الخصخصة
تدخّلت الدولة في البلاد المتقدمة بشكل واسع في المجال الإقتصادي في فترة ما بعد الحرب العالمية الثانية من أجل إعادة البناء السريع لإقتصاداتها التي دمرتها الحرب.
واتّخذ هذا التدخّل بشكل خاص تأميم المشروعات الاقتصادية الخاصة.
أما في البلاد المستعمرة سابقا فقد اتسع نطاق تدخل الدولة في إدارة الإقتصاد الوطني خلال عقدي الستينات و السبعينات في العديد من الدول النامية بصفة عامة.
و كرد فعل للدور الاستعماري, وسعياً في الحصول على الاستقلال الاقتصادي, امتد واتسع تدخل حكومات تلك الدول,وزادت نسبة مشاركتها في النشاط الاقتصادي من خلال تقييد وتنظيم أنشطة القطاع الخاص بصفة عامة والأجنبي منه بصفة خاصة.
إن تلك الاجراءات لم تنل اهتمام الدول المتقدمة و النامية على السواء, في توزيع مواردها ما بين القطاع الحكومي والقطاع الخاص إلا في السنوات الأخيرة.
وقد نجم عن ذلك أن تضخم حجم القطاع العام, وعجز عن تحقيق ما كان مستهدفا – بعد أن كان ينظر إليه على أنه وسيلة جيدة وفعّآلة لتحقيق التنمية الاقتصادية – أصبح عالة عليها.
وإزاء هذه المظاهر السلبية لإنخفاض الكفاءة الانتاجية التخصيصية في وحدات القطاع العام, ساد الاعتقاد لدى حكومات العديد من الدول النامية, بان القطاع العام بات أكبر مما ينبغي, وان تكلفة الاحتفاظ به اصبحت مرتفعة على اقتصادها, و تطلعت حكومات تلك الدول إلى التطبيق الجاد لبرامج الاصلاح الاقتصادي في ظل معونات مالية و فنية من البنك الدولي و صندوق البنك الدولي.
واتخد الاصلاح الاقتصادي مسارات و اتجاهات عديدة برز منها ما عرف في الادب الاقتصادي بالخصخصة او التخصيص.
واصبحت الخصخصة منهجا وأسلوبا اعتمد عليه العديد من الدول النامية والمتقدمة للتخلص من الحجم الزائد للقطاع العام وتحقيق الكفاءة الاقتصادية بصفة عامة والكفاءة الانتاجية في وحدات القطاع العام بصفة خاصة.
تستحوذ عبارة الخصخصة او التخصيص او الخوصصة على اهتمام معظم دول العالم سواء كانت متقدمة او نامية و هي جميعها تسميات لمصطلح اقتصادي بالغة الإنكليزية او الفرنسية لكلمة privatization .
لا يوجد مفهوم دولي متفق عليه لكلمة الخصخصة ، حيث يتفاوت مفهوم هذه الكلمة من مكان إلى اخر ومن دولة إلى اخرى.
ولكن لو اردنا تعريف هذه الظاهرة التي اصبحت موضوعا رئيسيا يتم استخدامه في معظم الدول ، فانها.... فلسفة اقتصادية حديثة ذات استراتيجية ، لتحويل عدد كبير من القطاعات الاقتصادية و الخدمات الاجتماعية التي لا ترتبط بالسياسة العليا للدولة ، من القطاع العام إلى القطاع الخاص.
فالدولة ، في المفهوم الاقتصادي الحديث ، يجب ان تهتم بالامور الكبيرة كالامور السياسية و الادارية و الامنية و الاجتماعية التي ترتبط بسياستها العليا, اما سائر الامور الاخرى فيمكن تامينها من قبل القطاع الخاص و ذلك في اطار القوانين و الانظمة التي تضعها الدولة وتنظم من خلالها عمل هذا القطاع.
تعددت و اختلفت مفاهيم الخصخصة و تعريفها إلى تعدد مجالات تنفيذ هذه الاستراتيجية و إلى تعدد اساليبها ، فيتسع التعريف او يضيق بقدر شموله لهذه الاساليب و تلك المجالات.
ونظرا لاهمية تعريف هذه الكلمة قبل الخوض في تفاصيل البحث ، فتعرف الخصخصة بانها :
نقل ملكية او إدارة نشاط اقتصادي ما ، اما جزئيا او كليا من القطاع الخاص اي انها عكس التاميم.
ولا تعتبر الخصخصة بحد ذاتها هدفا انما هي عادة ما تكون وسيلة او اداة لتفعيل برنامج اصلاح اقتصادي شامل ذي محاور متعددة يهدف إلى اصلاح الاوضاع الاقتصادية في دولة ما.
ومن هذا المنطلق عادة ما يتزامن مع تنفيذ برامج الخصخصة تنفيذ برامج اخرى موازية ومتناسقة تعمل كل منها في الاتجاه العام نفسه الداعي إلى تحرير كافة الانشطة الاقتصادية في القطاع العام تجاه القطاع الخاص
اي ان الخصخصة يجب ان تواكبها تغييرات جذرية لمفهوم او فلسفة مسؤولية الدولة من إدارة الاقتصاد و دورها السياسي و الاقتصادي و الاجتماعي تجاه المزيد من المشاركة للقطاع الخاص.
و للخصخصة منظورين اقتصادي و سياسي :
فمن المنظور الاقتصادي :
تهدف عملية الخصخصة إلى استغلال المصادر الطبيعية و البشرية بكفاءة و انتاجية اعلى, و ذلك بتحرير السوق و عدم تدخل الدولة الا في حالات الضرورة القصوى, و عبر ادوات محددة لضمان استقرار السوق و الحد من تقلباته .
اما من المنظور السياسي :
فالتخصيص يدعو إلى اختزال دور الدولة ليقتصر على مجالات اساسية مثل الدفاع و القضاء و الامن الداخلي و الخدمات الاجتماعية, لذا فان التخصيص يتجاوز مفهومه الضيق المقتصر على عملية بيع اصول او نقل ملكية ليكون بمثابة نقلة اقتصادية و اجتماعية وسياسية كبيرة و فلسفة جديدة لدور الدولة.
الروابط المفضلة