(7)
نظرت لساعة يدى بتوتر لقد تأخرت عن عملى .. حتى أنه لم يكن هناك من وقت لأعد فيه شطائرى .. لقد خرجت من البيت بلا طعام ياللكارثة
سيكون هذا اليوم هو أكثر الأيام سواداً منذ مولدى
كم يجعلنى الجوع عصبية ولا أُطاق أبداً .. دعوت الله ألا أقابل مديرى اليوم حتى لا يقوم بطردى من العمل .. حسناً فليحاول وسأقوم بالتهام ذراعه عوضاً عن فطورى الحبيب
وصلت مكتبى وقمت بقذف حقيبتى فوقه بغل .. ما الذى كان سيحدث لو كنت أخذت اليوم إجازة بدلاً من هذا العذاب؟ .. هل كان سيختل نظام الكون لأن فاتن لم تذهب للعمل ليوم واحد .. ما الذى آتى بى اليوم هنا ومن دون طعام؟ .. كنت أقطع المكتب فى خطوتين غاضبتين ذهاب وعودة وأنا أكاد أبكى قهراً كطفل سرق منه زملائه شطائرة الصباحية .. رحمتك بى يا الله
للمرة الخمسون أحاول كتابة هذا الخطاب الرسمى دون فائدة .. أنا الآن كسيارة نفذ منها البنزين ولن تتحرك خطوة واحدة من دونه
قمت من مكانى وقد عقدت العزم على أن أبحث عن طعام ما بأى ثمن
المشكلة أن منطقة عملى لا يحيط بها أى من المطاعم أو تلك العربات اللطيفة التى تحوى ما يصلح لإسكات تلك المظاهرات الغاضبة فى أحشائى .. من أين لى الحصول على إفطار هنا؟
جائت الأجابة على شكل رائحة
رائحة رائعة تمزج بين رائحة القهوة القوية ورائحة المخبوزات الطازجة .. هذا ذوق راقى جداً فى الافطار لا يناسبنى .. لكن معدتى أخبرتنى أنها تناسبنى جداً الأن .. كنت أمشى على غير هدى أتتبع الرائحة الشهية وأتشمم الهواء حتى وصلت لمصدرها
عند مكتب المدير
توقفت مشدوهة للحظات .. لقد تغير ذوق المدير تماماً .. منذ متى وهو يتناول القهوة والمخبوزات كإفطار له .. إنه لا يكفى حتى لإحماء معدته
حسناً المهم أن هناك طعام ما فى مكتب المدير لكنى بحاجة لسبب ما للدخول إليه
تذكرت الخطاب الرسمى وقمت بالعودة عدواً لمكتبى وكتابة الخطاب فى وقت قياسى .. ربما كنت بحاجة لمحفز قوى .. حسناً انتهيت .. إلى مكتب المدير حالاً
طرقت الباب بتهذيب مرتين لكنى لم أتلق رداً .. قمت بفتح الباب .. كان المكتب خالياً إلا من القهوة والمخبوزات .. وكالمسحورة وجدتنى أندفع نحوهما وبلا ذرة تفكير من عواقب الأمر كنت ألتهم كل ما أمامى لأسكت ذلك الجوع الذى ينهشنى بلا توقف
أنا الآن خارج نطاق السيطرة .. ويدى وفمى يعملان بمعزل عن عقلى الذى يصرخ الآن ويُطلق صفارات الانذار التى تعوى معلنة عن حدوث كارثة ما قريباً
أنا الآن فى عالم آخر عالم ذو رائحة فريدة ساحرة شهية ومذاق رائع للمخبوزات التى تجعل فمك ينتشى ومعدتك ترقص طرباً .. أنا أسبح بين الطبقات الهشة المحشوة برقائق الجبن اللذيذة الخجول التى تذوب برقة مذهلة باركك الله يا من صنعت تلك الروعة المجسدة باركك الله
لكن لكل شىء جميل نهاية لا تكن بقدر جماله
لقد أفقت من تلك الغيبوبة اللذيذة على صوت المدير الجهورى وهو يتحدث إلى شخص ما ويخطو إلى المكتب
لقد تجمد العالم من حولى فى تلك اللحظة كان ظهرى للباب وقد أتممت جريمتى النكراء وأوديت كل ما كان الطبق الأنيق عامراً به إلى قرار معدتى الجائعة والبقية مازالت ترقد بين فكى لا قدرة لدى لابتلاعها حتى .. لقد أصبت بالشلل التام وصوت المدير يهتف من خلف ظهرى
- فاتن .. ماذا تفعلين هنا؟
وجيب قلبى يتزايد والعرق يغمرنى والتوتر يكاد يقتلنى
يا لها من ورطة
كان جسدى يخفى معالم جريمتى .. التفت ببطء عند هتافه التالى وأنا مغمضة العينين وعاجزة عن النطق بحرف
لكنى عزمت على الهرب فوراً دون كلمة واحدة وليقم بطردى إن شاء
فتحت عينى ببطء وأنا أحاول أن أجمع شتات نفسى لأخبره بأى هراء عن سبب وجودى هنا
لكن ما أن فتحت عينى ورأيته ومن معه حتى كادت عينىّ أن تقفزا من محجريهما وزادت ضربات قلبى حتى كاد يفر راكضاً من بين ضلوعى وتلاحقت أنفاسى بجنون
هل كان ذلك الطعام ممزوجاً بمخدر ما .. ما تلك الهلاوس المرئية؟ .. ما هذه الأوهام المجسدة؟ .. هذا مستحيل
لماذا يتثاقل رأسى .. لماذا يتخلى وعيى عنى .. لماذا ....
لم يمهلنى عقلى فرصة للتساؤل من جديد وهو يغوص فى بحر من السواد ويجرنى معه لأسقط كالحجر تحت قدمىّ الغريب زائر الأحلام !!!!!!!!
يُتبع
إن شاء الله
الروابط المفضلة