للبحث في شبكة لكِ النسائية:
|
(12)
أستفيق من جديد .. عيناى معلقتان بالسقف .. لا أنا أصحو حين أفتحهما .. ولا أنا أنام حين تنغلقا .. محاصرة أنا بين كوابيس الصحوة وكوابيس النوم .. لا قبل لى بكلاهما .. اعتصرنى الألم قطرة قطرة حتى أفرغ كل ما فىّ .. لا أشعر بشىء .. ولا أهتم بأحد .. ولا أفكر فى شىء .. حتى الحزن اكتفى منى واكتفيت منه .. والدموع جفت من عينى .. أنا مثل حى ميت أو ميت حى أو شىء آخر لم يجدوا له وصفا بعد
قمت من فراشى بتثاقل .. توجهت نحو النافذة ونظرت بشرود للحديقة الخاوية التى يبدو وكأنها فقدت الحياة هى الأخرى .. لقد تبدل كل ما حولى .. حتى غرفتى بدت موحشة ولا تشبه ما عهدته من قبل .. جررت قدمى جرا حتى الباب وفتحته ببطء .. كل شىء يبدو ثقيلا حتى أنفاسى تشق صدرى بصعوبة .. أظننى احتاج دهراً حتى أعبر فيه تلك الردهة .. ارتجفت قدماى أكثر حين وصلت لباب غرفته .. تمنيت لو أننى أملك الجرأة لدخولها .. لتقبيل كل ما فيها .. لسرقة وسادته وتشمم رائحته العالقة بها .. لكنى جبنت .. كيف أدخلها وهى فارغة منه .. كيف وهى يخيم عليها الحزن .. كيف وكل أشياءه تنعى غيابه وتفتقده بشدة .. لو أن للجمادات قلب ينفطر حزنا لرحيل صاحبها .. فكيف بى أنا .. بقلبى أنا .. بروحى أنا
تعثرت خطواتى وأنا أهرب من أمام بابه الموصود .. سقطت مرات ومرات .. حتى وصلت للدرج .. أمسكت بحافته بيد مرتعشة كيد عجوز على وشك الموت .. ونزلت الدرجات ببطء
كانت هناك أصوات تتناهى لسمعى .. الصوت مرتفع لكنى لا أميز ما يقول حتى وصلت هناك .. عند الغرفة التى يحتلها مكتب أبى .. كان الباب موارب قليلا ورأيت عاصم وعادل يتجادلان معاً .. لم أكن بمزاج يسمح لى بالاستماع لجدالهما .. رغم أنها المرة الأولى التى أجدهما فيها على خلاف ما .. كدت أبتعد عن الباب لكنى سمعت حروف اسمى تتردد .. هل ما يتجادلان عليه يخصنى أنا .. دفعنى التساؤل للاستماع إلى حديثهما دون أن يلحظا ذلك .. كان صوت عادل غاضبا وهو يقول
- كيف يا عاصم
أجابه عاصم بهدوء
- لقد فعلت كل ما باستطاعتى .. حتى جلسات المحامى جعلتها بعيداً عن البيت حتى لا تعلم هى بشىء
- لكنها ستعرف .. كل تلك الأوراق الرسمية وحتى الوصية نفسها تقول كل شىء وأنت تعرف أن تلك الحالة التى انتابتها لن تظل طويلا وستعود كما نعرفها ولن يمكننا إخفاء تلك الحقيقة عنها بعد الآن
- وماذا تريدنى أن أفعل يا عادل .. هل أذهب لها ببساطة وأخبرها أنها ليست ابنة عمنا .. وأن أبى رحمه الله لم يكن له أشقاء .. وأن كل حياتكِ السابقة هى كذبة كبيرة والعم وأبناء العم هم غرباء لا علاقة لهم بكِ
- عاصم أنا لم أقل .....
انخفض صوت عاصم وقال وهو يضغط على حروف كلماته
- أم تريدنى أن أخبرها أن أبى قد قام بكفالتها من أحد ملاجىء الأيتام وأننا لا نعرف لها عائلة ولا اسم ونحن من منحناها الاسم والنسب الذى تفخر به .. ماذا تريدنى أن أفعل يا عادل .. أخبرنى
- أنا لا أحتمل فكرة أن تعرف بكل هذا .. لا أتخيل ما الذى ستفعله وقتها
- لذا يجب علينا أن نخفى هذا الأمر عنها كما فعل أبى طوال حياته .. لن يتغير شىء
- وتلك الأوراق
- سأخفيها هى الأخرى وسأتصرف أنا إذا ما حاولت معرفة شىء عن هذه الأوراق
- وماذا لو عرفت ..
وقبل أن يجيب عاصم أسكته ذلك الصوت المكتوم الصادر من خلف الباب .. أسرع نحو الباب وفتحه فاصطدم بذلك الجسد الممدد أرضاً لفتاة سوداء الشعر رمادية العينين كانت أميرة هذا القصر يوما ما قبل أن تسحقها حقيقتها التى عرفتها متأخراً جداً
***
- (وماذا لو عرفت ......)
أجيبك أنا على سؤالك يا عادل .. ربما كنت فى ذلك المكان الغامض الذى نذهب إليه حين يتخلى عنا وعينا .. لكنى أتخيل نظرة عاصم المصدوم بوجودى خلف الباب الذى ظنه مغلقاً على سركما الرهيب .. وأتخيل نظرة ذعر فى عينيك لحدوث ما كنت تخشاه .. أتخيل عاصم وهو يحملنى بين ذراعيه ويصعد الدرج ويتوجه لغرفتى ليضعنى بفراشى .. وأنت تهرع خلفه وتتصل بالطبيب .. لماذا تفعل هذا يا عادل؟ .. هل تريدنى أن أعود للوعى .. هل تريدنى أن أفتح عينى وأواجه تلك الحقيقة التى عرفتها للتو .. تلك الصاعقة التى حلت بى .. ذلك الإعصار الذى دمر حياتى أو تلك التى ظننتها حياتى .. هل سنوات عمرى كلها هى مجرد كذبة كما قال عاصم .. الأميرة المتوجة لم تكن أميرة يوماً .. سيدة البيت لم تكن تعدو أكبر مكانة من أحد خدمه .. ابنة العم لم يكن لها نسب ولا عائلة ولا حتى اسم .. ابنة ملاجىء .. لقيطة .. أهذه هى أنا! .. يكفى هذا .. يكفى بحق
إلى متى ستبقى تلك الطعنات التى تتوالى على قلبى بلا هوادة .. إلى متى ستظل الحياة تكشف لى عن وجوهها القبيحة واحداً تلو الآخر .. وقبل أن أفيق من صدمة تلحقنى أخرى أشد ضراوة
اتركونى الآن أريد اللحاق بأبى .. أريد أن أستحلفه أن يقول لى الحقيقة .. لا أصدق أن لا صلة قربى تربطنى به .. لا أصدق أنه لا تجرى بعروقى دماء عائلته .. لا أصدق أننى لا أنتمى له .. لا أصدق أنه ليس عمى وليس أبى .. وليس كل عائلتى وكل عالمى وأننى لست صغيرته وحبيبته وأميرته
أخبرونى إذن من أكون .. من تلك التى تسكن تحت جلدى وتظهر بمرآتى وتحمل ملامحى وتستوطنها روحى .. أخبرونى بالله عليكم .. من أنا؟
***
لم تعد هناك ذكريات سعيدة .. لقد وصلت للأسوأ والأكثر قتامة .. لم يعد هناك ما يستدعى تذكره .. ولت الأيام التى كانت يؤلمنى تذكرها من فرط جمالها .. وما بقى لا يختلف كثيرا عما أعيشه الآن .. وربما ما أنا فيه الآن أكثر راحة .. لقد مت منذ زمن .. قد تكون روحى قد رحلت مع روح أبى .. وما تبقى منى قد انسحق هناك خلف الباب حين علمت بحقيقتى .. وذلك الطيف الذى أنا عليه الآن لا يشبهنى سوى فى ملامحه فقط .. فهو خاو تماما من الداخل .. هجرنى كل ما فىّ .. تركنى هناك فى قصر الأحلام .. أو تركته أنا حين هربت فى جنح الليل .. حين فررت منهما .. حين قررت الابتعاد ببقايا كرامتى .. لا يمكننى النظر فى عينىّ أحدهما .. لا يمكننى حتى مناقشة الأمر معهما .. لا يمكننى أن أعرف منهما تفاصيل ما سمعت .. كيف حدث .. وما الذى دفع السيد الثرى الذى له أبناء أن يكفل طفلة يتيمة .. وكيف لم أكتشف ذلك طوال حياتى .. وكيف لم أسأل عن أبى وأمى أو حتى أطلب أن أطالع صورهما .. هل كان أبى يملأ حياتى إلى هذه الدرجة .. لم أشعر لحظة أن هناك ما ينقصنى .. لم أشعر بما يسمونه اليتم .. ذلك الشعور الذى يحاصرنى الآن .. لم أكن يتيمة يوما حتى اختفى هو من حياتى .. الآن أنا يتيمة يا أبى .. أنا وحدى تماما فى تلك الحياة .. لم يعد من حقى البقاء فى قصرك والحياة مع ولديك .. لا يمكننى العيش مع إحساسهما بالشفقة علىّ .. هذا شعور لا أحتمله ولم أعتده أبداً .. حين تسللت ليلا وهربت من أبواب قصرك لم يظنا هما أن بإمكانى أن أفعل .. كان عادل يغفو على كرسى يجاور فراشى وكان يبدو متعباً .. تحركت على أطراف أصابعى وأنا أقاوم الدوار الذى يلفنى .. لا يمكننى الانتظار أكثر .. لا يمكننى مواجهتهما .. لا أفكر سوى فى الهرب بعيداً جداً عن تلك الحياة بكل ما فيها .. تخليت عن كل ما كنت أملكه .. أو ما ظننتنى أملكه .. ملابسى ومجوهراتى وعطورى الراقية وكل مقتنياتى الثمينة التى لم يكن يحق لى التمتع بها .. هى لا تخصنى .. هى تخص ابنة العم التى لم توجد يوما ما .. ابنة الملاجىء لا حق لها فى كل ما كانت تملكه وتتباهى به الأميرة الجميلة .. قلبى يتكسر داخلى يستحيل شظايا تكاد تمزق ضلوعى .. لا أعرف كيف وصلت لبوابة القصر .. كيف غافلت الجميع وهربت .. لم يتملكنى الخوف من ظلام الليل الذى يلفنى كعباءة قاتمة .. ما أشعر به حجب عنى كل شعور آخر وخطواتى تشق الطريق إلى المجهول .. ما الذى سيحل بى؟ .. لا أعرف ولا أهتم
#يُتبع
إن شاء الله
المسكينة كانت في بحر من الاحلام
اقشعر بدني لما عرفت الحقيقة.....
تابعي رشا بانتظار البقية
رائع سردكِ للقصة يارشا
لدرجة أنني أظنها حقيقة واقعة
تسردينها وتكتبين أحرفها مع إحساس مرهف يجعلنا نعيش تفاصيلها بدقة متناهية
استمري وتالقي....
::
يا رب إن أعداءك قد جمعوا جمعهم ضد المسلمين
فيـا رب يا مجرى السحاب، ومنزل الكتاب، وهازم الأحزاب، اهزمهم وزلزلهم واجعل الدائرة عليهم.
::
رائعة يارشا بانتظار المزيد
حرام عليك ارحمي البنت شوي
:"(
كل شوي مصيبة استنى تجي كلمة انها صحييت من حلم لكن ما جت
من حقها اجل تصير كذا بعد ذي المصايب^^
جميل جدا وصفك...بس يبقى حزين
بانتظارك()
الروابط المفضلة