دار الأمة
للطباعة والنشر والتوزيع
الطبعة الثالثة
مزيدة ومنقحــة
1410هـ - 1990م
صادر عن دار الأمة للطباعة والنشر والتوزيع
ص . ب 13519
بيروت
محتويات الكتاب
آيات الافتتاح .................................................. .............. 3
مقدمة في النظام الاجتماعي......................................... .......... 9
المرأة والرجل .................................................. ............12
أثر النظرة إلى الصلات بين الرجل والمرأة ..................................34
تنظيم الصلات بين المرأة والرجل .......................................... 35
الحياة الخاصة .................................................. ............35
وجوب انفصال الرجال عن النساء في الحياة الإسلامية ......................36
النظر إلى المرأة .................................................. .........39
لا يجب على المرأة المسلمة أن تغطي وجهها ................................41
المرأة والرجل أمام التكاليف الشرعية .......................................41
أعمال المرأة .................................................. .............42
الجماعة الإسلامية......................................... .................46
الزواج .....................,............................ ..................47
المحرمات من النساء .................................................. ....47
تعدد الزوجات .................................................. ...........47
زواج النبي .................................................. ..........48
الحياة الزوجية .................................................. ...........49
العزل .................................................. ...................49
الطلاق .................................................. .................50
النسب .................................................. ..................50
اللعان .................................................. .................51
ولاية الأب .................................................. ............52
كفالة الطفل .................................................. ...........53
صلة الرحم .................................................. ...........53
بسم الله الرحمن الرحيم
يأيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة وخلق منها زوجها وبث منهما رجالاً كثيراً ونساء واتقوا الله الذي تساءلون به والأرحام إن الله كان عليكم رقيبا * وءاتوا اليتامى أموالهم ولا تتبدلوا الخبيث بالطيب ولا تأكلوا أموالهم إلى أموالكم إنه كان حوباً كبيراً * وإن خفتم ألا تقسطوا في اليتامى فانكحوا ما طاب لكم من النساء مثنى وثُلاث وربُاع فإن خفتم ألا تعدلوا فواحدة أو ما ملكت أيمانكم ذلك أدنى ألا تعدلوا * وءاتوا النساء صدُقاتهن نِحلة فإن طبن لكم عن شيء منه نفساً فكلوه هنيئاً مريئاً * ولا تؤتوا السفهاء أموالكم التي جعل الله لكم قياماً وارزقوهم فيهاواكسوهم وقولوا لهم قولاً معروفاً * وابتلوا اليتامى حتى إذا بلغوا النكاح فإن ءانستم منهم رشداً فادفعوا إليهم أموالهم ولا تأكلوها إسرافاً وبداراً أن يكبروا ومن كان غنياً فليستعفف ومن كان فقيراً فليأكل بالمعروف فإذا دفعتم إليهم أموالهم فأشهدوا عليهم وكفى بالله حسيباً *
مقدمة
في النظام الاجتماعي
يتجاوز الكثيرون من الناس فيطلقون على جميع أنظمة الحياة اسم " النظام الاجتماعي " وهذا إطلاق خاطئ . لأن أنظمة الحياة أولى أن يطلق عليها " أنظمة المجتمع " ، إذ هي في حقيقتها أنظمة المجتمع ، لأنها تنظم العلاقات التي تقوم بين الناس الذين يعيشون في مجتمع معين ، بغض النظر عن اجتماعهم أو تفرقهم . والاجتماع لا يلاحظ فيها وإنما تلاحظ العلاقات فحسب ، ومن هنا كانت متعددة ومختلفة بحسب تعدد العلاقات واختلافها ، وهي تشمل الاقتصاد ، والحكم ، والسياسة ، والتعليم ، والعقوبات ، والمعاملات ، والبينات وغير ذلك . فإطلاق " النظام الاجتماعي " ، عليها لا وجه له ، ولا ينطبق عليها . وعلاوة على ذلك فإن كلمة " الاجتماعي " صفة للنظام ، فلا بد أن يكون هذا النظام موضوعاً لتنظيم المشاكل التي تنشأ عن الاجتماع ، أو للعلاقات الناشئة عن الاجتماع . واجتماع الرجل بالرجل ، والمرأة بالمرأة ، لا يحتاج إلى نظام لأنه لا تنشأ عنه مشاكل ، ولا تنشأ عنه علاقات تحتاج إلى نظام . وإنما يحتاج تنظيم المصالح بينهما إلى نظام ، من حيث كونهم يعيشون في بلاد واحدة ولو لم يجتمعوا . أما اجتماع الرجل بالمرأة ، والمرأة بالرجل ، فإنه هو الذي تنشأ عنه مشاكل تحتاج إلى تنظيم بنظام ، وتنشأ عنه علاقات تحتاج إلى التنظيم بنظام ، فكان هذا الاجتماع الأولى بأن يطلق عليه النظام الاجتماعي لأنه في حقيقته ينظم الاجتماع بين الرجل والمرأة ، وينظم العلاقات التي تنشأ عن هذا الاجتماع .
ولذلك كان النظام الاجتماعي محصوراً في النظام الذي يبين تنظيم اجتماع المرأة بالرجل والرجل بالمرأة ، وينظم علاقة المرأة بالرجل والرجل بالمرأة الناشئة عن اجتماعهما ، لا عن مصالحهما في المجتمع ، ويبين كل ما يتفرع عن هذه العلاقة . فتجارة المرأة مع الرجل ، والرجل مع المرأة هي من أنظمة المجتمع ، لا من النظام الاجتماعي . لأنها تدخل في النظام الاقتصادي . أما منع الخلوة بين الرجل والمرأة ، أو متى تملك المرأة طلاق نفسها ، أو متى يكون للمرأة حق حضانة الصغير ، فإن ذلك كله من النظام الاجتماعي . وعلى ذلك يكون تعريف النظام الاجتماعي هو : النظام الذي ينظم اجتماع المرأة بالرجل ، والرجل بالمرأة ، وينظم العلاقة التي تنشأ بينهما عن اجتماعهما ، وكل ما يتفرع عن هذه العلاقة .
وقد اضطرب فهم الناس ولا سيما المسلمين للنظام الاجتماعي في الإسلام اضطراباً عظيماً ، وبعدوا في هذا الفهم عن حقيقة الإسلام بعدهم عن أفكاره وأحكامه ، وكانوا بين مفرط كل التفريط ، يرى من حق المرأة أن تخلو بالرجل كما تشاء وأن تخرج كاشفة العورة باللباس الذي تهواه . وبين مفرط كل الإفراط لا يرى من حق المرأة أن تزاول التجارة أو الزراعة ،ولا أن تجتمع بالرجال مطلقاً ، ويرى أن جميع بدن المرأة عورة بما في ذلك وجهها وكفاها ، وكان من جراء هذا الإفراط والتفريط انهيار في الخلق ، وجمود في التفكير ، نتج عنهما تصدع الناحية الاجتماعية وقلق الأسرة الإسلامية وغلبة روج التذمر والتأفف على أعضائها ، وكثرة المنازعات والشقاق بين أفرادها . وصار الشعور بالحاجة إلى جمع شمل الأسرة ، وضمان سعادتها يملأ نفوس جميع المسلمين . وصار البحث عن علاج لهذه المشكلة الخطيرة يشغل بال الكثيرين ، وصارت المحاولات المختلفة تظهر أنواعاً متعددة لوضع هذا العلاج . فوضعت المؤلفات التي تبين العلاج الاجتماعي ، وأدخلت التعديلات على قوانين المحاكم الشرعية ، وأنظمة الانتخابات . وحاول الكثيرون تطبيق آرائهم على أهليهم من زوجات وأخوات وبنات . وأدخلت على أنظمة المدارس تعديلات من حيث اختلاط الذكور بالإناث . وهكذا ظهرت هذه المحاولات بهذه المظاهر وأمثالها . ولكن جميع أولئك وهؤلاء لم يوفقوا إلى العلاج ، ولم يهتدوا إلى النظام ، ولم يجدوا إلى ما يحسونه من إصلاح أي سبيل . لأنه قد عمي على معظم المسلمين أمر علاقة الجنسين : المرأة والرجل . وصاروا لا يعرفون الطريقة التي يتعاون فيها هذان الجنسان ، حتى يكون صلاح الأمة من هذا التعاون وقد جهلوا أفكار الإسلام وأحكامه التي تتعلق باجتماع الرجل بالمرأة جهلاً تاماً ، مما جعلهم يتناقشون ويتجادلون فيما هو حول طريقة العلاج ، ويبعدون عن دراسة حقيقتها ، حتى ازداد القلق والاضطراب من جراء محاولاتهم ، وصارت في المجتمع هوة يخشى منها على كيان الأمة الإسلامية ، بوصفها أمة متميزة بخصائصها . ويخشى على البيت الإسلامي أن يفقد طابع الإسلام ، وعلى الأسرة الإسلامية أن تفقد استنارة أفكار الإسلام وتبعد عن تقدير أحكامه وآرائه .
أما سبب هذا الاضطراب الفكري ، والانحراف في الفهم عن الصواب ، فيرجع إلى الغزوة الكاسحة التي غزتنا به الحضارة الغربية وتحكمت في تفكيرنا وذوقنا تحكماً تاماً غيرت به مفاهيمنا عن الحياة ، ومقاييسنا للأشياء وقناعاتنا التي كانت متأصلة في نفوسنا مثل غيرتنا على الإسلام وتعظيمنا لمقدساتنا . فكان انتصار الحضارة الغربية علينا شاملاً جميع أنواع الحياة ومنها هذه الناحية الاجتماعية .
وذلك أنه حين ظهرت الحضارة الغربية في بلاد الإسلام وظهرت أشكالها المدنية ، ورقيها المادي ، بهرت أبصار الكثيرين . فصاروا يقلدون هذه الأشكال المدنية ، ويحاولون أن يأخذوا هذه الحضارة لأن تلك الأشكال المدنية الدالة على التقدم قد أنتجها أهل هذه الحضارة الداعون إليها . ولذلك صاروا يحاولون تقليد الحضارة الغربية دون أن يميزوا الفرق بين هذه الحضارة الغربية ، وبين الأشكال المدنية ، ودون أن يدركوا أن الحضارة تعني مجموع المفاهيم عن الحياة ، وأنها طريقة معينة في العيش . وأن المدنية هي الأشكال المادية المحسوسة التي تستعمل وسائل وأدوات في الحياة ، بغض النظر عن مفاهيم الحياة وعن طريقة العيش . وعلاوة على ذلك فإنهم لم يدركوا أن الحضارة الغربية تقوم على أساس هو النقيض من أساس الحضارة الإسلامية ، وأنها تختلف عن الحضارة الإسلامية في تصوير الحياة وفي مفهوم السعادة التي يسعى الإنسان لتحقيقها . ولم يتبينوا استحالة أخذ الأمة الإسلامية الحضارة الغربية ، وأنه لا يمكن أخذ هذه الحضارة لأي جماعة من الأمة الإسلامية في أي بلد وتبقى هذه الجماعة جزءاً من الأمة الإسلامية ، أو تبقى عليها صفة الجماعة الإسلامية .
وقد أدى عدم الوعي على الاختلاف الجوهري بين حضارة الإسلام وحضارة الغرب إلى النقل والتقليد . وصار كثير من المسلمين يحاولون نقل الحضارة الغربية نقلاً دون فهم ، شأن من ينسخ كتاباً يقتصر على رسم الكلمات والحروف . وصار بعضهم يحاول تقليد الحضارة الغربية بأخذ مفاهيمها ومقاييسها دون تدبر لأسباب ونتائج هذه المفاهيم والمقاييس . فقد رأى هؤلاء وأولئك أن المجتمع الغربي تقف فيه المرأة مع الرجل دون فرق بينهما ودون مبالاة بما يترتب على ذلك من نتائج . ورأوا أن المرأة الغربية ظهرت عليها أشكال مدنية وظهرت هي بأشكال مدنية فقلدوها أو حاولوا تقليدها ، دون أن يدركوا أن هذه الأشكال تتفق مع حضارة الغرب ومفاهيمه عن الحياة ، وعن تصويرها لها ، ولا تتفق مع حضارة الإسلام ومفاهيمه عن الحياة وتصويرها لها . ودون أن يحسبوا أي حساب لما يترتب على هذه الأشكال التي ظهرت عليها وظهرت بها من أمور . نعم رأوا ذلك فاعتقدوا أنه لا بد أن تقف المرأة المسلمة بجانب الرجل في المجتمع وفي الاجتماع ، بغض النظر عن جميع النتائج . ورأوا أن المرأة المسلمة لا بد أن تظهر عليها الأشكال المدنية الغربية ، وأن تظهر هي أيضاً بالأشكال المدنية الغربية ، بغض النظر عما يلابس ذلك من مشاكل وأمور . ولذلك نادوا بضمان الحرية الشخصية للمرأة المسلمة وإعطائها الحق في أن تفعل ما تشاء . وتبعاً لذلك دعوا إلى الاختلاط من غير حاجة ، ودعوا إلى التبرج وإبداء الزينة ، ودعوا إلى أن تتولى المرأة الحكم ، ورأوا أن ذلك هو التقدم وهو دليل النهضة .
ومما زاد الطين بلة أن هؤلاء الناقلين المقلدين قد أطلقوا لأنفسهم العنان في الحرية الشخصية إطلاقاً كلياً ، حتى اتصلت المرأة بالرجل اتصالاً مباشراً لمجرد الاتصال ليس غير ، وللتمتع بالحرية الشخصية ، دون وجود دواعي الحاجة التي تقتضي هذا الاتصال ، ودون أن يكون في المجتمع أي حاجة لهذا الاختلاط . فكان لهذا الاتصال بين الجنسين لمجرد الاتصال ، وللتمتع بالحرية الشخصية فحسب ، الأثر السيئ في هذه الفئة الناقلة المقلدة التي غامرت بالإقدام على هذه الآراء حتى حصرت الصلة بين المرأة والرجل في صلات الذكورة والأنوثة دون غيرها . وتعدى الأثر السيئ هذه الفئة إلى باقي الفئات في المجتمع ، ولم ينتج ذلك الاتصال أي تعاون بين الرجل والمرأة في ميدان الحياة ، بل نتج عنه التدهور الأخلاقي ، وتبرج النساء ، وإبداء زينتهن لغير بعولتهن أو ومحارمهن . ونتج عنه عند المسلمين انحراف في التفكير ، وفساد في الذوق ، وزعزعة في الثقة ، وهدم في المقاييس . واتخذت الناحية الاجتماعية في الغرب القدوة المحببة ، واتخذ المجتمع الغربي مقياساً ، دون أن يؤخذ بعين العناية أن ذلك المجتمع الغربي لا يأبه بصلات الذكورة والأنوثة ، ولا يرى فيها أي معرة أو طعن أو مخالفة للسلوك الواجب الإتباع ، أو أي مساس في الأخلاق أو أي خطر عليها . ودون أن يلاحظ أن المجتمع الإسلامي يخالفه في هذه النظرة مخالفة جوهرية ، ويناقضه مناقضة تامة ، لأن المجتمع الإسلامي يعتبر صلات الذكورة والأنوثة من الكبائر ، عليها عقوبة شديدة هي الجلد أو الرجم ، ويعتبر مرتكبها منبوذاً منحطاً منظوراً إليه بعين المقت والازدراء . ويرى من البديهيات لديه أن العِرض يجب أن يصان ، وأنه من الأمور التي لا تقبل نقاشاً ولا جدلاً ، والتي يجب أن يبذل في سبيل الدفاع عنها المال والنفس ، عن رضاً واندفاع دون قبول أي عذر أو أعذار .
نعم لم يلاحظ هؤلاء الناقلون والمقلدون الفرق بين المجتمعين ولا هذا البون الشاسع بين الحالتين ، كما لم يلاحظوا ما تحتمه عليهم الحياة الإسلامية وتتطلبه منهم الأحكام الشرعية ، واندفعوا وراء النقل والتقليد حتى لبست دعوة نهضة المرأة ثوب الإباحية ، وعدم المبالاة بالاتصاف بالخلق الذميم . وهكذا مضى هؤلاء الناقلون والمقلدون في تهديم الناحية الاجتماعية عند المسلمين تحت اسم إنهاض المرأة ، وبحجة العمل لإنهاض الأمة . ولكن هؤلاء كانوا أقلية في أول الأمر ، ولم ترض الأمة عن دعوتهم في أولها ، ولكنهم بعد أن طبق النظام الرأسمالي في البلاد الإسلامية ، وحكمت من الكفار المستعمرين ثم من عملائهم ، والسائرين في ركابهم وعلى هداهم ، استطاع هؤلاء الأقلية أن يؤثروا وأن ينقلوا أكثر أهل المدن ، وبعض سكان القرى ، إلى السير في الطريق الذي سلكوه ، وإلى النقل والتقليد للحضارة الغربية حتى مسحت السيما الإسلامية عن كثير من أحياء المدن الإسلامية ، لا فرق بين استنبول والقاهرة ولا بين تونس ودمشق ، ولا بين كراتشي وبغداد ، ولا بين القدس وبيروت ، فكلها تسير في طريق النقل والتقليد للحضارة الغربية .
وكان طبيعياً أن ينهض لمكافحة هذه الأفكار جماعة من المسلمين وكان حتمياً أن يهب لمحاربة هذه الآراء جمهرة الخاصة والعامة من أهل بلاد الإسلام ، فقامت جماعة بل جماعات تدعوا إلى وجوب المحافظة على المرأة المسلمة ، وصيانة الفضيلة في المجتمع ، ولكن دون أن يتفهموا الأنظمة الإسلامية ، ومن غير أن يتبينوا الأحكام الشرعية . وقبلوا أن تكون المصلحة التي يراها العقل أساساً للبحث ، ومقياساً للآراء والأشياء ، ونادوا بالمحافظة على التقاليد والعادات ودعوا للتمسك بالأخلاق ، دون أن يدركوا أن الأساس هو العقيدة الإسلامية ، وأن المقياس هو الأحكام الشرعية ، وقد وصل التعصب الأعمى لحجاب المرأة أن قالوا بالتضييق على المرأة ، وعدم السماح لها بأن تخرج من بيتها ، أو تقوم بقضاء حاجاتها ، ومباشرة شؤونها بنفسها ، وجعل المتأخرون من الفقهاء للمرأة خمس عورات : وقالوا عورة في الصلاة ، وعورة عند الرجال المحارم ، وعورة عند الرجال الأجانب ، وعروة عند النساء المسلمات ، وعورة عند النساء الكافرات ، وتبعاً لذلك دعوا إلى الحجاب المطلق الذي يمنع المرأة من أن ترى أحداً أو يراها أحد . ونادوا بمنعها من أن تزاول أعمالها في الحياة فقالوا بمنعها من أن تمارس حق الانتخاب وبحرمانها من أن يكون لها رأي في السياسة والحكم والاقتصاد والاجتماع . وحالوا بينها وبين الحياة حتى جعلوا بعض آيات الله أنها جاءت مخاطبة الرجال دون النساء ، وأولوا حديث الرسول في مصافحة النساء له في البيعة ، وأحاديثه في عورة المرأة ، ومعاملته للنساء في الحياة تأويلاً يتفق مع ما يريدونه هم للمرأة ، لا مع ما يقتضيه حكم الشرع ، فكان كل ذلك منهم مبعداً الناس عن أحكام الشرع ، ومعمياً الناحية الاجتماعية عن المسلمين . ومن أجل ذلك لم تستطع آراؤهم أن تقف في وجه الأفكار الغازية ، ولم تقو على صد التيار الجارف ، ولم تؤثر في رفع الناحية الاجتماعية بين المسلمين أدنى تأثير . وبالرغم من وجود علماء الأمة لا يقلون عن المجتهدين الأولين وأصحاب المذاهب في العلم والاطلاع وبالرغم من وجود ثروة فكرية وتشريعية بين يدي المسلمين لا تدانهيا أية ثروة لأية أمة ، وبالرغم من توفر الكتب والمؤلفات القيمة بين يدي المسلمين في مكتباتهم العامة والخاصة ، وفي إقناع الجامدين بالرأي الإسلامي الذي استنبطه مجتهد استنباطاً صحيحاً ، ما دام مخالفاً لما يريدون المرأة أن تكون عليه . وذلك لأن هؤلاء وأولئك المقلدين والجامدين والعلماء والمتعلمين ابتعدت عنهم صفة الرجل المفكر ، فلا يفهمون الواقع ، أو لا يتفهمون حكم الله ، أو لا يتلقون أحكام الشرع تلقياً فكرياً ، بتطبيقها على الواقع تطبيقاً دقيقاً يحدث الانطباق الكامل . ومن أجل ذلك ظل المجتمع في البلاد الإسلامية يتأرجح بين فكرتين : الجمود والتقلي . وظلت الناحية الاجتماعية مضطربة ، حتى أصبحت المرأة المسلمة حائرة . فهي بين امرأة قلقة مضطربة تنتقل الحضارة الغربية دون أن تفهمها ، أو تعي على حقيقتها ، ودون أن تعرف التناقض الذي بينهما وبين الحضارة الإسلامية . وبين امرأة جامدة لا تنفع نفسها ، ولا ينتفع المسلمون بجهودها . وذلك كله من جراء عدم تلقي الإسلام تلقياً فكرياً ، وعدم فهم النظام الاجتماعي في الإسلام .
ولذلك كان لا بد من دراسة النظام الاجتماعي في الإسلام دراسة شاملة ولا بد من التعمق في هذه الدراسة ، حتى تدرك المشكلة بأنها اجتماع المرأة والرجل ، والعلاقة الناشئة عن اجتماعهما ، وما يتفرع عن هذه العلاقة . وأن المطلوب هو علاج هذا الاجتماع ، والعلاقة الناشئة عنه ، وما يتفرع عنها . وأن هذا العلاج لا يمليه العقل ، وإنما يمليه الشرع ، وأما العقل فإنه يفهمه فهماً ، وأنه علاج لامرأة مسلمة ورجل مسلم ، يعيشان طراز معيناً من العيش هو الطراز الذي أوجبه الإسلام . وأن عليهما حتماً أن يتقيدا بالعيش على هذا الطراز وحده ، كما أمر به الله في الكتاب والسنة ، بغض النظر عما إذا ناقض ما عليه الغرب ، أو خالف ما عليه الآباء والأجداد من عادات وتقاليد .
المراة والرجل
قال الله تعالى : { يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوباً وقبائل لتعارفوا } وقال : { يا أيها الإنسان ما غرك بربك الكريم } وقال : { قتل الإنسان ما أكفره من أي شيء خلقه من نطفة خلقه فقدره } . فالله خاطب الإنسان بالتكاليف ، وجعل الإنسان موضع الخطاب والتكليف . وأنزل الشرائع للإنسان ويبعث الله الإنسان ،ويحاسب الإنسان ، ويدخل الجنة والنار الإنسان ، فجعل الإنسان لا الرجل ولا المرأة محل التكاليف .
وقد خلق الله الإنسان امرأة أو رجلاً في فطرة معينة تمتاز عن الحيوان ، فالمرأة إنسان ، والرجل إنسان ، ولا يختلف أحدهما عن الآخر في الإنسانية ، ولا يمتاز أحدهما عن الآخر في شيء من هذه الإنسانية . وقد هيأهما لخوض معترك الحياة بوصف الإنسانية . وجعلهما يعيشان حتماً في مجتمع واحد . وجعل بقاء النوع متوقفاً على اجتماعهما ، وعلى وجودهما في كل مجتمع . فلا يجوز أن ينظر لأحدهما إلا كما ينظر للآخر ، بأنه إنسان يتمتع بجميع خصائص الإنسان ومقومات حياته ، وقد خلق الله في كل منهما طاقة حيوية ، هي نفس الطاقة الحيوية التي خلقها في الآخر . فجعل في كل منهما الحاجات العضوية كالجوع ، والعطش ، وقضاء الحاجة . وجعل في كل منهما غريزة البقاء ، وغريزة النوع ، وغريزة التدين . وهي نفس الحاجات العضوية والغرائز المجودة في الآخر . وجعل في كل منهما قوة التفكير وهي نفس قوة التفكير الموجودة في الآخر . فالعقل المجود عند الرجل هو نفس العقل الموجود عند المرأة إذ خلقه الله عقلاً للإنسان ، وليس عقلاً للرجل أو للمرأة .
إلا أن غريزة النوع وإن كان يمكن أن يشبعها الذكر من ذكر أو حيوان ، أو غير ذلك . ويمكن أن تشبعها الأنثى أو حيوان ، أو غير ذلك . ولكنه لا يمكن أن تؤدي الغاية التي من جلها خلقت في الإنسان إلا في حالة واحدة ، وهي أن يشبعها الذكر من الأنثى ، وأن تشبعها الأنثى من الذكر . ولذلك كانت صلة الرجل بالمرأة ، وصلة المرأة بالرجل من الناحية الجنسية الغريزة صلة طبيعية لا غرابة فيها . بل هي الصلة الأصلية التي بها وحدها يتحقق الغرض الذي من أجله وجدت هذه الغريزة وهو بقاء النوع . فإذا وقعت بينهما هذه الصلة على شكل الاجتماع الجنسي كان ذلك بديهياً وطبيعياً ليس فيه شيء غريب . بل كان ذلك أمراً حتمياً لبقاء النوع الإنساني . إلا أن إطلاق هذه الغريزة مضر بالإنسان . وبحياته الاجتماعية . والغرض من وجودها إنما هو النسل لبقاء النوع . ولذلك كان لا بد من جعل نظرة الإنسان لهذه الغريزة منصبة على الغرض الذي من أجله وجدت في الإنسان ، ألا وهو بقاء النوع ، لا فرق في ذلك بين الرجل والمرأة . وأما اللذة والتمتع التي تحصل بالإشباع فهي أمر طبيعي وحتمي ، سواء نظر إليها الإنسان ، أم لم ينظر . ولذلك لا يصح أن يقال : يجب أن تبعد نظرة اللذة والتمتع عن غريزة النوع ، لأن هذا لا يأتي من النظرة ، بل هو طبيعي وحتمي ، ولا يتأتى فيه الأبعاد ، لأن هذا الأبعاد من المستحيلات . ولكن النظرة تأتي من مفهوم الإنسان عن هذا الإشباع ، وعن الغاية من وجودها . ومن هنا كان لا بد من إيجاد مفهوم معين عند الإنسان عن غريزة النوع ، وعن الغرض من وجودها في الإنسان ، يكون عنده نظرة خاصة إلى ما خلقه الله في الإنسان من غريزة النوع ، بحيث يحصرها في صلة الرجل بالمرأة والمرأة بالرجل . ويكون عنده نظرة خاصة إلى ما بين الرجل والمرأة من صلات الذكورة والأنوثة ، أو بعبارة أخرى الصلات الجنسية ، بحيث تنصب على القصد الذي من أجله وجدت وهو بقاء النوع . وبهذه النظرة يتحقق إشباع الغريزة ، ويتحقق الغرض الذي من أجله وجدت ، وتتحقق الطمأنينة للجماعة التي تأخذ هذا المفهوم ، وتوجد لديها هذه النظرة الخاصة . وكان لا بد أيضاً من تغيير نظرة الجماعة - أي جماعة - من بنى الإنسان إلى ما بين الرجل والمرأة من صلات الذكورة والأنوثة أو بعبارة أخرى الصلات الجنسية ، من نظرة مسلطة على اللذة والتمتع ، إلى جعل هذه اللذة والتمتع أمراً طبيعياً وحتمياً للإشباع . وجعل النظرة منصبة على الغرض الذي من أجله كانت هذه الغريزة . وهذه النظرة تبقي غريزة النوع وتصرفها في وجهها الصحيح الذي خلقت له ، ويفسح المجال للإنسان ليقوم بجميع الأعمال ، ويتفرغ لكافة الأمور التي تسعده .
ولهذا كان لا بد للإنسان من مفهوم عن إشباع غريزة النوع ، وعن الغاية من وجودها ، وكان لا بد أن يكون للجماعة الإنسانية نظام يمحو من النفوس تسلط فكرة الاجتماع الجنسي واعتبارها وحدها المتغلبة على كل اعتبار ، ويبقي صلات التعاون بين الرجل و المرأة . لأنه لا صلاح للجماعة إلا بتعاونهما ، باعتبار أنهما أخوان متضامنان تضامن مودة ورحمة . ولذلك لا بد من التأكيد على تغيير نظرة الجماعة إلى ما بين الرجل والمرأة من صلات تغييراً تاماً يزيل تسلط مفاهيم الاجتماع الجنسي ، ويجعلها أمراً طبيعياً وحتمياً للإشباع ، ويزيل حصر هذه الصلة باللذة والتمتع ، ويجعلها نظرة تستهدف مصلحة الجماعة ، لا نظرة الذكورة والأنوثة . ويسيطر عليها تقوى الله لا حب التمتع والشهوات . نظرة لا تنكر على الإنسان استمتاعه باللذة الجنسية ، ولكنها تجعله استمتاعاً مشروعاً ، محققاً بقاء النوع ، متفقاً مع المثل الأعلى للمسلم ، وهو رضوان الله تعالى .
وقد جاءت آيات القرآن منصبة على الناحية الزوجية ، أي على الغرض الذي كانت من أجله غريزة النوع . فجاءت الآيات مبينة أن الخلق للغريزة من أصله إنما كان للزوجية أي لبقاء النوع ، أي أن الغريزة إنما خلقها الله للزوجية . وقد بينت ذلك بأساليب مختلفة ، ومعان متعددة ، لتجعل نظرة الجماعة إلى صلات المرأة بالرجل نظرة مسلطة على الزوجية ، لا على الاجتماع الجنسي ، قال تعالى : { يا أيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة وخلق منها زوجها ، وبث منهما رجالاً كثيراً ونساء } وقال : { هو الذي خلقكم من نفس واحدة ، وجعل منها زوجها ليسكن إليها . فلما تغشاها حملت حملاً خفيفاً فمرت به . فلما أثقلت دعوا الله ربهما لئن آتيتنا صالحاً لنكونن من الشاكرين} وقال : { ولقد أرسلنا رسلاً من قبلك ، وجعلنا لهم أزواجاً وذرية } وقال : { والله جعل لكم من أنفسكم أزواجاً . وجعل لكم من أزواجكم بنين وحفدة } وقال : { ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجاً لتسكنوا إليها وجعل بينكم مودة ورحمة } وقال : { فاطر السموات والأرض جعل لكم من أنفسكم أزواجاً } وقال : { وأنه خلق الزوجين الذكر والأنثى من نطفة إذا تمنى } وقال : { وخلقناكم أزواجاً } . فالله سلط الخلق على الذكر والأنثى من ناحية الزوجية ، وكرر ذلك حتى تظل النظرة إلى الصلات بين الذكر والأنثى منصبة على الزوجية أي على النسل لبقاء النوع.
الروابط المفضلة