ويحكموا أجيبـوا
وله أيضا قوله .. :
إِذا غامَرْتَ في شَرَفٍ مَـرُومِ
فَلا تَقْنَـعْ بِمـا دُونَ النُّجـومِ
فطَعْمُ المَوتِ في أَمـرٍ حَقِيـر
كطَعْمِ المَوتِ في أَمرٍ عَظِيـمِ
ستَبكِي شَجوَها فَرَسي ومُهري
صَفائحُ دمعُها ماءُ الجُسُـومِ
قُرين النار ثُـمّ نَشَـأنَ فيهـا
كَما نَشـأَ العَـذارَى النّعِيـمِ
وَفارَقنَ الصَياقِـلَ مخلَصـاتٍ
وأَيدِيِهـا كَثِيـراتُ الكُـلُـومِ
يَرَى الجُبَناءُ أَن العجز عَقـلٌ
وتلكَ خديعـةُ الطّبـع اللئيـم
وكُلُّ شَجاعةٍ في المَرء تُغنِـي
ولا مِثلَ الشّجاعة في الحَكِيـمِ
وكم من عائِبٍ قَولاً صَحيـحً
وآفَتهُ مِـنَ الفَهـمِ السّقِيـمِ
ولكِـنْ تَأخـذُ الآذان مـنـهُ
على قَدَرِ القَرائِـحِ والعُلُـومِ
هذا وسنورد إن شاء الله بعض من أشعاره المطولة
والله الهادي إلى سواء السبيل
الروابط المفضلة