اختيار الصاحب الصالح واجب على كل مسلم ، لأنه لا يجوز مصاحبة المارقين عن الدين و إفشاء السر لهم وخير مثال على ما نقول هو قول الله تعالى : ] يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لاَ تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاءَ تُلْقُونَ إِلَيْهِم بِالْمَوَدَّةِ وَقَدْ كَفَرُوا بِمَا جَاءَكُم مِّنَ الحَقِّ [ ( الممتحنة : 1 ) وقد وردت الأحاديث باختيار الأقران من الإخوة والخلان . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم " اختبروا الناس بإخوانهم فإن الرجل يخادن من يعجبه " .
وعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه : أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم " يقول لا تصاحب إلا مؤمنا ، ولا يأكل طعامك إلا تقي " [4] .
وقال أبو هريرة رضي الله عنه : إن النبي صلى الله عليه وسلم " قال : المرء على دين خليله ، فلينظر أحدكم من يخالل " [5] .
وقال مجاهد " إني لأنتفي الأخوان كما أنتقي أطايب الثمر " .
وقال عتبة بن هبيرة الأسدي :
إن كنت تبغي العلم أو أهله أو شاهد يخبر عن غائب
فاختبر الأرض باسمائها واختبر الصاحب بالصاحب
روي عن أبي عمرو العوفي قال : كان يقال أصحب من إن صحبته زانك ، وإن خدمته صانك ، وإن أصابته خصاصة أعانك .
وإن رأى منك حسنة عدها وإن رأى منك سقطة سترها ، ومن إن قلت صدق قولك ، وإن اصبت سدد صوابك ، ومن لا يأتيك بالبوائق ولا تختلف عليك منه الطرائق . ومن أبيات عمر بن عبد العزيز :
إن لأمنح من يواصلني مني صفاء ليس بالمذق
وإذا أخ لي حال عن خلق داويت منه ذاك بالرفق
والمرء يصنع نفسه ومتى ما تبله ينزع إلى العرق
وقد رغب إلينا مصاحبة أهل الإيمان والصلاح ، فلا تصاحب إلا مؤمنا ولا يأكل طعامك إلا التقي فوفق هذه القاعدة ننطلق ومنها نبدأ فكل ما خالف هذه القاعدة فهو لا يمت إليها بصلة فيكون غير ثابت على رأي في اختياره للصاحب ووفق هذه القاعدة انطلق الآباء في وصاياهم لأبنائهم والشعراء في انشاد أشعارهم والحكماء في قول حكمهم .
وقديما قالوا صحبة العاقل في لجج البحار وأهوال الفقار ألذ من صحبة الجاهل بين جنات وأنهار وأطعمة وثمار .
وأوصى أحد الحكماء أخا له فقال : أي أخي آخ الكريم الإخوة الكامل المروءة الذي إن غبت خلفك وإن حضرت كنفك وإن لقي صديقك استزاده ، وإن لقي عدوك كفه ، وإن رأيته ابتهجت ، وإن نأيته استرحت .
وقال عمر رضي الله عنه : إذا رزقك الله مودة امرئ مسلم فتشبث بها .
وكان سفيان الثوري كثيرا ما يتمثل بهذه الأبيات :
أبل الرجال إذا أردت إخاءهم و توسمن إخاءهم و تفقد
فإذا وجدت أخا الأمانة والتقي فيه اليدين قرير عين فأشد
كم من صديق في الرخاء مساعد وإذا أردت حقيقة لم توجد
وروي أن رجلا من عبد قيس قال لأبنه : أي بني لا تؤاخ أحدا حتى تعرف موارد أموره ومصادرها فإذا استبطنت الخير ورضيت منه العشرة فآخه على إقالة العثرة والمواساة عند العسرة .
وقال ابن عباس رضي الله عنه : أحب إخواني إلى أخ إن غبت عنه عذرني وإن جئته قبلني .
وكتب الأحنف بن قيس إلى صديق له : أما بعد : فإذا قدم عليك أخ موافق لك فليكن منك مكان سمعك وبصرك فإن الأخ الموافق أفضل من الولد المخالف .
وقال خالد بن صفوان : أعجز الناس من قصر في طلب الإخوان وأعجز منه من ضيع من ظفر به منهم .
وقال عمر بن الخطاب رضي الله عنه : عليكم بإخوان الصدق فاكتسبوهم فإنهم زين في الرخاء وعدة عند البلاء .
فهذا قليل مما يسره الله لي في اختيار الأصحاب ، ولو ذهبت أستقصي ما ورد في هذا الموضوع لما استطعت أن أحصيها في هذه الوريقات ، فحسبي ما ذكرت وكتبت لأن خير الكلام ما قل ودل .
الروابط المفضلة