نعيش أغلبنا او تنحدر أعراقنا من أصول عربية
و العروبة تعني الأصالة و التفرد و التميز
تعني كرم الأخلاق و الشهامة، تعني الطيبة و التعاضد و التكاتف
إلا أننا و على مر الزمان منذ سالف العصور
بدأنا نفقد الكثير من خواصنا الجميلة
سواء تلك النابعة من عرقنا العربي
أو تلك الأهم التي اكتسبناها من ديننا الحنيف بعد إسلامنا
و لعلنا هنا بصدد نقاش سمة من تلك السمات أو صفة حضارية غائبة عن أغلبنا
و هي تقبل الآخر و التعايش معه
تقبله كما هو بفروقاته و اختلافاته العرقية و الفكرية و حتى الدينية
للأسف يتبع معظمنا مبدأ ( إما معنا أو علينا)
وكأنّنا فطرنا على التمسك بالرأي الشخصي و التعصب الشديد له
فلا نتقبل معارضة من أحد ؛و ينعكس عدم تقبلنا للرأي المخالف بشكل غير حضاري للآسف
و أحيانا يؤدي إلى نتائج وخيمة عظيمة
و ربما الى شجارات او مقاطعة أو عداوة
ليس خطأ أن يتمسك الإنسان برأيه طالما أنه مقتنع به
و ليس خطأ أن يحاول إنسان إقناع الطرف الآخر بوجهة نظره التي يعتقد مليا أنها صحيحة
لكن الخطأ في الأسلوب و في العنف المستخدم لفظيا أو معنويا،
أو حتى جسديا لإجبار الطرف الآخر على الرضوخ لرأي واحد ،أو إعلانه عدوا مطلقا و إنسانا جاهلا
لا يعرف شيئا و لا يفهم لآنه عارضنا و يقول عكس ما نقول
نرى ذلك في كل مكان في حياتنا الاجتماعية
و في واقعنا و حتى في المنتديات على الشبكة العنكبوتية
من المعروف أن المجتمعات التي تتقبل الآخر
و تعيش معه في سلام
هي أكثر المجتمعات تقدما و تماسكا
و من المعروف أن الانسان الذي يخالط الآخر المختلف ثقافيا و حضاريا و دينيا؛ و يتمكن من مناقشته و العيش معه بشكل راقي
يكون أكثر ذكاء اجتماعيا و أكثر سعة في المدارك و الثقافة
من أولئك الذين يربّون في مجتمعات مغلقة
لا تعرف سوى ما تعلمته و لا تتقبل أي رأي مغاير أو ثقافة جديدة
على نطاق الاسرة أو المحيط
و تعتبر كل مختلف .. مادة غريبة و عدوا مجهولا لا يجب التعامل معه بأي حال
علينا أن نعي جيّدا أنه لا داعي للتشنج في طرح الأفكار
و نقاشها في أي وسط
فلا يعني كون الآخر يختلف معي أنني على خطأ أو أن ذلك يقلل من اعتباري و شأني
و لا يعني أن نتعارض أن أحدنا مخطئ و الآخر مصيب
فلا يوجد خطأ مطلق و لا صح مطلق في حياتنا
فكل رأي يحتمل الخطأ أحيانا و الصواب أحيانا
و كما قال الإمام الشافعي : ( رأيي صواب يحتمل الخطأ و رأي الآخرين خطأ يحتمل الصواب)
و ربما كان هذا مبدأ إسلامنا
و نهج سيدنا محمد عليه الصلاة و السلام في الدعوة
فما تعصب الرسول الكريم و لا غضب ممّن خالفوه حتى في شرع الله
بل اشتغل على دعوتهم بالحسنى و اللين
و محاولة إقناعهم بما تفقه عقولهم و ما هو أقرب إلى نفوسهم
يقول الله تعالى في كتابه الحكيم
بسم الله الرحمن الرحيم
(ادْعُ إِلَى سَببيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ )
صدق الله العظيم
سورة النحل ـ الآية 125
هكذا كان نهج نبينا عليه الصلاة و السلام
و هذا كان أسلوبه
بل انه كان يتقّبل الآراء من الجميع
فرغم أنه سيد خلق العالمين
أعظم الخلق و أكملهم
فلم يمنعه ذلك عليه الصلاة و السلام من أن يتشاور مع صحبه
في الأمور المصيرية للأمة
يقول تعالى : ( و أمرهم شورى بينهم)
صدق الله العظيم
سورة الشورى - الآية 38
و كان أن أخذ بآراء الصحابة من العرب و العجم في عديد من الأمور
فلم يحقر أفكارهم و لم يتفرد برأيه
من هنا نستقي أن معارضة الآخر لي لا تقلل من شأني
و لا تنقص من قيمتي
فنحن بشر؛ كل منا نشأ في بيئة و أتى من ثقافة مختلفة عن الآخر
و بالطبع ستنشأ اختلافات بيننا
و تتجلي حقيقة المقولة : الاختلاف في الرأي لا يفسد في الود قضية
و يجب أن لا يفسد الاختلاف الود فعلا
فالاختلافات ليست عيبا
بل هي ميزة .. و الاختلافات هي التي تصنع التنوع و التلون الحضاري
و الثقافي
تصنع الجسور الإنسانية للتواصل مع البشر دون تربص أو عداوة
نحن كمسلمين لا ثوابت لنا إلا ما أملاه علينا ديننا
و ما دون ذلك قابل للآخذ و الرد و التفاوض
و حتى فيما يتعلق بديننا فلا نستطيع فرضه على الآخرين
لا نملك سوى الموعظة الحسنة و المعاملة الطيبة و محاولة إنارة بصيرة من يرغب في ذلك
لكن لا يمكننا أن نجبر أحدا على اتباع ما نتبع و تصديق ما نؤمن به
الدعوة تكون بالحسنى و بالحجة القوية .. بالعلم و المعرفة
دون إجبار و لا إكراه ؛فنحن نهاية علينا بأنفسنا ..نحاسب عليها و نحمل وزرها فقط
إن كان الأمر هكذا في ديننا فما بالنا بالأمور الاخرى
فكل ما سواه يبقى ضئيلا قابلا لكل تغيير بتغير الظروف
العرف، العادات، الجنسية ،التقاليد، المناسبات ،
و آراؤنا السياسية و الاجتماعية
كلها أمور تبقى قابلة للتغيير و للتفاوض
قابلة للتصديق أو المعارضة
فلمَ نعادي بعضنا و نكره و نقاتل من أجل أمور زائلة ضعيفة
الأمر بسيط
فالإنسان الواثق من نفسه لا يهزه الاختلاف
بل يحترمه ....
إن اختلف معه شخص يستمع بهدوء حتى النهاية
يصغي و يعقل و يفهم ما يقوله الآخر
ثم يوضح وجهة نظره المضادة بالعقل و المنطق، بالحجة و الدليل
فإن تقبلها من أمامه كان بها و إن لم يحدث ..
احترم إصراره و رأيه و احتفظ كل منهما بوجهة نظره الخاصة
دون أن ينعكس ذلك سلبيا على علاقتهما أو أسلوب تعاملهما المتبادل
نحن كبشر مخلوقين و مهيئين لعمارة الأرض و الرقي بها
مؤهلين لقيادة شعوب و حضارات و مصالح كبيرة و عظيمة
مخوّلين بإعطاء قرارت غاية في الأهمية
أمور مصيرية يتوقف عليها حال أمة
فما بالنا ننفق أوقاتنا في التقاذف و التراشق بالاتهامات
لمجرد أن نصيحتي لآخت عرضت مشلكتها هنا تختلف عن نصيحة قدمتها أخت أخرى
حتى يتغير مجرى الحوار و يخرج الموضوع عن هدفه المرجو و يتحول إلى صراع
و ما النتيجة ??
تشتتنا عن الهدف الأهم : محاولة المساعدة و إيجاد الحل و التفكير ووضع النقاط على الحروف
و بالتالي تكون المحصلة حواار فاشلا يفتقر إلى الرقيّ و أهم مقومات النجاح
و الإنسان الذي يشارك في حوار كهذا أو يعتمده أسلوبا لحياته يسيء لنفسه و يقلل من قدرها
فالنفس كما ترتقي بها تجدها .. و ليس انتصارا أن أتمكن من حصد المؤيدين و رمي الثقيل من الكلام حتى يصمت من أمامي
بل هي إهانة لنفسي أن يليق بها هذا المستوى
هذا كأبسط مثال
و الأمثلة كثيرة في حياتنا ...
مع الجيران ; مع الزملاء في العمل ;مع الاقارب
كم من عداوة و كم من قطيعة سببها الاختلاف فقط لا غير
و كم من حديث بدأ بسيطا فعظم و كبر بسبب عدم تقبلنا لبعضنا كما نحن
و محاولة قولبة من أمامنا بقوالبنا الخاصة
فتعلو الأصوات و تخرج الأمور عن السيطرة و البقية معروفة
لماذا نشعر بحاجة إلى إجبار الآخرين على تنفيذ كلامنا و الاقتناع به رغما عنهم
لماذا لا نقوم بما نحن معقتنعون به،
و نترك الآخرين يقومون بما يرغبون،
و نحترم رغباتهم التي هم مسؤولون عنها ?
أليست الأيام كفيلة بإظهار من هو على حق و من حاد عن الصواب ??
فلنستغل أوقاتنا و أفكارنا و طاقاتنا
فيما يفيدنا و غيرنا
في الإبداع و العلم و الجد للبحث عن حلول و بدائل توفر حياة أسهل
في محاولة حل المشاكل المستعصية و المساهمة في إعادة هيكلة مجتمعاتنا
و الحفاظ على تماسكها بالتكافل و التعاون فيما يفيد الجميع ...
أليس هذا أفضل من تضييع الوقت في التخطيط و التفكير في كيفية هدم بعضنا و سحق الآخرين ??
الروابط المفضلة