الصلة بين الابن وأبويه، من أقوى أنواع العلاقات الإنسانية ومع ذلك فقد تقطعت هذه الصلة وبرزت ظاهرة مفزعة في مجتمعاتنا نحن المسلمين اليوم وهي ظاهرة عقوق الأولاد للآباء والأمهات .
إن عقوق الوالدين الذي ظهر وانتشر وتعددت أشكاله وألوانه ليدل على انحراف خطير في المجتمعات عن شريعة الله تعالى التي جعلت رضا الله في رضا الوالدين وسخطه سبحانه في سخطهما، كما في الحديث: "رضا الرب في رضا الوالد، وسخط الرب في سخط الوالد". والتي جعلت الجنة تحت أقدام الأمهات فلن يدخل الجنة عاقٌ لوالديه،ففي الحديث: "ثلاثة لا ينظر الله إليهم يوم القيامة: العاق لوالديه، والمرأة المترجلة، والديوث.وثلاثة لا يدخلون الجنة: العاق لوالديه، ومدمن الخمر، والمنان بما أعطى".
قال الإمام الغزالي رحمه الله تعالى: ( الصبي أمانة عند والديه وقلبه الطاهر جوهرة نفيسة خالية عن كل نقش وصورة، وهو قابل لكل نقش، ومائل إلى كل ما يمال إليه، فإن عوِّد الخير نشأ عليه، وسعد في الدنيا والآخرة أبواه، وإن عوِّد الشر وأًهْمِلَ إهمال البهائم، شقي وهلك، وكان الوزر في رقبة القيِّم عليه .
ان الأبناء زينة لهذه الحياة فما أجمل أن تكتمل هذه الزينة بصلاحهم وتقواهم . إن أولادكم أعظم أمانة لديكم فاتقوا الله فيهم واكثروا من مصاحبتهم ومجالستهم ولا تتركوهم لغيركم.
فليس اليتيم من انتهى أبواه وخلفاه في همّ الحياة ذليلاً، إن اليتيم هو الذي تربى عند أم تخلت عنه أو أبٍ مشغول.
إن حسن الأدب يشمل كل شيء جميل يضيفه الأب لولده في خلقه وعلمه وعمله ولباسه.. وهذا المعنى واضح في الواقعة المشهورة عندما جاء رجل إلى عمر بن الخطاب رضي الله عنه يشكو عقوق ابنه، فأنب عمر الولد على عقوقه لوالده، فقال الولد: يا أمير المؤمنين أليس للولد حقوق على أبيه؟ قال: بلى، قال: فما هي يا أمير المؤمنين؟ قال عمر: أن ينتقي أمه، ويحسن اسمه ويعلمه الكتاب، قال الولد: يا أمير المؤمنين إن أبي لم يفعل، أما أمي فإنها زنجية كانت لمجوسي، وقد سماني جُعلا (خنفساء) ولم يعلمني من الكتاب حرفاً!
فقال عمر للوالد: جئت إليّ تشكو عقوق ابنك وقد عققته قبل أن يعقك وأسأت إليه قبل أن يسيء إليك.
بعض الآباء يسهم في صناعة العقوق،فحياتنا الاجتماعية كلما ابتعدت عن الحياة الإسلامية كلما اقتربت من أسلوب الحياة المادية فكم نعاني اليوم في حياتنا المعاصرة من تمرد الأبناء والبنات من سوء أدبهم مع الوالدين، وقد قال صلى الله عليه وسلم: ((أكبر الكبائر الإشراك وعقوق الوالدين)).
كيف يجرؤ بعض الأبناء على الهجر التام لآبائهم وأمهاتهم وكيف يجرؤون على رميهم في أماكن لا تليق بهم إما في دور الرعاية للمسنين دون علمهم أو في أماكن أخرى للتخلص منهم؟ ألم يوصنا الإسلام بالآباء خيرًا ونهى عن قطيعتهم وإيذائهم أو إدخال الحزن عليهم، كيف لا، والإسلام دين الوفاء والبرِّ.
يقول الله عز وجل: (وَقَضَى رَبُّكَ أَلا تَعْبُدُوا إِلا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلاهُمَا فَلا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلا تَنْهَرْهُمَا وَقُلْ لَهُمَا قَوْلاً كَرِيماً)[الإسراء:23].
عقوق الوالدين حالة شاذة جداً، لكن التغيرات الاجتماعية أخلت بطبيعة العلاقة التي تربط بين الأبناء وآبائهم . أن عقوق الوالدين والإساءة إليهما يعتبر من صفات الكفار، فقطيعة الرحم صفة من صفات الكفار، الله سبحانه وتعالى يقول: {وقل ربِّ ارحمهما كما ربياني صغيراً}، ولا شك أن عقوق الوالدين من أكبر الجرائم، ومن العقوبات التي يعجل الله سبحانه وتعالى بها للعبد في الدنيا ، والرسول الكريم يقول: «بروا آباءكم تبركم أبناؤكم» وإذا كان الأب عاقاً لوالديه فهو من باب أولى أن يعقه كل النسل .(إنك عققتني صغيراً ، فعققتك كبيراً ، وأضعتني وليداً ، فأضعتك شيخاً ) .
وصدق المصطفى عليه أفضل الصلاة والسلام، عندما وضع أهم معايير الأمانة وأرسى قواعد التربية الحقيقية التي للأسف يفتقدها الكثير ـ قال عليه الصلاة والسلام:
]كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته..... الأب راع ومسؤول عن رعيته ... والأم راعية ومسؤولة في بيتها[.
نسأل الله الكريم بمنه أن يرزقنا وإياكم البر، وأن يجنبنا العقوق والآثام.. إنه ولي ذلك والقادر عليه.
الروابط المفضلة