[c]بسم الله الرحمن الرحيم
قامت فاطمة بكل براءة تعبث في ذلك الدولاب فرأت ثوباً قديما ..
نظرت إليه فأصابتها قشعريرة وأحست بالشوق ينساب في عروقها ولا تدري لماذا .... فلم تشعر إلا وهي تحضنه وتشمه ..
بنيتي ما ذا تفعلين ؟؟
جدتي لمن هذا الثوب ؟
أعطنيه ...
رفعت الصغيرة الثوب لتعطيه الجدة ..
فوقعت عينها على مصحف قد تراكم عليه الغبار , فتحته فإذا الخيط قد وضع على سورة آل عمران قوله تعالى { ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله أمواتا }.
جدتي !!!
ما هذا جدتي ؟؟
لما ذا تبكين؟ ولمن هذه الثوب وما الذي أصابني عندما رأيته أجيبيني يا جدة لمن هذا المصحف..
بنيتي ليتك ما فتحته ولم تخرجي ما أخرجت بنيتي إنها لـ ......
جدتي أخبريني ....
خرجت والدموع تسبقها ..
مهلاً جدتي أرجوك ...
أجيبيني ..
حبيبتي ....
فعانقتها والحنان ينهمر ... الإحساس واحد ... الأشواق واحدة ....الحزن واحد ...
وبعد بكاء حار وبعد لحظات .. هدئت الجدة ..
حبيبتي .. لطالما أخفيت عنك هذه الأشياء حتى لا تنكأ الجراح فتعيد ما مضى ..
إنها...لـــــ ...
إنها لأبيك ..!!؟
أبي ..
أبي يا جدتي ..
نطقتها الصغيرة في شفتيها وحشة من هذه الكلمة ولها لذة لا يوازيها شيء ...
ذهلت الصغيرة وطار بها الخيال....
فرأت أبوها لابس ذلك الثوب وفي يده المصحف ,, فتبسمت ورأته ينظر إليها ويناديها ويمد يده إليها .. فذهبت تركض نحوه وترتمي في حضنه ويشمها في عطف الأب .. فصحت من خيالها بصوت تلك الدمعه سقطت منها على الأرض فأفاقت وقالت بكل براءة ...
أبي !!؟؟
جدتي ...
حدثيني عن أبي
أحدثك عن ماذا يا بنيتي ؟
حدثيني عن كل شيء فيه ..
نظرت الجدة إلى البيت إلى تلك الجلسة في وسط البيت ..
إلى النافذة التي طالما تأمل السماء منها ..
صغيرتي ...
كأني أراه جالساً وأنا وجدك وأمك من حوله عند شروق الشمس في بستاننا الجميل وجذور الفجر تنساب في السماء ...
وأبوك جالس في تواضع لا مس السحاب وفي هدوء ضجت منه الأرض مطرقاً رأسه في شموخ الجبال ..
وفي يديه ...
في يديه ما ذا ؟؟؟؟
في يديه مصحف يعلمنا سورة النبأ ....
يتلوها علينا وتكاد القلوب أن تطير من حلاوة الإيمان ...
ألآيات يقطر شهدها فلتلذ بها النفوس ...
وتعلوا وجه أبيك تلك البسمة وهو يحكي لنا أحكام التجويد ..
يبتسم في وجهي فتميل بي الدنيا وأقول في نفسي ..
أي بني ..
الأم تحب ابنها و يتفطر قلبها عليه إشفاقا ...
أما أنت فلا ..
أنت أكبر من ذلك ...
أنت قلبي يمشي على ألأرض ...
هل كنت تحبيه ؟؟
أحبه ؟!!
وما الحب إلا نظرة عينيه وما الصفاء إلا بسمة شفتيه ..
وما ذا بعد ...
بنيتي ..
لم تزل صورة أبيك وهو يعلمنا الأذكار وإصبعه يرفعها عند كل تشهد وبصره يرتفع إلى السماء ...
وكأنه يقول يا رب ...
إن تكن حياة ..
ففيك ..
وإن يكن موت فمن أجلك ...
وأما الليل ففيه السر وفيه النجوى وفيه حبل الله ...
ما زلت أذكر تلك اللحظات التي أصحوا فيها ..
على ذلك النشيج الذي ملأ البيت مسكاً تكاد نفسي تعاف معه كل رياحين الدنيا ..
وكلما بكى أبوك زادت ريح المسك حتى يصبح الصبح وقد تكحل بالوقوف بين يدي الله ..
كم مرة غاب ..
فبحثت عنه .. أين ذهب ؟؟
فإذا هو قد أبحر في مكتبته وفي يده صحيح البخاري ينسى معه كل شيء وقد أشعل سراجه والقلم في يديه وعلامات السرور بادية عليه..
يكاد يطير من الفرح ..
فأسأله ما الذي سرك يا بني ...
فيشرح لي تفسير قوله تعالى { ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله أمواتا }
ما زلت أذكره والحزن يعلوا وجهه عندما يتذكر أن مسلم يعذب في أقصى الأرض ... وكم من مرة أراه وكأنه قد مات له قريب ..
غصت الصغيرة بالعبرة و وضعت يده على فمها
وكيف ..
لا تكملي يا بنتي ..
أبوك لم يمت ..
أبوك شهيد بإذن الله .. حي يرزق ..
إنها لحظات لم يعرف القلب مثلها ..
حين أراد الذهاب جاءني يستأذنني ..
أمي لإن ذهبتُ .. فإلى الجهاد أذهب .. وكم ذهب غيري إلى الخنا ..
أمي لا حياة في ذل الخنوع ..
أمي أعطني يدك حتى أقبلها فإني أشم رائحة الجنة من هناك ..
نعم من هناك .. حيث يتم البيع .. وفي الجنة الملتقى ..
يا بني قطعني ولا تفارق عيني لحظة ..
أمي ..
أسكت ..
فلقد مزقت قلبي ..
مزقت قلبك يا أمي !
أعرف يا أمي ولكن ..
ولكن ماذا ..
هل تذكرين إيمان ؟
إيمان !
هل تعرفين محمد الدرة ؟
مالك لا تجاوبين أماه ..
وهل ينسون يا بني ؟؟ ...
وغيرهم ... وغيرهم ...
لكنك ابني ..
وهؤلاء أليس لهم أمهات ؟؟!!
يا بني أنا ..
أنا ..
لا أطيق الدنيا دونك ..
نظر إلي والحيرة والحزن في عينية ..
وفي نفسي أقول لا أريدك أن تغضب مني ولكن ... ولكني ..
أنا يا بني أم ..!
ضاقت به الأرض فلا الأرض أرض ولا السماء سماء ..
وفي يوم جاءني وفي عينيه شيء لم أعرف ما هو ..
جلس عند ركبتي .. وعرفت أن هناك أمر ..
أن هناك شيءٌ أفقده ..
أمي ...
هل تحبين الله
ومن لا يحب الله يا بني
فتلا قوله تعالى :
{ قل إن كانت أموالكم وأولادكم ..... }
فأحسست بأني أنا المخاطبة ولم أتمالك نفسي حتى بكيت ..
الله ورسوله أحب إلي من كل شيء ..
الله ورسوله أحب إلي من كل شيء ..
سمعنا وأطعنا ..
ولكن .. ولكن لا تخبرني متى ..
كنت .. أرمقه من فتحة الباب في كل وقت وكل لحظة واضعتا يدي على فمي والدموع تنهمر من عيني ... حتى .. حتى ...
اختلطت دموع الصغيرة ودموع الجدة ..
رأيته في يوم عند باب البيت وفي يده تلك الحقيبة الصغيرة ..
هل حقا سترحل ؟ هل حقا لن أراك ..
إيه يا حبيبي .. هناك .. هناك يحلو اللقاء .. والله أكرم الأكرمين ..
قام في عزمٍ ضاق به الكون ..
يمشي وكأن الأرض تطوى له ..
{ ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله أمواتاً بل أحياء عند ربهم يرزقون }[/c]
الروابط المفضلة