تجربة في قرية فرنسية قد تفتح الباب امام تكنولوجيا من نوع جديد... متى يتحقق حلم نقل الانترنت ومحتوياتها عبر اسلاك الكهرباء؟


ثمة نكتة شائعة بين جمهور الانترنت في الغرب، وخصوصاً بين المتحدثين باللغة الانكليزية منهم، تقول ان رمز الانترنت «دبليو دبليو دبليو» WWW، مُشتَق من الاحرف الاولى لعبارة «ورلد وايد وايت» World Wide Wait، التي تعني «الانتطار المنتشر عالمياً». وتشير النكتة بخفة الى شكوى شديدة التكرار بين مستخدمي الانترنت، تتمثل في بطء الحركة الالكترونية علة الشبكة الدولية للكومبيوتر! ولا تبدو شكوى الجمهور بعيدة من جهود صُنّاع الشبكة ومطوريها. ويدأب هؤلاء على تطوير سبل الاتصال بالانترنت بما يجعلها تصل في شكل اسرع الى كومبيوتر المستخدم.

فمثلاً، طوّرت شركات تكنولوجيا المعلوماتية تدريجاً قدرة جهاز المودم Modem على نقل المعلومات من الانترنت، اضافة الى التطور الدائم في قدرات الحاسوب نفسه بما يجعله اسرع فأسرع.

وفي هذا السياق، انتشرت مجموعة من التقنيات العلمية الاكثر جذرية في تسريع وصول الانترنت للكومبيوترات، مثل استخدام الاقمار الاصطناعية والبث التلفزيوني في نقل محتويات الشبكة الالكترونية الى الجمهور العام. وراهناً، تشهد الانترنت انتشاراً انفجارياً لنوع جديد من كوابل الانترنت، يُسمى علمياً «الخط الرقمي اللامتزامن للمستخدم» Asynchronous Digital Subscriber Line، واختصاراً ADSL. وتُشير وسائل الاعلام العام الى تلك الكوابل باسم «خطوط الانترنت السريعة».

نحو شبكة بمثل قوة الكهرباء

وربما مثّل نقل الانترنت بواسطة تيار الكهرباء العادي، واحداً من اقوى الاحلام التي تراود صُنّاع التكنولوجيا الالكترونية.

ظهر هذا الحلم، الذي يؤدي لنقل الانترنت في سرعة تفوق بمئات آلاف المرات سرعتها راهناً، في شركة «أي بي ام» IBM الاميركية، قبل نحو عقد من السنين. ويحتوي المتحف التكنولوجي لتلك الشركة في نيويورك، على مجموعة من الادوات وبراءات الاختراع المتصلة بنقل الانترنت الى الجمهور عبر تيار كهربائي عادي. ولم يبق الحلم حكراً على شركة «أي بي ام». وتأسست أخيراً شركة فرنسية، وعنوان موقعها على الانترنت www.cpl-france.org كرّست نفسها لتحقيق هذا الحلم التكنولوجي.

ويُطلق على تلك الكابلات الكهربائية التي يتوقع ان تحمل الانترنت اسم «باور لاين كابل» Power Line Cable (واختصاراً PLC) وترجمتها «كابل الخط الكهربائي». ويُشير اليه الفرنسيون بمصطلح ترجمته «التيار الناقل للشبكة».

الكومبيوتر تغتني شاشته بالمواد التي يحملها «الانترنت الكهربائي»
الكومبيوتر تغتني شاشته بالمواد التي يحملها «الانترنت الكهربائي»
فكيف تعمل هذه التقنيّة؟ وهل جُرّبت؟ وما هو رأي مستخدميها الاوائل؟ تصلح التجربة التي تخوضها قرية «لاهاي دو بوا» الفرنسية، التي تقع في غابات النورماندي نموذجاً. ففي تجربة مثيرة، وصل «التيّار الناقل للشبكة» قبل أشهر قليلة الى «لاهاي دو بوا». ويشبه في عمله تقنية خطوط الانترنت السريعة. ويقتضي الامر ببساطة ان يوضع الربط بين التيار الكهربائي، وبين الإشارة الالكترونية التي تحمل الانترنت, والتي يتراوح تردد موجاتها بين 1.6 و30 ميغاهرتز. من الواضح ان العائق الاساسي يتمثل في عدم اختلاط هاتين الاشارتين، بما يؤدي الى ضياع اشارات الانترنت في خضم التدفق القوي للتيار الكهربائي.

وهناك نوعان من التيّار الكهربائي، يقدر كلاهما على حمل محتويات الانترنت. أحدهما يسمى «داخليّ» indoor ويُستخدَم لإنشاء شبكة محليّة تحلّ فيها الأسلاك الكهربائيّة مكان كابلات الشبكات الرقمية الرائجة (ومعظم هذه الاخيرة هي من نوع «ايثرنيت» Ethernet). ولوصل حاسوب بهذه الشبكة، يكفي تركيب علبة مزودة بنظام تقني متخصص، لتتوسط بين منفذ الكهرباء والحاسوب. وتلعب هذه العلبة دور المصفاة، التي توصل المعطيات الموجّهة من الانترنت إلى الحاسوب، وتلغي كل ما عداها.

ومن الناحية النظريّة، يسمح النوع «الداخلي» من «التيّار الناقل للشبكة» بمعدل اتصال بالانترنت يصل الى 14 ميغابيت في الثانية. ومن الناحية العمليّة تصل هذه النسبة إلى 6 أو 7 ميغابيت في الثانية.

ويعادل هذا المنسوب ما يقدّمه الكثير من الأجهزة اللاسلكيّة المتوافرة في السوق، مع العلم ان بعض تلك الاخيرة يعطي اتصالاً تصل سرعته الى 54 100 ميغابيت في الثانية. وفي المقابل، يمكن تطوير النوع «الداخلي» من «التيّار الناقل للشبكة» ليسمح باتصال سرعته 200 ميغابيت في الثانية.

ويُسمى النوع الثاني من «التيّار الناقل للشبكة» بال «خارجي» outdoor ويُطلَق عليه علمياً اسم «العقدة الكهربائيّة المحليّة». ويغطّي هذا التيّار المسافات التي تغطيها شبكة الكهرباء. وفي تفاصيل التقنية، يعتمد على الدمج بين خطوط الانترنت السريعة، أي «الخط الرقمي اللامتزامن للمستخدم»، وبين خطوط الكهرباء التي تحملة الى منازل الجمهور. وتمّ اختبار هذا النوع في قرية «لاهاي دو بوا» لتوزيع الانترنت السريعة على مختلف المنازل المتّصلة بالشبكة والمزوّدة بمودم مناسب. واستطاعت تلك الخطوط ايصال الانترنت بسرعة وصلت الى 15ميغابيت في الثانية.

ومن الممكن اعادة تقاسم الانترنت، عبر «التيار الناقل للشبكة» من النوع «الداخلي». ويسمح هذا الامر بتأمين حدّ أدنى من المنسوب يبلغ 1 ميغابيت في الثانية للمشترك، وهو معدل قريب من السرعة الراهنة لخطوط الانترنت السريعة.

ومن الطبيعي ان يثور السؤال، كيف وصل التيّار الناقل للشبكة إلى المستخدم، في هذه التجربة الفرنسية؟

1 - في قرية «لاهاي دو بوا» تصل الانترنت، في العادة، من طريق الأقمار الاصطناعية، غير أنّ مؤسسة الاتصالات «فرانس تيليكوم» قرّرت تركيب خطوط الانترنت السريعة في المنطقة. وبذا، أصبحت الخطوط الهاتفيّة معبراً لنقل الانترنت. وتُغذّي شبكة رقمية صغيرة منازل تلك القرية، عبر محوّلات رُكبّت في شوارعها الضيقة. ويُسهل الامر التحقق بصورة مباشرة، جانب شخص مُعيّن من قبل البلدية، من سلامة التركيبات، وكذلك اكتشاف الاعطال عقب حدوثها مباشرة.

2 - وعند المُحوّل الرئيسي للكهرباء الذي يُغذي القرية، وُصلت خطوط الانترنت بخطوط الشبكة الكهربائية. وترسل هذه الأخيرة المعلومات إلى مركز توزيع آخر يكون بعيداً من المحوّل (في هذه الحال، يقع في سوق البلدة) ما يتيح لكل المشتركين الاستفادة من الخدمة. ويمكننا القول إنّ مركز التحويل هو كناية عن منفذ متعدّد ضخم!

3 - كلّما ابتعد مكان السكن عن محطّة الكهرباء كلّما ازداد خطر أن تُصاب الإشارة بالتشوّهات والضعف. وللتخلّص من هذه المشاكل، ركبت «مؤسسة كهرباء فرنسا» أعدداً من المودم التي تُضخّم اشارة الانترنت للصوت قرب المناطق السكنيّة. وبعبارة أخرى، يصحح المودم المضخّم للصوت إشارة ضعيفة، ما يسمح لها بالوصول الى المستخدم بطريقة سليمة، ويزيد من قدرة النقل.

4 -على المشترك في خدمة «التيار الناقل للشبكة» أن يصل المودم الخاص به، بالمنفذ الكهربائي للمنزل، ما يخوّله تصفّح شبكة الانترنت التي يصبح تدفقها شديد السرعة.

«المهمّ أن تعمل هذه التقنيّة»

في قرية «لاهاي دو بوا» حققت تقنيّة «التيار الناقل للشبكة» أولى خطواتها كتكنولوجيا جديدة للانترنت المرتفعة السرعة، التي يحملها التيار الكهربائي. وبما أنّ مؤسسة «فرانس تيليكوم» تأخّرت في تركيب خطوط الانترنت السريعة في تلك البلدة، فقد تشجعت المناطق المجاورة، مثل مقاطعة «المانش» على اختبار تكنولوجيا «التيار الناقل للشبكة» فيها. وتقول مهندسة الشبكة في شركة «سي بي ال»، المتخصصة في نقل الانترنت كهربائياً، ماري كوزن: «يتمثل هدفنا في إتاحة الفرصة للمجموعات المحليّة لامتلاك شبكة مرتفعة السرعة، حيث يفشل الجميع في الوصول الى ذلك الامر راهناً».

ولتحقيق ذلك، تقترح كوزن ان تؤجّر «مؤسسة كهرباء فرنسا» بنيتها التحتيّة إلى المشغّلين المتخصصين بالنظام الجديد في نقل الانترنت. وكنموذج من هؤلاء، يمكن الحديث عن المهندس فابريس مينيون الذي يدخل إلى شبكة الانترنت عبر خطّ الانترنت السريع في منزله، ولكنه يستعمل «التيّار الناقل للشبكة» بصورة تجريبية في مركز عمله. وينظر فابريس باعجاب الى المستوى الراهن في تكنولوجيا «التيّار الناقل للشبكة». وفي المقابل، يعترف بأنّ تحميل الملفّات يجري في شكل أسرع في منزله حيث يستخدم خط الانترنت السريع. ويرى ان الامر سيتغيّر مستقبلاً. وفي مثال آخر، امكن الاشارة الى الاب لويس هوي، وهو كاهن ومسؤول عن 27 بلدة، يستعمل الانترنت لشراء الكتب والتواصل مع المطرانيّة أو للتراسل مع المجلة المحلية. وتعجبه السرعة التي يحصل عليها من «التيار الناقل للشبكة» راهناً. ولم يقرّر إذا كان سيشترك في تلك الخدمة، ام انه سيفضل عليها خطوط الانترنت السريعة، على رغم ارتفاع اسعارها!

وتشاركه في الراي ماري- كريستين ليموجي، التي تدير شركة مُتخصصة في الطباعة. وتقر ليموجي بأنها غير راضية عن نوعية الخدمة الهاتفية التي تحصل عليها من الشركة التي تزودها، في الوقت نفسه، بخط الانترنت السريع. وتُعلق على تجربتها مع تجربة وصول الانترنت بالتيار الكهربائي بطريقة ايجابية، تضيف: «في النهاية المهمّ هو أن تعمل هذه التقنيّة «. ويبدو أنّها تبلي بلاءً حسناً... حتى الآن.