بسم الله الرحمن الرحيم
ياأيها الإنسان ألم تتفكر يوما في نفسك كيف جئت
ومما خلقت وأين كنت ؟
ألم تسال نفسك يوماً متديراً ومتعقلاً مبصراً لـ نفسك
لكي تتجلى لك عظمة الخالق الواحد اللأحد بقدرته على خلقك
وأي خلق إنه خلقك من عدم
يقول الله تعالى:
" وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ مِنْ سُلَالَةٍ مِنْ طِينٍ (12)
ثُمَّ جَعَلْنَاهُ نُطْفَةً فِي قَرَارٍ مَكِينٍ (13)
ثُمَّ خَلَقْنَا النُّطْفَةَ عَلَقَةً فَخَلَقْنَا الْعَلَقَةَ مُضْغَةً
فَخَلَقْنَا الْمُضْغَةَ عِظَامًا فَكَسَوْنَا الْعِظَامَ لَحْمًا
ثُمَّ أَنْشَأْنَاهُ خَلْقًا آَخَرَ فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ (14)
ثُمَّ إِنَّكُمْ بَعْدَ ذَلِكَ لَمَيِّتُونَ (15)
ثُمَّ إِنَّكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ تُبْعَثُونَ "
المؤمنون:12-16.
دعونا نتفكر بهذا الآية جيداً ونتدبرها ونعقلها
كانت بداية خلقنا نطفة ثم علقة ثم مضغة ثم لحماً وعظماً
فلننظر إلى أنفسنا نظرة ولنعلم قدرة وعظمة الخالق المبدع
الذي جعلنا نتنقل من حال النقص إلى حال الكمال
وأننا لا نقدر على أن نحدث في أنفسنا التغير للأفضل
أو أن نصل إلى كمال العقل والبلوغ والشدة
ولا أن نحدث في أنفسنا زيادة عضواً من الأعضاء
ولا من الجوارح جارحة ولا في تنقلنا
بين الطفولة والشباب والكهولة والشيخوخة
فيدل كل هذا ضعفنا ونقصنا وعدم قدرتنا
فلنعلم أننا لا نقدر على تلك الأفعال بأنفسنا
وأن له صانعاً صنعه وناقلًا نَقَلَهُ من حالٍ إلى حالٍ،
ولولا ذلك لم تتبدلْ أحوالُه بلا ناقلٍ ولا مدبرٍ
بل إنه الله الواحد الأحد القادر على كل شيئ
قادرٌ على خلقنا وبعثنا وتسوية خُلقنا
وتبديل أحوالنا وتقلبنا .
وقالَ بعضُ الحكماءِ: إن كلَّ شيءٍ في العالمِ الكبيرِ
له نظيرٌ في العالمِ الصغيرِ الذي هو بدنُ الإنسانِ
ولذلك قال تعالى:
﴿وَفِي أَنْفُسِكُمْ أَفَلَا تُبْصِرُونَ﴾
[الذرايات:21].
السمعُ والبصرُ بمنزلة الشمس والقمر في إدراك المجكات بها
وأعضاؤه تصير عند البلى تراباً من جنس الأرض
وفيه من جنس الماء العرقُ وسائر رطوبات البدن
ومن جنس الهواء فيه الروحُ والنفس
ومن جنس النار فيه المرة الصفراء
وعروقه بمنزلة الأنهار في الأرض
وكبده بمنزلة العيون التي تستمد منها الأنهار
لأن العروق تستمد من الكبد
ومثانته بمنزلة البحر لانصباب ما في أوعية البدن إليها كما
تنصبالأنهار إلى البحر
وعظامه بمنزلة الجبال التي هي أوتاد الأرض
وأعضاؤه كالأشجار فكما أن لكل شجرة ورقاً وثمراً فلكل عضو فعل أو أثرٌ
والشعر على البدن بمنزلة النبات والحشيش على الأرض
ثم إن الإنسان يحكي بلسانه كل صوت حيوان
ويحاكي بأعضائه صنع كل حيوان
فهو العالمُ الصغيرُ مع العالمِ الكبيرِ،
مخلوقٌ مُحدَثٌ لصانعٍ واحدٍ لا إلهَ إلا هُو.
قال قتادةُ في قولِه تعالى:
﴿وَفِي أَنْفُسِكُمْ أَفَلَا تُبْصِرُونَ﴾
قالَ: «من تفَكَّرَ في نفسِه علِمَ أنَّه خُلِقَ ليَعْبُدَ اللهَ»
وقيلَ المعنى:
وفي خلقِ أنفسِكم من نطفةٍ وعلقةٍ ومُضْغةٍ
ولحمٍ وعظمٍ إلى نفخِ الروحِ، وفي اختلافِ الألسنةِ والألوانِ
والصورِ إلى غيرِ ذلكَ من الآياتِ الباطنةِ والظاهرةِ،
وحسبُكَ بالقلوبِ وما ركَزَ فيها من العقولِ،
وما خُصَّت به من أنواعِ المعاني والفنونِ، وبالألسنِ والنطقِ
ومخارجِ الحروفِ، والأبصارِ والأطرافِ، وسائرِ الجوارحِ،
وتأتيها لما خُلقتْ له، وما سوَّى في الأعضاءِ من المفاصلِ
للانعطافِ والتثَنِّي ﴿فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ﴾
[المؤمنون:14]،
وقوله: ﴿أَفَلَا تُبْصِرُونَ﴾
يعني بَصَرَ القلبِ، ليعرِفُوا كمال قدرة الخالق.
فلـ نتأمل في ذاتنا ولـ نتفكر في صفاتنا لـ تظهر لنا
عظمة بارئنا وآياته المبدعة الباهرة
فسبحانه من رب لا يُضاهي ومنان لا يحصى كرمه ولا يتناهى
ونحن سابحون في تيار من بحر جوده
وقاصرون عن إقامة شكره
فسبحانه ما أتم عظيمه وما أعظم نعيمه ورحمته
يعتني بنا ولا نؤدي شكر نعمته
وعبادته على أفضل صورة
كما أحسن خَلقنا وخُلقنا .
![]()
الروابط المفضلة