كنت أبحث عنهم فيّ ولا أجد شيئا يذكر ..
وأشعر أن وهج الأضواء يخبو بذكرهم
وكأن هالة النور تلك التي كانت تحيط بهم في قلبي رحلت ، وأخذتهم معها
كنت - كعادتي السيئة - أفتش في الذكريات وأنبش الماضي ..
لعلي أجد قبسا من ودٍ أو شعاعا من نور
ولكن العتمة كانت تخنق المكان وتحيط به
كانت رائحة الذكريات معهم بشعة ، وذاك الضوء الضعيف الذي يرشدني إلى طريقي بين تلك الذكريات يخبو شيئا فشيئا
كانت الصور تتناثر على الأرض مهترئة مصفرة وكأنما مرت عليها عشرات السنين
تبدو الملامح مبهمة والابتسامات تتحول إلى تجهمات كريهة
لم أكن موجودة في أي صورة منها وكنت أتساءل أين رحلت ؟
كانوا يحتضنون الفراغ ويمسكون بالخواء في تلك الصور المتناثرة
كانوا يبتسمون بقرب اللاشيء وتمتد أياديهم لتشير أمام العدسة إلى .. لا أحد !
وكنت أمسك بصورة تلو الأخرى لعلي أميّز ملامحهم أو أتذكرهم فلا أستطيع
كنت أشعر أنني لم أعرف هؤلاء قط ، وبدأ شيء من الاستغراب يحيط بي
فإذا لم أكن قد عرفتهم قبلا ، لِمَ وجدتُ تلك الغرفة المعنونة بأسمائهم بين غرف الذكريات في قلبي ؟
وعلى مقربة مني سمعت صوتا خافتا فالتفت ناحية مصدره
ورأيت مقطعا يعرض على شاشة صغيرة يغطيها التراب
تربعت على الأرض مسندة خدي إلى كفي وأنا أتأمل ذاك المقطع
كان هناك كثير من الصخب والفوضى والضحكات
وكان الأشخاص في المقطع كالمخبولين تماما ، يحادثون شيئا غير مرئي
ويضحكون بعد فترة هدوء بلا سبب وكأنما سمعوا مزحة ما ..
كنت أبحث طوال مشاهدتي لذاك المقطع عن شيء ناقص فيه
شيء استُبْدِل بالخواء والفراغ ولم يعد بإمكاني رؤيته
كنت أحاول أن أركّز لأتعرف على هؤلاء ولكنني لم أستطع
انتهى المقطع فأخذت أتأمل المكان حولي بسكون
وكان كل شيء يبدو خانقا حد الإيلام
وكأنما سُحب الهواء من المكان دفعة واحدة
وكأنني كنت أتنفس رائحة الذكريات البشعة من مكان آخر غير أنفي ، لأن أنفي لم يكن يستنشق هواءً
كنت أرى بضع لوحات حولي تحمل كلمات وجمل متفرقة لا معنى لها ..
كان هناك أسماء وألقاب طريفة ولكنها لم تجلب لشفتي الابتسامة أو حتى ذكرى معينة
وعلى مسافة بعيدة شيئا ما كانت هناك لافتة معلقة تحمل عبارة غريبة
غريبة بغرابة أثرها عليّ عندما قرأتها وشعرت بشيء يشبه دبيب النمل بقرب قلبي
نهضت وتوجهت إلى حيث تلك اللافتة
وعندما حاولت جذبها لأتأملها جيدا تحركت قليلا وظهر خلفها مقبض لباب مخفي بإتقان
ونافذة صغيرة فوق المقبض تكشف شيئا مما وراء الباب
كان المكان وراءه يبدو كمقبرة ، ويمتلئ بالكثير من القبور التي تحمل صور أصحابها وعبارتان تحت كل صورة ..
الإسم وسبب الوفاة
لمحت صور أولئك الأشخاص الذين رأيتهم في الصور المهترئة
ولكنني لم أستطع قراءة العبارات تحت صورهم ، كانت مموهة وغير واضحة
أمسكت بمقبض الباب وأدرته بحذر لأفتح الباب ولكنه لم يُفتَح !
تعجبت ، وأعدت الكرة مرة أخرى بلا فائدة
عندها أعدت النظر عبر النافذة الصغيرة لأكتشف لوحة صغيرة معلقة بعيدا مكتوب عليها :
مقبرة الذاكرة
ومن ثم ..
كنت أركض بسرعة عبر الغرفة لأخرج منها وأنا لا أعلم لم أفعل ذلك تحديدا
وعندما خرجت من تلك الغرفة ، أحكمت إغلاق الباب ، واستندت إلى الحائط وأنا ألتقط أنفاسي بصعوبة
وأستنشق الهواء من أنفي أخيرا
وشيء ما في داخلي ينبئني أنه لا يجب علي أن أعاود زيارة هذا المكان ..
أبدا !
" ليس هناك موتى سوى أولئك الذين ندفنهم برمال النسيان في مقبرة الذاكرة ..
إذ نستيقظ يوما ونقرر أنهم ما عادوا هنا ! "
كتبته في 10-7-2011
الروابط المفضلة