انتقلت منتديات لكِ النسائية إلى هذا الرابط:
منتديات لكِ النسائية
هذا المنتدى للقراءة فقط.


للبحث في شبكة لكِ النسائية:
عرض النتائج 1 الى 2 من 2

الموضوع: سلسلة تفسير القران 14 (الامام السعدي) سورة الْمُطَفِّفِينَ

  1. #1
    تاريخ التسجيل
    Oct 2012
    الردود
    118
    الجنس
    أنثى

    سلسلة تفسير القران 14 (الامام السعدي) سورة الْمُطَفِّفِينَ

    بسم الله الرحمن الرحيم
    السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
    اللهم صل على محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
    وَيْلٌ لِلْمُطَفِّفِينَ } يعني الذين ينقصون المكيال والميزان ويبخسون حقوق الناس. قال الزجاج: إنما قيل للذي ينقص المكيال والميزان: مطففُ لأنه لا يكاد يسرق في المكيال والميزان إلا الشيء اليسير الطفيف.
    أخبرنا أبو بكر يعقوب بن أحمد بن محمد علي الصيرفيُ حدثنا أبو محمد الحسن بن أحمد المخلديُ أخبرنا أبو حامد أحمد بن محمد بن الحسن الحافظُ حدثنا عبد الرحمن بن بشرُ حدثنا علي بن الحسين بن واقدُ حدثني أبيُ حدثني يزيد النحوي أن عكرمة حدثه عن ابن عباس قال: لما قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة كانوا من أخبث الناس كيلا فأنزل الله عز وجل: "ويل للمطففين" فأحسنوا الكيل (2) .
    وقال السدي: قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة وبها رجل يقال له: أبو جهينةُ ومعه صاعانُ يكيل بأحدهماُ ويكتال بالآخرُ فأنزل الله هذه الآية (3)
    __________

    (1) أخرج النحاس وابن مردويه عن ابن عباس قال: نزلت سورة المطففين بمكة وأخرج ابن مردويه عن ابن الزبير مثله. وأخرج ابن الضريس عن ابن عباس قال: آخر ما أنزل بمكة سورة المطففين. وأخرج ابن مردويه والبيهقي في "الدلائل" عن ابن عباس قال: أول ما نزل بالمدينة: "ويل للمطففين". انظر: الدر المنثور: 8 / 441.
    (2) أخرجه النسائي في التفسير: 2 / 502، وابن ماجه في التجارات، باب التوقي في الكيل والوزن برقم: (2223): 2 / 748، والطبري: 30 / 91، والواحدي في أسباب النزول صفحة: (520) وصححه الحاكم في المستدرك: 2 / 33 ووافقه الذهبي، وابن حبان في موارد الظمآن برقم: (1770) صفحة (438). وانظر: الدر المنثور: 8 / 441، وقد زاد عزوه للطبراني وابن مردويه والبيهقي في "الشعب". وانظر: الكافي الشاف صفحة: (182) الصحيح المسند من أسباب النزول صفحة (170).
    (3) انظر: أسباب النزول للواحدي ص(521) مجمع الزوائد: 7 / 135.
    الَّذِينَ إِذَا اكْتَالُوا عَلَى النَّاسِ يَسْتَوْفُونَ (2) وَإِذَا كَالُوهُمْ أَوْ وَزَنُوهُمْ يُخْسِرُونَ (3) أَلَا يَظُنُّ أُولَئِكَ أَنَّهُمْ مَبْعُوثُونَ (4) لِيَوْمٍ عَظِيمٍ (5) يَوْمَ يَقُومُ النَّاسُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ (6)
    فالله تعالى جعل الويل للمطففين. ثم بين أن المطففين من هم فقال:
    { الَّذِينَ إِذَا اكْتَالُوا عَلَى النَّاسِ يَسْتَوْفُونَ (2) وَإِذَا كَالُوهُمْ أَوْ وَزَنُوهُمْ يُخْسِرُونَ (3) أَلا يَظُنُّ أُولَئِكَ أَنَّهُمْ مَبْعُوثُونَ (4) لِيَوْمٍ عَظِيمٍ (5) يَوْمَ يَقُومُ النَّاسُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ (6) }
    { الَّذِينَ إِذَا اكْتَالُوا عَلَى النَّاسِ يَسْتَوْفُونَ } وأراد إذا اكتالوا من الناس أي أخذوا منهمُ و"مِنْ" و"على" متعاقبان.
    قال الزجاج: المعنى إذا اكتالوا من الناس استوفوا عليهم الكيل [الوزن] (1) [وأراد: الذين إذا اشتروا لأنفسهم استوفوا في الكيل والوزن] (2) .
    { وَإِذَا كَالُوهُمْ أَوْ وَزَنُوهُمْ يُخْسِرُونَ } أي كالوا لهم أو وزنوا لهم أي للناسُ يقال: وزنتك حقك وكلتك طعامكُ أي وزنت لك وكِلت لك كما يقال: نصحتك ونصحت لك وكسبتك وكسبت لك.
    قال أبو عبيدة: وكان عيسى بن عمر يجعلهما حرفين يقف على "كالوا ووزنوا" ويبتدئ "هم يخسرون" وقال أبو عبيدة: والاختيار الأول (3) يعني: أن كل واحدة كلمة واحدةُ لأنهم كتبوها بغير ألفُ ولو كانتا مقطوعتين لكانت: "كالوا [و] (4) وزنوا" بالألف كسائر الأفعال مثل جاءوا وقالوا: واتفقت المصاحف على إسقاط الألفُ ولأنه يقال في اللغة: كلتك ووزنتك كما يقال: كلت لك ووزنت لك. "يخسرون" أي ينقصونُ قال نافع: كان ابن عمر يمر بالبائع فيقول: اتق الله وأوف الكيل والوزنُ فإن المطففين يوقفون يوم القيامة حتى إن العرق ليلجمهم إلى أنصاف آذانهم.
    { أَلا يَظُنُّ } يستيقن { أُولَئِك } الذين يفعلون ذلك { أَنَّهُمْ مَبْعُوثُونَ لِيَوْمٍ عَظِيمٍ } يعني يوم القيامة.
    { يَوْمَ يَقُومُ النَّاسُ } [من قبورهم] (5) { لِرَبِّ الْعَالَمِينَ } أي لأمره ولجزائه ولحسابه.
    أخبرنا عبد الواحد المليحيُ أخبرنا أحمد بن عبد الله النعيميُ أخبرنا محمد بن يوسفُ حدثنا محمد بن إسماعيلُ أخبرنا إبراهيم بن المنذرُ أخبرنا معنُ حدثني مالكُ عن نافعُ عن عبد الله بن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "يقوم الناس لرب العالمين حتى يغيب أحدهم في رشحه إلى أنصاف
    __________
    (1) ساقط من "ب".
    (2) ما بين القوسين ساقط من "أ".
    (3) في "أ" الأولى.
    (4) في "ب" أو.
    (5) ساقط من "ب".
    (8/362)

    أذنيه" (1) .
    أخبرنا أبو بكر محمد بن عبد الله بن أبي توبة الكشميهنيُ أخبرنا أبو طاهر محمد بن أحمد بن الحارثُ حدثنا محمد بن يعقوب الكسائيُ حدثنا عبد الله بن محمودُ حدثنا إبراهيم بن عبد الله الخلالُ حدثنا عبد الله بن المباركُ عن عبد الرحمن بن يزيد بن جابرُ قال: [حدثني سليم بن عامر] (2) حدثني المقداد صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "إذا كان يوم القيامة أدنيت الشمس من العباد حتى تكون [قدر] (3) 187/أ ميل أو اثنين" -قال سليم: لا أدري أي الميلين يعني مسافة الأرض أو الميل الذي تكحل به العين؟ -قال: "فتصهرهم الشمس فيكون في العَرَق بقدر أعمالهمُ فمنهم من يأخذه إلى عقبيه ومنهم من يأخذه إلى ركبتيه ومنهم من يأخذه إلى حقويهُ ومنهم من يلجمه إلجامًا" فرأيت رسول الله صلى الله عليه وسلمُ وهو يشير بيده إلى فيه يقول: "ألجمه إلجامًا" (4) .
    __________
    (1) أخرجه البخاري في التفسير -تفسير سورة المطففين- 8 / 696 ، ومسلم في الجنة وصفة نعيمها وأهلها ، باب صفة يوم القيامة أعاذنا الله من أهوالها برقم : (2862): 4 / 2195 .
    (2) أخرجه البخاري في التفسير - تفسير سورة المطففين - 8 / 696، ومسلم في الجنة وصفة نعيمها وأهلها، باب صفة يوم القيامة أعاذنا الله من أهوالها برقم (2862) 4 / 2195.
    (3) في "ب" قيد.
    (4) أخرجه مسلم في الجنة، باب صفة يوم القيامة برقم: (2864) 4 / 2194، والمصنف في شرح السنة: 15 / 128-129.



    وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ (10) الَّذِينَ يُكَذِّبُونَ بِيَوْمِ الدِّينِ (11) وَمَا يُكَذِّبُ بِهِ إِلَّا كُلُّ مُعْتَدٍ أَثِيمٍ (12) إِذَا تُتْلَى عَلَيْهِ آَيَاتُنَا قَالَ أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ (13) كَلَّا بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِمْ مَا كَانُوا يَكْسِبُونَ (14) كَلَّا إِنَّهُمْ عَنْ رَبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَمَحْجُوبُونَ (15)
    كافر. وقيل: مختوم، بلغة حمير.
    { وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ (10) الَّذِينَ يُكَذِّبُونَ بِيَوْمِ الدِّينِ (11) وَمَا يُكَذِّبُ بِهِ إِلا كُلُّ مُعْتَدٍ أَثِيمٍ (12) إِذَا تُتْلَى عَلَيْهِ آيَاتُنَا قَالَ أَسَاطِيرُ الأوَّلِينَ (13) كَلا بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِمْ مَا كَانُوا يَكْسِبُونَ (14) كَلا إِنَّهُمْ عَنْ رَبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَمَحْجُوبُونَ (15) }
    { وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِّلْمُكَذِّبِينَ الَّذِينَ يُكَذِّبُونَ بِيَوْمِ الدِّينِ وَمَا يُكَذِّبُ بِهِ إِلا كُلُّ مُعْتَدٍ أَثِيمٍ إِذَا تُتْلَى عَلَيْهِ آَيَاتُنَا قَالَ أَسَاطِيرُ الأوَّلِينَ كَلا } قال مقاتل: أي لا يؤمنون، ثم استأنف فقال: { بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِمْ مَا كَانُوا يَكْسِبُونَ }
    أخبرنا أبو بكر محمد بن عبد الصمد الترابي، حدثنا أبو محمد عبد الله بن أحمد بن حمويه السرخسي، أخبرنا إبراهيم بن حزيم الشاشي، أخبرنا أبو محمد عبد (1) بن حميد الكَشي، حدثنا صفوان بن عيسى، عن ابن عجلان، عن القعقاع بن حكيم، عن أبي صالح، عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن المؤمن إذا أذنب كانت نكتة سوداء في قلبه، فإن تاب ونزع واستغفر صقل قلبه منها، وإن زاد زادت حتى تعلو قلبه" فذلك الران الذي ذكر الله في كتابه: "كلا بل ران على قلوبهم ما كانوا يكسبون" (2) .
    وأصل "الرين" الغلبة، يقال: رانت الخمر، على عقله تَرِين، رَيْنًا وريونًا إذا غلبت عليه فسكر. ومعنى الآية، غلبت على قلوبهم المعاصي وأحاطت بها. قال الحسن: هو الذنب على الذنب حتى يموت القلب. قال ابن عباس: "ران على قلوبهم" طبع عليها.
    { كَلا إِنَّهُمْ عَنْ رَبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ } يوم القيامة { لَمَحْجُوبُونَ } [قال ابن عباس: "كلا" يريد: لا يصدقون، ثم استأنف فقال: "إنهم عن ربهم يومئذ لمحجوبون"] (3) قال بعضهم: عن كرامته ورحمته [ممنوعون] (4) وقال قتادة: هو ألا ينظر إليهم ولا يزكيهم. وقال أكثر المفسرين: عن رؤيته
    __________

    (1) في الأصل: عبد الله.
    (2) أخرجه الترمذي في التفسير - تفسير سورة المطففين: 9 / 253-254 وقال: "هذا حديث حسن صحيح" والنسائي في التفسير: 2 / 505 وفي عمل اليوم الليلة صفحة (317) برقم (418) وابن ماجه في الزهد، باب ذكر الذنوب برقم (4244) 2 / 1418، والإمام أحمد: 2 / 297، والطبري: 30 / 98، وصححه الحاكم: 2 / 517 ووافقه الذهبي، وابن حبان برقم (1771) صفحة (439) والمصنف في شرح السنة: 5 / 89.
    (3) ما بين القوسين ساقط من "ب".
    (4) في "ب" ممنوعون.
    (8/365)

    ثُمَّ إِنَّهُمْ لَصَالُو الْجَحِيمِ (16) ثُمَّ يُقَالُ هَذَا الَّذِي كُنْتُمْ بِهِ تُكَذِّبُونَ (17) كَلَّا إِنَّ كِتَابَ الْأَبْرَارِ لَفِي عِلِّيِّينَ (18)
    قال الحسن: لو علم الزاهدون العابدون أنهم لا يرون ربهم في المعاد لزهقت أنفسهم في الدنيا.
    قال الحسين بن الفضل: كما حجبهم في الدنيا عن توحيده حجبهم في الآخرة عن رؤيته.
    وسئل مالك عن هذه الآية فقال: لما حجب [الله] (1) أعداءه فلم يروه تجلى لأوليائه حتى رأوه.
    وقال الشافعي رضي الله عنه: في قوله: "كلا إنهم عن ربهم يومئذ لمحجوبون" دلالة على أن أولياء الله يرون الله (2) .
    { ثُمَّ إِنَّهُمْ لَصَالُو الْجَحِيمِ (16) ثُمَّ يُقَالُ هَذَا الَّذِي كُنْتُمْ بِهِ تُكَذِّبُونَ (17) كَلا إِنَّ كِتَابَ الأبْرَارِ لَفِي عِلِّيِّينَ (18) }
    ثم أخبر أن الكفار مع كونهم محجوبين عن الله يدخلون النار فقال: { ثُمَّ إِنَّهُمْ لَصَالُو الْجَحِيمِ } لداخلو النار.
    { ثُمَّ يُقَالُ } أي تقول لهم الخزنة { هَذَا } أي هذا العذاب { الَّذِي كُنْتُمْ بِهِ تُكَذِّبُونَ }
    { كَلا } قال مقاتل: لا يؤمن بالعذاب الذي يصلاه. ثم بين محل كتاب الأبرار فقال: { إِنَّ كِتَابَ الأبْرَارِ لَفِي عِلِّيِّينَ } روينا عن البراء مرفوعا: "إن عليين في السماء السابعة تحت العرش" (3) .
    وقال ابن عباس: هو لوح من زبرجدة خضراء معلق تحت العرش أعمالهم مكتوبة فيه.
    وقال كعب وقتادة: هو قائمة العرش اليمنى.
    وقال عطاء عن ابن عباس: هو الجنة. وقال الضحاك: سدرة المنتهى.
    وقال بعض أهل المعاني: علو بعد علو وشرف بعد شرف، ولذلك جمعت بالياء والنون.
    وقال الفراء: هو اسم موضوع على صيغة الجمع، لا واحد له من لفظه، مثل عشرين وثلاثين (4) .

    __________
    (1) لفظ الجلالة ساقط من "ب".
    (2) قال الحافظ ابن كثير: 4 / 487: "وهذا الذي قاله الإمام الشافعي - رحمه الله - في غاية الحسن وهو استدلال بمفهوم هذه الآية. كما دل عليه منطوق قوله تعالى: (وجوه يومئذ ناضرة إلى ربها ناظرة) وكما دلت على ذلك الأحاديث الصحاح المتواترة في رؤية المؤمنين ربهم عز وجل في الدار الآخرة رؤية بالأبصار في عرصات القيامة وفي روضات الجنان الفاخرة".
    (3) انظر فيما سبق تخريج حديث البراء عند الآية السابعة من السورة ص 363.
    (4) انظر: معاني القرآن للفراء: 3 / 247.
    (8/366)

    وَمَا أَدْرَاكَ مَا عِلِّيُّونَ (19) كِتَابٌ مَرْقُومٌ (20) يَشْهَدُهُ الْمُقَرَّبُونَ (21) إِنَّ الْأَبْرَارَ لَفِي نَعِيمٍ (22) عَلَى الْأَرَائِكِ يَنْظُرُونَ (23) تَعْرِفُ فِي وُجُوهِهِمْ نَضْرَةَ النَّعِيمِ (24) يُسْقَوْنَ مِنْ رَحِيقٍ مَخْتُومٍ (25) خِتَامُهُ مِسْكٌ وَفِي ذَلِكَ فَلْيَتَنَافَسِ الْمُتَنَافِسُونَ (26)
    { وَمَا أَدْرَاكَ مَا عِلِّيُّونَ (19) كِتَابٌ مَرْقُومٌ (20) يَشْهَدُهُ الْمُقَرَّبُونَ (21) إِنَّ الأبْرَارَ لَفِي نَعِيمٍ (22) عَلَى الأرَائِكِ يَنْظُرُونَ (23) تَعْرِفُ فِي وُجُوهِهِمْ نَضْرَةَ النَّعِيمِ (24) يُسْقَوْنَ مِنْ رَحِيقٍ مَخْتُومٍ (25) خِتَامُهُ مِسْكٌ وَفِي ذَلِكَ فَلْيَتَنَافَسِ الْمُتَنَافِسُونَ (26) }
    { وَمَا أَدْرَاكَ مَا عِلِّيُّونَ كِتَابٌ مَرْقُومٌ } ليس بتفسير عليين، أي مكتوب أعمالهم، كما ذكرنا في كتاب الفجار. وقيل: كتب هناك ما أعد الله لهم من الكرامة، وهو معنى قول مقاتل: وقولهم: رقم لهم يخبر. وتقدير الآية [على] (1) التقديم والتأخير، مجازها: إن كتاب الأبرار [كتاب] (2) مرقوم في عليين، وهو محل الملائكة، ومثله إن كتاب الفجار كتاب مرقوم في سجين، وهو محل إبليس وجنده.
    { يَشْهَدُهُ الْمُقَرَّبُونَ } يعني الملائكة الذين هم في عليين، يشهدون ويحضرون ذلك المكتوب أو ذلك الكتاب إذا صعد به إلى عليين. { إِنَّ الأبْرَارَ لَفِي نَعِيمٍ عَلَى الأرَائِكِ يَنْظُرُونَ } إلى ما أعطاهم 187/ب الله من الكرامة والنعمة، وقال مقاتل: ينظرون إلى عدوهم كيف يعذبون.
    { تَعْرِفُ فِي وُجُوهِهِمْ نَضْرَةَ النَّعِيمِ } إذا رأيتهم عرفت أنهم من أهل النعمة مما ترى في وجوههم من النور والحسن والبياض، قال الحسن: النضرة في الوجه والسرور في القلب، وقرأ أبو جعفر ويعقوب: "تُعَرف" بضم التاء وفتح الراء على غير تسمية الفاعل "نُضْرةُ" رفع، وقرأ الباقون بفتح التاء وكسر الراء "نضرةَ" نصب.
    { يُسْقَوْنَ مِنْ رَحِيقٍ } خمر صافية طيبة. قال مقاتل: الخمر البيضاء. { مَخْتُوم } ختم ومنع من أن تمسه يد إلى أن يفك ختمه الأبرار، وقال مجاهد: "مختوم" أي مطين.
    { خِتَامُه } أي طينه { مِسْكٌ } كأنه ذهب إلى هذا المعنى، قال ابن زيد: ختامه عند الله مسك، وختام [خمر] (3) الدنيا طين. وقال ابن مسعود: "مختوم" أي ممزوج ختامه أي: آخر طعمه

    __________
    (1) ليست في النسختين، والسياق يقتضيها.
    (2) زيادة من "ب".
    (3) ساقط من "أ".
    (8/367)

    وَمِزَاجُهُ مِنْ تَسْنِيمٍ (27) عَيْنًا يَشْرَبُ بِهَا الْمُقَرَّبُونَ (28) إِنَّ الَّذِينَ أَجْرَمُوا كَانُوا مِنَ الَّذِينَ آَمَنُوا يَضْحَكُونَ (29)
    وعاقبته مسك، فالمختوم الذي له ختام، أي آخر، وخَتْم كل شيء الفراغ منه. وقال قتادة: يمزج لهم بالكافور ويختم بالمسك.
    وقراءة العامة "ختامه مسك" بتقديم التاء، وقرأ الكسائي "خاتمه" وهي قراءة علي وعلقمة، ومعناهما واحد، كما يقال: فلان كريم [الطابع والطباع] (1) والختام والخاتم، آخر كل شيء.
    { وَفِي ذَلِكَ فَلْيَتَنَافَسِ الْمُتَنَافِسُونَ } فليرغب الراغبون بالمبادرة إلى طاعة الله عز وجل. وقال مجاهد: فليعمل العاملون، [نظيره قوله تعالى: "لمثل هذا فليعمل العاملون" (الصافات-61) ] (2) وقال مقاتل بن سليمان: فليتنازع المتنازعون وقال عطاء: فليستبق المستبقون، وأصله من الشيء النفيس الذي تحرص عليه نفوس الناس، ويريده كل أحد لنفسه وينفس به على غيره، أي يَضِنُّ.
    { وَمِزَاجُهُ مِنْ تَسْنِيمٍ (27) عَيْنًا يَشْرَبُ بِهَا الْمُقَرَّبُونَ (28) إِنَّ الَّذِينَ أَجْرَمُوا كَانُوا مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا يَضْحَكُونَ (29) }
    { وَمِزَاجُهُ مِنْ تَسْنِيمٍ } شرب ينصبُّ عليهم من علو في غرفهم ومنازلهم، وقيل: يجري [في الهواء متسنما فينصبّ] (3) في أواني أهل الجنة على قدر ملئها، فإذا امتلأت أمسك. وهذا معنى قول قتادة.
    وأصل كلمة من العلو، يقال للشيء المرتفع: سنام، ومنه: سنام البعير. قال الضحاك: هو شرار اسمه تسنيم، وهو أشرف الشراب.
    قال ابن مسعود وابن عباس: هو خالص [للمؤمنين] (4) المقربين يشربونها صرفا ويمزج لسائر أهل الجنة. وهو قوله: "ومزاجه من تسنيم عينا يشرب بها المقربون".
    وروى يوسف بن مهران عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه سئل عن قوله: "من تسنيم"؟ قال: هذا مما قال الله تعالى: "فلا تعلم نفس ما أخفي لهم من قرة أعين" (5) (السجدة-17) .
    { عَيْنًا } نصب على الحال { يشرب بها } أي منها وقيل: يشرب بها المقربون صرفًا. قوله عز وجل: { إِنَّ الَّذِينَ أَجْرَمُوا } أشركوا، يعني كفار قريش: أبا جهل، والوليد بن المغيرة، والعاص بن وائل، وأصحابهم من مترفي مكة { كَانُوا مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا } عمار، وخباب،
    __________
    (1) في "أ" الطبع والطابع والصواب ما أثبتناه من "ب" وهوعند الفراء كذلك: 3 / 248.
    (2) ما بين القوسين ساقط من "أ".
    (3) ما بين القوسين ساقط من "ب".
    (4) ساقط من "ب".
    (5) عزاه السيوطي في الدر المنثور: 8 / 452 لعبد بن حميد وابن المنذر.
    (8/368)

    وَإِذَا مَرُّوا بِهِمْ يَتَغَامَزُونَ (30) وَإِذَا انْقَلَبُوا إِلَى أَهْلِهِمُ انْقَلَبُوا فَكِهِينَ (31) وَإِذَا رَأَوْهُمْ قَالُوا إِنَّ هَؤُلَاءِ لَضَالُّونَ (32) وَمَا أُرْسِلُوا عَلَيْهِمْ حَافِظِينَ (33) فَالْيَوْمَ الَّذِينَ آَمَنُوا مِنَ الْكُفَّارِ يَضْحَكُونَ (34)
    وصهيب، وبلال، وأصحابهم من فقراء المؤمنين. { يَضْحَكُونَ } وبهم يستهزؤن.
    { وَإِذَا مَرُّوا بِهِمْ يَتَغَامَزُونَ (30) وَإِذَا انْقَلَبُوا إِلَى أَهْلِهِمُ انْقَلَبُوا فَكِهِينَ (31) وَإِذَا رَأَوْهُمْ قَالُوا إِنَّ هَؤُلاءِ لَضَالُّونَ (32) وَمَا أُرْسِلُوا عَلَيْهِمْ حَافِظِينَ (33) فَالْيَوْمَ الَّذِينَ آمَنُوا مِنَ الْكُفَّارِ يَضْحَكُونَ (34) }


  2. #2
    تاريخ التسجيل
    Oct 2012
    الردود
    118
    الجنس
    أنثى
    بسم الله الرحمن الرحيم
    السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
    اللهم صل على محمد وعلى آله وصحبه أجمعين

    اعتذر
    هذا تفسير سورة المططففين للبغو ي اما تفسير الامام السعدي لسورة الممطففين


    وَيْلٌ لِلْمُطَفِّفِينَ (1) الَّذِينَ إِذَا اكْتَالُوا عَلَى النَّاسِ يَسْتَوْفُونَ (2) وَإِذَا كَالُوهُمْ أَوْ وَزَنُوهُمْ يُخْسِرُونَ (3) أَلَا يَظُنُّ أُولَئِكَ أَنَّهُمْ مَبْعُوثُونَ (4) لِيَوْمٍ عَظِيمٍ (5) يَوْمَ يَقُومُ النَّاسُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ (6)
    { 1 - 6 } { بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ وَيْلٌ لِلْمُطَفِّفِينَ * الَّذِينَ إِذَا اكْتَالُوا عَلَى النَّاسِ يَسْتَوْفُونَ * وَإِذَا كَالُوهُمْ أَوْ وَزَنُوهُمْ يُخْسِرُونَ * أَلا يَظُنُّ أُولَئِكَ أَنَّهُمْ مَبْعُوثُونَ * لِيَوْمٍ عَظِيمٍ * يَوْمَ يَقُومُ النَّاسُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ } .
    { وَيْلٌ } كلمة عذاب، ووعيد (1) { لِلْمُطَفِّفِينَ }
    وفسر الله المطففين بقوله (2) { الَّذِينَ إِذَا اكْتَالُوا عَلَى النَّاسِ } أي: أخذوا منهم وفاء عما ثبت لهم قبلهم { يَسْتَوْفُونَ } يستوفونه كاملا من غير نقص.
    { وَإِذَا كَالُوهُمْ أَوْ وَزَنُوهُمْ } أي: إذا أعطوا الناس حقهم، الذي للناس (3) عليهم بكيل أو وزن، { يُخْسِرُونَ } أي: ينقصونهم ذلك، إما بمكيال وميزان ناقصين، أو بعدم ملء المكيال والميزان، أو نحو ذلك. فهذا سرقة [لأموال] الناس (4) ، وعدم إنصاف [لهم] منهم.
    وإذا كان هذا الوعيد (5) على الذين يبخسون الناس بالمكيال والميزان، فالذي يأخذ أموالهم قهرًا أو سرقة، أولى بهذا الوعيد من المطففين.
    ودلت الآية الكريمة، على أن الإنسان كما يأخذ من الناس الذي له، يجب عليه أن يعطيهم كل ما لهم من الأموال والمعاملات، بل يدخل في [عموم هذا] (6) الحجج والمقالات، فإنه كما أن المتناظرين قد جرت العادة أن كل واحد [منهما] يحرص على ماله من الحجج، فيجب عليه أيضًا أن يبين ما لخصمه من الحجج (7) [التي لا يعلمها]، وأن ينظر في أدلة خصمه كما ينظر في أدلته هو، وفي هذا الموضع يعرف إنصاف الإنسان من تعصبه واعتسافه، وتواضعه من كبره، وعقله من سفهه، نسأل الله التوفيق لكل خير.
    ثم توعد تعالى المطففين، وتعجب من حالهم وإقامتهم على ما هم عليه، فقال: { أَلا يَظُنُّ أُولَئِكَ أَنَّهُمْ مَبْعُوثُونَ لِيَوْمٍ عَظِيمٍ يَوْمَ يَقُومُ النَّاسُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ } فالذي جرأهم على التطفيف عدم إيمانهم باليوم الآخر، وإلا فلو آمنوا به، وعرفوا أنهم يقومون بين يدى الله، يحاسبهم (8) على القليل والكثير، لأقلعوا عن ذلك وتابوا منه.
    __________
    (1) في ب: وعقاب
    (2) في ب: بأنهم.
    (3) في ب: لهم.
    (4) كذا في ب، وفي أ: سرقة للناس.
    (5) في ب: وعيدًا.
    (6) في ب: يدخل في ذلك.
    (7) في ب: الحجة.
    (8) في ب: أنهم سيقومون بين يدي الله فيحاسبهم.

    كَلَّا إِنَّ كِتَابَ الْفُجَّارِ لَفِي سِجِّينٍ (7) وَمَا أَدْرَاكَ مَا سِجِّينٌ (8) كِتَابٌ مَرْقُومٌ (9) وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ (10) الَّذِينَ يُكَذِّبُونَ بِيَوْمِ الدِّينِ (11) وَمَا يُكَذِّبُ بِهِ إِلَّا كُلُّ مُعْتَدٍ أَثِيمٍ (12) إِذَا تُتْلَى عَلَيْهِ آَيَاتُنَا قَالَ أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ (13) كَلَّا بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِمْ مَا كَانُوا يَكْسِبُونَ (14) كَلَّا إِنَّهُمْ عَنْ رَبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَمَحْجُوبُونَ (15) ثُمَّ إِنَّهُمْ لَصَالُو الْجَحِيمِ (16) ثُمَّ يُقَالُ هَذَا الَّذِي كُنْتُمْ بِهِ تُكَذِّبُونَ (17)
    { 7 - 17 } { كَلا إِنَّ كِتَابَ الْفُجَّارِ لَفِي سِجِّينٍ * وَمَا أَدْرَاكَ مَا سِجِّينٌ * كِتَابٌ مَرْقُومٌ * وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ * الَّذِينَ يُكَذِّبُونَ بِيَوْمِ الدِّينِ * وَمَا يُكَذِّبُ بِهِ إِلا كُلُّ مُعْتَدٍ أَثِيمٍ * إِذَا تُتْلَى عَلَيْهِ آيَاتُنَا قَالَ أَسَاطِيرُ الأوَّلِينَ * كَلا بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِمْ مَا كَانُوا يَكْسِبُونَ * كَلا إِنَّهُمْ عَنْ رَبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَمَحْجُوبُونَ * ثُمَّ إِنَّهُمْ لَصَالُو الْجَحِيمِ * ثُمَّ يُقَالُ هَذَا الَّذِي كُنْتُمْ بِهِ تُكَذِّبُونَ } .
    يقول تعالى: { كَلا إِنَّ كِتَابَ الْفُجَّارِ } [وهذا شامل لكل فاجر] من أنواع الكفرة والمنافقين، والفاسقين { لَفِي سِجِّينٍ }
    ثم فسر ذلك بقوله: { وَمَا أَدْرَاكَ مَا سِجِّينٌ كِتَابٌ مَرْقُومٌ } أي: كتاب مذكور فيه أعمالهم الخبيثة، والسجين: المحل الضيق الضنك، و { سجين } ضد { عليين } الذي هو محل كتاب الأبرار، كما سيأتي.
    وقد قيل: إن { سجين } هو أسفل الأرض السابعة، مأوى الفجار ومستقرهم في معادهم.
    { وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ } ثم بين المكذبين بأنهم (1) { الَّذِينَ يُكَذِّبُونَ بِيَوْمِ الدِّينِ } أي: يوم الجزاء، يوم يدين الله فيه الناس بأعمالهم.
    { وَمَا يُكَذِّبُ بِهِ إِلا كُلُّ مُعْتَدٍ } على محارم الله، متعد من الحلال إلى الحرام.
    { أَثِيمٍ } أي كثير الإثم، فهذا الذي يحمله عدوانه على التكذيب، ويحمله [عدوانه على التكذيب ويوجب له] كبره رد الحق، ولهذا { إِذَا تُتْلَى عَلَيْهِ آيَاتُنَا } الدالة على الحق، و[على] صدق ما جاءت به رسله، كذبها وعاندها، و { قَالَ } هذه { أَسَاطِيرُ الأوَّلِينَ } أي: من ترهات المتقدمين، وأخبار الأمم الغابرين، ليس من عند الله تكبرا وعنادا.
    وأما من أنصف، وكان مقصوده الحق المبين، فإنه لا يكذب بيوم الدين، لأن الله قد أقام عليه من الأدلة القاطعة، والبراهين الساطعة، ما يجعله حق اليقين، وصار لقلوبهم مثل الشمس للأبصار (2) ، بخلاف من ران على قلبه كسبه، وغطته معاصيه، فإنه محجوب عن الحق، ولهذا جوزي على ذلك، بأن حجب عن الله، كما حجب قلبه في الدنيا عن آيات الله، { ثُمَّ إِنَّهُمْ } مع هذه العقوبة البليغة { لَصَالُوا الْجَحِيمِ } ثم يقال لهم توبيخا [ ص 916 ] وتقريعًا: هَذَا الَّذِي كُنْتُمْ بِهِ تُكَذِّبُونَ } فذكر لهم ثلاثة أنواع من العذاب: عذاب الجحيم، وعذاب التوبيخ، واللوم.
    وعذاب الحجاب من رب العالمين، المتضمن لسخطه وغضبه عليهم، وهو أعظم عليهم من عذاب النار، ودل مفهوم الآية، على أن المؤمنين يرون ربهم يوم القيامة وفي الجنة، ويتلذذون بالنظر إليه أعظم من سائر اللذات، ويبتهجون بخطابه، ويفرحون بقربه، كما ذكر الله ذلك في عدة آيات من القرآن، وتواتر فيه النقل عن رسول الله.
    وفي هذه الآيات، التحذير من الذنوب، فإنها ترين على القلب وتغطيه شيئا فشيئا، حتى ينطمس نوره، وتموت بصيرته، فتنقلب عليه الحقائق، فيرى الباطل حقًا، والحق باطلا وهذا من بعض (3) عقوبات الذنوب.
    __________
    (1) في ب: ثم بينهم بقوله.
    (2) في ب: وصار لبصائرهم بمنزلة الشمس للأبصار.
    (3) في ب/ من أعظم.
    (1/915)

    كَلَّا إِنَّ كِتَابَ الْأَبْرَارِ لَفِي عِلِّيِّينَ (18) وَمَا أَدْرَاكَ مَا عِلِّيُّونَ (19) كِتَابٌ مَرْقُومٌ (20) يَشْهَدُهُ الْمُقَرَّبُونَ (21) إِنَّ الْأَبْرَارَ لَفِي نَعِيمٍ (22) عَلَى الْأَرَائِكِ يَنْظُرُونَ (23) تَعْرِفُ فِي وُجُوهِهِمْ نَضْرَةَ النَّعِيمِ (24) يُسْقَوْنَ مِنْ رَحِيقٍ مَخْتُومٍ (25) خِتَامُهُ مِسْكٌ وَفِي ذَلِكَ فَلْيَتَنَافَسِ الْمُتَنَافِسُونَ (26) وَمِزَاجُهُ مِنْ تَسْنِيمٍ (27)
    { 18 - 27 } { كَلا إِنَّ كِتَابَ الأبْرَارِ لَفِي عِلِّيِّينَ * وَمَا أَدْرَاكَ مَا عِلِّيُّونَ * كِتَابٌ مَرْقُومٌ * يَشْهَدُهُ الْمُقَرَّبُونَ * إِنَّ الأبْرَارَ لَفِي نَعِيمٍ * عَلَى الأرَائِكِ يَنْظُرُونَ * تَعْرِفُ فِي وُجُوهِهِمْ نَضْرَةَ النَّعِيمِ * يُسْقَوْنَ مِنْ رَحِيقٍ مَخْتُومٍ * خِتَامُهُ مِسْكٌ وَفِي ذَلِكَ فَلْيَتَنَافَسِ الْمُتَنَافِسُونَ * وَمِزَاجُهُ مِنْ تَسْنِيمٍ } .
    لما ذكر أن كتاب الفجار في أسفل الأمكنة وأضيقها، ذكر أن كتاب الأبرار في أعلاها وأوسعها، وأفسحها وأن كتابهم المرقوم { يَشْهَدُهُ الْمُقَرَّبُونَ } من الملائكة الكرام، وأرواح الأنبياء، والصديقين والشهداء، وينوه الله بذكرهم في الملأ الأعلى، و { عليون } اسم لأعلى الجنة، فلما ذكر كتابهم، ذكر أنهم في نعيم، وهو اسم جامع لنعيم القلب والروح والبدن، { عَلَى الأرَائِكِ } أي: [على] السرر المزينة بالفرش الحسان.
    { يَنْظُرُونَ } إلى ما أعد الله لهم من النعيم، وينظرون إلى وجه ربهم الكريم، { تَعْرِفُ } أيها الناظر إليهم { فِي وُجُوهِهِمْ نَضْرَةَ النَّعِيمِ } أي: بهاء النعيم (1) ونضارته ورونقه، فإن توالي اللذة والسرور (2) يكسب الوجه نورًا وحسنًا وبهجة.
    { يُسْقَوْنَ مِنْ رَحِيقٍ } وهو من أطيب ما يكون من الأشربة وألذها، { مَخْتُومٍ }
    ذلك الشراب { خِتَامُهُ مِسْكٌ } يحتمل أن المراد مختوم عن أن يداخله شيء ينقص لذته، أو يفسد طعمه، وذلك الختام، الذي ختم به، مسك.
    ويحتمل أن المراد أنه [الذي] يكون في آخر الإناء، الذي يشربون منه الرحيق حثالة، وهي المسك الأذفر، فهذا الكدر منه، الذي جرت العادة في الدنيا أنه يراق، يكون في الجنة بهذه المثابة، { وَفِي ذَلِكَ } النعيم المقيم، الذي لا يعلم حسنه ومقداره إلا الله، { فَلْيَتَنَافَسِ الْمُتَنَافِسُونَ } أي: يتسابقوا في المبادرة إليه بالأعمال الموصلة إليه، فهذا أولى ما بذلت فيه نفائس الأنفاس، وأحرى ما تزاحمت للوصول إليه فحول الرجال.
    __________
    (1) في ب: أي بهاءه.
    (2) في ب: فإن توالي اللذات والمسرات والأفراح.
    (1/916)

    عَيْنًا يَشْرَبُ بِهَا الْمُقَرَّبُونَ (28)
    { 27 - 28 } ومزاج هذا الشراب من تسنيم، وهي عين { يَشْرَبُ بِهَا الْمُقَرَّبُونَ } صرفا، وهي أعلى أشربة الجنة على الإطلاق، فلذلك كانت خالصة للمقربين، الذين هم أعلى الخلق منزلة، وممزوجة لأصحاب اليمين أي: مخلوطة بالرحيق وغيره من الأشربة اللذيذة.
    (1/916)

    إِنَّ الَّذِينَ أَجْرَمُوا كَانُوا مِنَ الَّذِينَ آَمَنُوا يَضْحَكُونَ (29) وَإِذَا مَرُّوا بِهِمْ يَتَغَامَزُونَ (30) وَإِذَا انْقَلَبُوا إِلَى أَهْلِهِمُ انْقَلَبُوا فَكِهِينَ (31) وَإِذَا رَأَوْهُمْ قَالُوا إِنَّ هَؤُلَاءِ لَضَالُّونَ (32) وَمَا أُرْسِلُوا عَلَيْهِمْ حَافِظِينَ (33) فَالْيَوْمَ الَّذِينَ آَمَنُوا مِنَ الْكُفَّارِ يَضْحَكُونَ (34)
    { 29 - 36 } { إِنَّ الَّذِينَ أَجْرَمُوا كَانُوا مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا يَضْحَكُونَ * وَإِذَا مَرُّوا بِهِمْ يَتَغَامَزُونَ * وَإِذَا انْقَلَبُوا إِلَى أَهْلِهِمُ انْقَلَبُوا فَكِهِينَ * وَإِذَا رَأَوْهُمْ قَالُوا إِنَّ هَؤُلاءِ لَضَالُّونَ * وَمَا أُرْسِلُوا عَلَيْهِمْ حَافِظِينَ * فَالْيَوْمَ الَّذِينَ آمَنُوا مِنَ الْكُفَّارِ يَضْحَكُونَ } .
    لما ذكر تعالى جزاء المجرمين وجزاء المؤمنين (1) و [ذكر] ما بينهما من التفاوت العظيم، أخبر أن المجرمين كانوا في الدنيا يسخرون بالمؤمنين، ويستهزئون بهم، ويضحكون منهم، ويتغامزون بهم عند مرورهم عليهم، احتقارا لهم وازدراء، ومع هذا تراهم مطمئنين، لا يخطر الخوف على بالهم، { وَإِذَا انْقَلَبُوا إِلَى أَهْلِهِمُ } صباحًا أو مساء { انْقَلَبُوا فَكِهِينَ } أي: مسرورين مغتبطين (2) ، وهذا من أعظم (3) ما يكون من الاغترار، أنهم جمعوا بين غاية الإساءة والأمن (4) في الدنيا، حتى كأنهم قد جاءهم كتاب من الله وعهد، أنهم من أهل السعادة، وقد حكموا لأنفسهم أنهم أهل الهدى، وأن المؤمنين ضالون، افتراء على الله، وتجرأوا على القول عليه بلا علم.
    قال تعالى: { وَمَا أُرْسِلُوا عَلَيْهِمْ حَافِظِينَ } أي: وما أرسلوا وكلاء على المؤمنين ملزمين بحفظ أعمالهم، حتى يحرصوا على رميهم بالضلال، وما هذا منهم إلا تعنت وعناد وتلاعب، ليس له مستند ولا برهان، ولهذا كان جزاؤهم في الآخرة من جنس عملهم، قال تعالى: { فَالْيَوْمَ } أي: يوم القيامة، { الَّذِينَ آمَنُوا مِنَ الْكُفَّارِ يَضْحَكُونَ } حين يرونهم في غمرات العذاب يتقلبون، وقد ذهب عنهم ما كانوا يفترون، والمؤمنون في غاية الراحة والطمأنينة .
    __________
    (1) في ب: المحسنين.
    (2) كذا في ب، وفي أ: مغبوطين.
    (3) في ب: وهذا أشد.
    (4) في ب: مع الأمن.
    عَلَى الْأَرَائِكِ يَنْظُرُونَ (35) هَلْ ثُوِّبَ الْكُفَّارُ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ (36)
    { عَلَى الأرَائِكِ يَنْظُرُونَ * هَلْ ثُوِّبَ الْكُفَّارُ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ } .
    { عَلَى الأرَائِكِ } وهي السرر المزينة، { يُنْظَرُونَ } إلى ما أعد الله لهم من النعيم، وينظرون إلى وجه ربهم الكريم.
    { هَلْ ثُوِّبَ الْكُفَّارُ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ } أي: هل جوزوا من جنس عملهم؟
    فكما ضحكوا في الدنيا من المؤمنين ورموهم بالضلال، ضحك المؤمنون منهم في الآخرة، ورأوهم (1) في العذاب والنكال، الذي هو عقوبة الغي والضلال.
    [ ص 917 ]
    نعم، ثوبوا ما كانوا يفعلون، عدلا من الله وحكمة، والله عليم حكيم.

    __________
    (1) في ب: حين رأوهم.

مواضيع مشابهه

  1. سلسلة تفسير القران 13 (الامام السعدي) سورة الانشقاق
    بواسطة كلنالله في دار لكِ لـ تحفيظ القرآن
    الردود: 0
    اخر موضوع: 19-08-2016, 12:13 AM
  2. سلسلة تفسير القران 12(الامام السعدي) سورة البروج
    بواسطة كلنالله في دار لكِ لـ تحفيظ القرآن
    الردود: 0
    اخر موضوع: 19-08-2016, 12:07 AM
  3. سلسلة تفسير القران 11 (الامام السعدي) سورة الطارق والأعلي
    بواسطة كلنالله في دار لكِ لـ تحفيظ القرآن
    الردود: 0
    اخر موضوع: 18-08-2016, 11:52 PM
  4. الردود: 0
    اخر موضوع: 04-08-2016, 10:00 PM
  5. سلسلة تفسير القران 1 (الامام السعدي)من سورة الاخلاص الي الناس
    بواسطة كلنالله في دار لكِ لـ تحفيظ القرآن
    الردود: 0
    اخر موضوع: 03-08-2016, 09:58 PM

أعضاء قرؤوا هذا الموضوع: 0

There are no members to list at the moment.

الروابط المفضلة

الروابط المفضلة
لكِ | مطبخ لكِ