فضل تعلم القرآن وتعليمه
القرآن صفة من صفات الله تبارك وتعالى ، وهو كلامه الذي خاطب به نبينا محمدًا صلى الله عليه وسلم ، ولا يزال خطابه مستمرا لنا ومن هنا تنبع أهميته فقد ثبت في الحديث القدسي الذي أخرجه الترمذي قول الله عز وجل : . . . وفضل كلام الله على سائر الكلام كفضل الله على خلقه ورتب الله الأجر العظيم والجزاء الجزيل على تلاوة القرآن وعلى تدبره وعلى تعلمه وتعليمه وقد سبق أن بينت ما يخص التلاوة ، وهنا أريد أن أشير إلى فضل تعلم القرآن وتعليمه :
فعن عثمان بن عفان رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : خيركم من تعلم القرآن وعلمه وفي لفظ : إن أفضلكم من تعلم القرآن وعلمه .
قال ابن كثير رحمه الله بعد إيراده حديث عثمان رضي الله عنه : (والغرض أنه عليه الصلاة والسلام قال : خيركم من تعلم القرآن وعلمه وهذه صفات المؤمنين المتبعين للرسل وهم الكُمَّل في أنفسهم المكمِّلون لغيرهم ، وذلك جمع بين النفع القاصر والمتعدي وهذا بخلاف صفة الكفار الجبارين الذين لا ينفعون ولا يتركون أحدًا ممن أمكنهم أن ينتفع ، كما قال تعالى : الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ زِدْنَاهُمْ عَذَابًا فَوْقَ الْعَذَابِ (النحل : 88) . . . كما أن شأن الأخيار الأبرار أن يكتمل في نفسه وأن يسعى في تكميل غيره . . . وقد كان أبو عبد الرحمن عبد الله بن حبيب السلمي الكوفي أحد أئمة الإسلام ومشايخهم ممن رغب في هذا المقام فقعد يعلم الناس من إمارة عثمان إلى أيام الحجاج قالوا : وكان مقدار ذلك الذي مكث يعلم فيه القرآن سبعين سنة ، رحمه الله وأثابه وآتاه ما طلبه ورامه آمين) .
وأخرج مسلم عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : وما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله يتلون كتاب الله ويتدارسونه بينهم إلا نزلت عليهم السكينة وغشيتهم الرحمة وحفتهم الملائكة وذكرهم الله فيمن عنده . . . . فضل حفظ القرآن عن ظهر قلب
وإذا ثبتت الفضيلة لقارئ القرآن فلا شك أن حفظ القرآن عن ظهر قلب أعلى مرتبة وأشرف منزلة ، لأن القرآن قد استقر في قلب حافظه ، يقرؤه في كل مكان وزمان لا يشعر من حوله بقراءته ، فيسلم بإذن الله من الوقوع في الرياء ، أسأل الله أن يعيذني وإياكم من الشرك صغيره وكبيره ، عن عائشة رضي الله عنها عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : مثل الذي يقرأ القرآن وهو حافظ له مع السفرة الكرام البررة . . . وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : إن الذي ليس في جوفه شيء من القرآن كالبيت الخرب .
وانظر حفظك الله إلى هذا التمثيل البالغ في الدقة ، فالبيت الخرب الذي لا يسكنه أحد يكون مأوى لكل شر ، فهو محل آمن لارتكاب الجريمة أيًّا كان نوعها ، وهو كذلك مأوى للكلاب والحيوانات الهاملة تأوي إليه وتقذره ، ومأوى للجن والشياطين ، فليحذر كل مؤمن عاقل أن يجعل قلبه كالبيت الخرب ، وعليه أن يبذل جهده لحفظ كتاب الله أو شيء منه ، فحفظ القرآن يرفع مكانة صاحبه في الدنيا والآخرة ، ومن الأدلة على ذلك بالإضافة إلى ما سبق ما أخرجه الشيخان : عن سهل بن سعد : أن امرأة جاءت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت : يا رسول الله جئت لأهب لك نفسي ، فنظر إليها رسول الله صلى الله عليه وسلم فصعد النظر إليها وصوبه ثم طأطأ رأسه ، فلما رأت المرأة أنه لم يقض فيها شيئًا جلست ، فقام رجل من أصحابه فقال : يا رسول الله ، إن لم يكن لك بها حاجة فزوجنيها ، فقال له : " هل عندك من شيء؟ " فقال : لا والله يا رسول الله ، قال : " اذهب إلى أهلك فانظر هل تجد شيئًا : " فذهب ثم رجع فقال : لا والله يا رسول الله ما وجدت شيئًا : قال : " انظر ولو خاتمًا من حديد" ، فذهب ثم رجع فقال : لا والله يا رسول الله ، ولا خاتمًا من حديد ، ولكن هذا إزاري- قال سهل : ما له رداء - فلها نصفه ، فقال رسول صلى الله عليه وسلم : "ما تصنع بإزارك "؟ إن لبستَه لم يكن عليها منه شيء ، وإن لبسته لم يكن عليك شيء" فجلس الرجل حتى طال مجلسه ، ثم قام فرآه رسول الله صلى الله عليه وسلم موليًا فأمر به فدعي ، فلما جاء قال : "ماذا معك من القرآن" قال : معي سورة كذا وسورة كذا وسورة كذا عدها ، قال : "أتقرؤهن عن ظهر قلب؟ " قال : نعم ، قال : "اذهب فقد ملكتكها بما معك من القرآن" . .
وابن كثير رحمه الله عند إيراده لحديث : خذوا القرآن من أربعة : عبد الله بن مسعود وسالم ومعاذ بن جبل وأبي بن كعب ، قال : (وقد كان سالم هذا من سادات المسلمين وكان يؤم الناس قبل مقدم النبي صلى الله عليه وسلم المدينة ، وسالم هذا هو مولى أبي حذيفة رضي الله عنهما) .
. . .يتبع . . .
الروابط المفضلة