عاد إلى البيت منهك القوى وكأنه قد أمضى يوما مضنيا في العمل.
يتردد قليلا عند دخوله تم يدير مفتاح الباب وفجأة يعلو صياح الأطفال
"بابا جي بابا جي".
يدخل البيت بخطوات مثقلة ، الأطفال تتبعه وهي تتجاذب أطراف ملابسه وكأنه وصل من سفر بعيد.
يبتسم لهم ابتسامة باهتة ثم يتجه نحو غرفته ليعود بعد أن استبدل ملابسه.
تسرع الزوجة لتضع بين يديه ما يسد رمقه فيتناول منه لقيمات سريعة يتبعهن بشربة ماء باردة بينما يسعى كل طفل على حده في محاولة يائسة لإحضار ما عنده من واجبات وما في رأسه من طلبات فتمطر عليه الأسئلة من كل جانب أسئلة إجابتها بين طيات الكتب وأخرى بين طيات المحفظة لكنه كان لا يحتمل الأولى ويتجاهل الأخيرة في أغلب الأحيان.
ويقضي بعضا من الوقت وهو يجيب على أيسرها ويهمل أهمها وتتكدس الكتب بين يديه وتزداد الأسئلة والاستفسارات … يغضب بسبب أو بدون سبب… يزمجر…يتناثر الزبد من بين شفتيه يقذف الكتب يمينا وشمالا يصفع الأول متهما إياه بالغباء ويسمع الآخر سيلا من العبارات النابية متهما إياه بالإهمال.
ويتناول مفاتيح سيارته ويخرج موصدا الباب خلفه بينما يزداد البكاء ويتعالى الصياح ولكن سرعان ما تتواري تلك الأصوات عندما تنطلق به السيارة بعيدا إلى حيت لا يدري.
وتقطر دمعة ساخنة تداعب خد الزوجة التعسة ولكن سرعان ما تمتد لها اليد في خفية لتزيلها خشية أن تلمحها عيون الأطفال الدامعة فيزداد الأمر سوءا.
وتمر الساعات تلوى الساعات وهو يجوب الشوارع والأزقة برفقة أمثاله في دوامة رفض القلم تدوينها.
ويعود آخر الليل ….يدير المفتاح وبدون تردد …. لا أحد يجيب الكل نيام.
ما اجمل الهدوء... يردد بصوت خافت ثم يتجه إلى حيت يلقي بجسده المتداعي على حافة السرير بينما تحملق الزوجة بعيونها تجاه السقف وكأنها تبحث عن شئ مفقود ثم تتمتم قائلة : اللهم ألهمنا الصبر والسلوان يا رب.
وتمر الأيام تسابق الرياح وهو يدري أو لا يدرى ويعود يوما إلى البيت متأخرا كعادته ويلفت نظره صحائف متناثرة على طاولة في زاوية من زوايا البيت.
يقترب منها مترددا…ويتناولها بأيدي مرتعشة يتصفح تلك الصحائف الواحدة تلوى الأخرى دوائر بالخطوط الحمراء تزين كل الخانات على اليمين وعبارات " ضعيف جدا " و" يحتاج إلى عناية " على اليسار.
تتساقط تلك الصحف من بين يديه كأنها تحاول الفرار منه يأخذ نفسا عميقا وكأنه لا يصدق ما يرى يعض بأسنانه على شفتيه يصدر عدة أحكام غيابية منطوقها الجلد مع النفاذ.
يصحو لبرهة من الزمن يردد بخجل " لا حول ولا قوة إلا بالله " عندها يرتفع صوت الحق من مسجد مجاور قبل أذان صلاة الصبح يتلو قوله تعالى من سورة الرعد
( إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم )
صدق الله العظيم
الروابط المفضلة