الزاوية الأولى :
جلس جدو نعمان يقرأ في سورة ( ... ) التي تحكي قصة هذا النبي كاملا ً ...
ثم فكر أن يحكي قصته لأحفاده .
فناداهم فاجتمعوا حوله مسرورين ...
وبدأ بقص القصة ...
( في ليلة من الليالي رأى نبينا -عليه السلام- وهو نائم رؤيا عجيبة، ( .......... ) فلما استيقظ،
ذهب إلى أبيه في هذه الرؤيا. فعرف أن ابنه سيكون له شأن عظيم، فحذره من أن يخبر إخوته برؤياه، فيفسد الشيطان قلوبهم، ويجعلهم يحسدونه على ما آتاه الله من فضله، فلم يقص رؤيته على أحد.
وكان الأب يحب ابنه النبي حبًّا كبيرًا، ويعطف عليه ويداعبه، مما جعل إخوته يحسدونه، ويحقدون عليه، فاجتمعوا جميعا ليدبروا له مؤامرة تبعده عن أبيه.
فاقترح أحدهم أن يقتلوه أو يلقوه في أرض بعيدة، فيخلو لهم أبوهم، وبعد ذلك يتوبون إلى الله،
ولكن واحدًا آخر منهم رفض قتله ، واقترح عليهم أن يلقوه في بئر بعيدة، فيعثر عليه بعض السائرين في الطريق، ويأخذونه ويبيعونه.
ولقيت هذه الفكرة استحسانًا وقبولاً، واستقر رأيهم على نفيه وإبعاده، وأخذوا يتشاورون في تدبير الحيلة التي يمكن من خلالها أخذه وتنفيذ ما اتفقوا عليه، ففكروا قليلا،
ثم ذهبوا إلى أبيهم وقالوا له: يا أبانا ما لك لا تأمنا على أخينا وإنا له لناصحون
فأجابهم الأب أنه لا يقدر على فراقه ساعة واحدة، وقال لهم: أخاف أن يأكله الذئب وأنتم عنه غافلون
فقالوا: لئن أكله الذئب ونحن عصبة إنا إذا لخاسرون
وفي الصباح، خرج الأبناء جميعًا ومعهم النبي إلى الصحراء، ليرعوا أغنامهم،
وما إن ابتعدوا به عن أبيهم حتى تهيأت لهم الفرصة لتنفيذ اتفاقهم، فساروا حتى وصلوا إلى البئر، وخلعوا ملابسه ثم ألقوه فيها،
وشعر النبي بالخوف، والفزع، لكن الله كان معه، حيث أوحى إليه ألا تخاف ولا تجزع فإنك ناج مما دبروا لك.
وبعد أن نفذ إخوته مؤامرتهم، جلسوا يفكرون فيما سيقولون لأبيهم عندما يسألهم، فاتفقوا على أن يقولوا لأبيهم إن الذئب قد أكله، وذبحوا شاة، ولطخوا بدمها قميص النبي .
وفي الليل، عادوا إلى أبيهم، ولما دخلوا عليه بكوا بشدة، فنظر الأب إليهم ولم يجد فيهم ابنه الحبيب معهم، لكنهم أخبروه أنهم ذهبوا ليتسابقوا، وتركوه ليحرس متاعهم،
فجاء الذئب ظهر وأكله، ثم أخرجوا قميصه ملطخًا بالدماء، ليكون دليلا لهم على صدقهم.
فرأى الأب القميص سليمًا، حيث نسوا أن يمزقوه،
فقال لهم: عجبًا لهذا الذئب كان رحيمًا به أكله دون أن يقطع ملابسه.
ثم قال لهم مبينًا كذبهم: بل سولت لكم أنفسكم أمرًا فصبرٌ جميل والله المستعان على ما تصفون.
أما النبي فكان لا يزال حبيسًا في البئر ينتظر الفرج والنجاة، وبينما هو كذلك،
مرت عليه قافلة متجهة إلى مصر، فأرادوا أن يتزودوا من الماء، فأرسلوا أحدهم إلى البئر ليأتيهم بالماء، فلما ألقى دلوه تعلق به ،
فنظر في البئر فوجد غلامًا جميلاً يمسك به، ففرح الرجل ونادى رجال القافلة، فأخرجوه ، وأخذوه معهم إلى مصر ليبيعوه.
وكان عزيز مصر في هذا اليوم يتجول في السوق، ليشتري غلامًا له؛ لأنه لم يكن له أولاد، فوجد هؤلاء الناس يعرضونه للبيع، فذهب إليهم، واشتراه منهم بعدة دراهم قليلة.
ورجع عزيز مصر إلى زوجته، وهو سعيد بالطفل الذي اشتراه، وطلب من زوجته أن تكرم هذا الغلام، وتحسن معاملته، فربما نفعهما أو اتخذاه ولدًا لهما، وهكذا مكن الله لنبينا في الأرض فأصبح محاطًا بعطف العزيز ورعايته.
ومرت السنون، وكبر النبي ، وأصبح شابًا قويًّا، رائع الحسن .
طلبت منه امرأة العزيز أن يقوم بأعمال مشينه لا تليق به . فرفض بشدة . فعملت على سجنه
فسجنوه، وظل النبي في السجن فترة، ودخل معه السجن فتيان أحدهما خباز والآخر ساقي،
ورأيا من أخلاقه وأدبه وعبادته لربه ما جعلهما يعجبان به، فأقبلا عليه ذات يوم يقصان عليه ما رأيا في نومهما،
قال أحدهما إني أراني أعصر خمرا وقال الآخر إني أراني أحمل فوق رأسي خبزا تأكل الطير منه نبئنا بتأويله إنا نراك من المحسنين
ففسر لهما رؤياهما، بأن أحدهما سيخرج من السجن، ويرجع إلى عمله كساق للملك، وأما الآخر وهو خباز الملك فسوف يصلب، وتأكل الطير من رأسه.
وقبل أن يخرج ساقي الملك من السجن طلب من النبي أن يذكر أمره عند الله، ويخبره أن في السجن بريئًا حبس ظلمًا، حتى يعفو عنه، ويخرج من السجن،
ولكن الساقي نسى، فظل النبي في السجن بضع سنين، وبمرور فترة من الزمن تحقق ما فسره لهما النبي .
وفي يوم من الأيام، نام الملك فرأى في منامه سبع بقرات سمان يأكلهن سبع نحيفات، وسبع سنبلات خضر وأخر يابسات،
فقام من نومه خائفا مفزوعًا مما رآه، فجمع رجاله وعلماء دولته، وقص عليهم ما رآه، وطلب منهم تفسيره، فأعجزهم ذلك،
وأرادوا صرف الملك عنه حتى لا ينشغل به، فقالوا: أضغاث أحلام وما نحن بتأويل الأحلام بعالمين
لكن هذه الرؤيا ظلت تلاحق الملك وتفزعه أثناء نومه، فانشغل الملك بها، وأصر على معرفة تفسيرها،
وهنا تذكر الساقي أمر النبي، وطلب أن يذهب إلى السجن ليقابل النبي، وهناك طلب منه أن يفسر رؤيا الملك،
ففسر النبي البقرات السمان والسنبلات الخضر بسبع سنين يكثر فيها الخير وينجو الناس فيه من الهلاك.
ولم يكتف النبي بتفسير الحلم، وإنما قدم لهم الحل السليم. وما يجب عليهم فعله تجاه هذه الأزمة، وهو أن يدخروا في سنوات الخير ما ينفعهم في سنوات القحط والحاجة من الحبوب بشرط أن يتركوها في سنابلها، حتى يأتي الله بالفرج.
ولما عرف الساقي تفسير الرؤيا، رجع إلى الملك ليخبره بما قاله له النبي. ففرح الملك فرحًا شديدًا، وراح يسأل عن ذلك الذي فسر رؤياه، وقال الملك على الفور: ائتوني به.
فذهب رسول الملك إلى النبي وقال له: أجب الملك، فإنه يريد أن يراك، ولكن النبي رفض أن يذهب إلى الملك قبل أن تظهر براءته، ويعرف الملك ما حدث له .
فأرسل الملك في طلب امرأة العزيز وأظهرت امرأة العزيز براءة النبي أمام الناس جميعًا.
عندئذ أصدر الملك قراره بتبرئة النبي مما اتهم به، وأمر بإخراجه من السجن وتكريمه، وتقريبه إليه. ثم خيره أن يأخذ من المناصب ما شاء
فقال: اجعلني على خزائن الأرض إني حفيظ عليهم.
فوافق الملك على أن يتقلد النبي هذا المنصب لأمانته وعلمه.
وتحققت رؤيا الملك، وانتهت سنوات الرخاء، وبدأت سنوات المجاعة، وجاء الناس من كل مكان في مصر والبلاد المجاورة ليأخذوا حاجتهم من خزائن الملك.
وفي يوم من الأيام، وأثناء توزيع الحبوب على الناس إذا بالنبي أمام رجال يعرفهم بلغتهم وأشكالهم وأسمائهم،
وكانت مفاجأة لم يتوقعوها، إنهم إخوته، الذي ألقوه في البئر وهو صغير، لقد جاءوا محتاجين إلى الطعام، ووقفوا أمامه دون أن يعرفوه،
فقد تغيرت ملامحه بعدما كبر، فأحسن إليهم، وأنسوا هم به، وأخبروه أن لهم أخا أصغر من أبيهم لم يحضر معهم، لأن أباه يحبه ولا يطيق فراقه.
فلما جهزهم بحاجات الرحلة، وقضى حاجتهم، وأعطاهم ما يريدون من الطعام،
قال لهم: ائتوني بأخ لكم من أبيكم ألا ترون أني أوفي الكيل وأنا خير المنزلين. فإن لم تأتوني به فلا كيل لكم عندي ولا تقربون.
فأظهروا أن الأمر ليس ميسورا وسوف يمانع، ليستبدلوا بها القمح والعلف في رحالهم بدلا من القمح فيضطروا إلى العودة إليه بأخيهم.
وعاد إخوة النبي إلى أبيهم، وقالوا: يا أبانا منع منا الكيل فأرسل معنا أخانا نكتل وإنا له لحافظون، فرفض الأب.
وذهب الإخوة إلى بضاعتهم ليخرجوها ففوجئوا ببضاعتهم الأولى التي دفعوها ثمنا، ولم يجدوا قمحا،
فأخبروا والدهم أن بضاعتهم قد ردت إليهم، ثم أخذوا يحرجون أباهم بالتلويح له بمصلحة أهلهم في الحصول على الطعام، ويؤكدون له عزمهم على حفظ أخيهم، ويرغبونه بزيادة الكيل لأخيهم، فقد كان النبي يعطي لكل فرد حمل بعير.
فقال لهم أبوهم: لن أرسله معكم حتى تؤتون موثقا من الله لتأتنني به إلا أن يحاط بكم
فلما آتوه موثقهم قال الله على ما نقول وكيل،
ولم ينس أن يوصيهم في هذا الموقف وينصحهم،
قال لهم: يا بني لا تدخلوا من باب واحد وادخلوا من أبواب متفرقة وما أغني عنكم من الله من شيء إن الحكم إلا لله عليه توكلت وعليه فليتوكل المتوكلون .
وسافر الإخوة إلى مصر، ودخلوها من حيث أمرهم أبوهم، ولما وقفوا أمام أخوهم ، دعا أخاه الصغير، وقربه إليه، واختلى به، وأخبره أنه أخوه.
ثم وزن البضاعة لإخوته، فلما استعدوا للرحيل والعودة إلى بلادهم، إذا بالنبي يريد أن يستبقي أخاه بجانبه،
فأمر فتيانه بوضع السقاية (إناء كان يكيل به) في رحل أخيه الصغير، وعندما بدأت القافلة في الرحيل إذا بمناد ينادي ويشير إليهم: إنكم لسارقون
فأقبل الإخوة يتساءلون عن الذي فقد، فأخبره المنادي أنه فقد مكيال الملك، وقد جعل لمن يأتي به مكافأة قدرها حمل بعير.
وهنا لم يتحمل إخوة النبي ذلك الاتهام، فدخلوا في حوار ساخن مع النبي ومن معه، فهم ليسوا سارقين وأقسموا على ذلك. فقال الحراس: فما جزاؤه إن كنت كاذبين.
هنا ينكشف التدبير الذي ألهمه الله النبي، فقد كان الحكم السائد في شريعة بني إسرائيل أن السارق يكون عبدًا للمسروق منه، ولما كان النبي يعلم أن هذا هو جزاء السارق في شريعة بني إسرائيل،
فقد قبل أن يحتكم إلى شريعتهم دون شريعة المصريين، ووافق إخوته على ذلك لثقتهم في أنفسهم. فأصدر النبي الأوامر لعماله بتفتيش أوعية إخوته. فلم يجدوا شيئا، ثم فتشوا وعاء أخيه، فوجدوا فيه إناء الكيل.
وتذكر إخوة النبي ما وعدوا به أباهم من عودة أخيهم الصغير إليه، فقالوا: يا أيها العزيز إن له أبا شيخا كبيرا فخذ أحدنا مكانه إنا نراك من المحسنين.
فقال النبي: معاذ الله أن نأخذ إلا من وجدنا متاعنا عنده إنا إذًا لظالمون.
وهكذا مكن الله لنبينا أن يحتفظ بأخيه، أما الإخوة فقد احتاروا وجلسوا يفكرون فيما سيقولونه لأبيهم عندما يعودون، فقرر كبيرهم ألا يبرح مصر، وألا يواجه أباه إلا أن يأذن له أبوه، أو يقضي الله له بحكم،
وطلب منهم أن يرجعوا إلى أبيهم، ويخبروه صراحة بأن ابنه سرق، فأخذ بما سرق، وإن شك في ذلك؛ فليسأل القافلة التي كانوا معها أو أهل المدينة التي كانوا فيها.
فعادوا إلى أبيهم وحكوا له ما حدث، إلا أن أباهم لم يصدقهم،
وقال: بل سولت لكم أنفسكم أمرا فصبر جميل عسى الله أن يأتيني بهم جميعًا إنه هو العليم الحكيم،
ثم تركهم، وأخذ يبكي على النبي وأخيه، حتى فقد بصره،
فاغتاظ أبناءه وقالوا: تالله تفتأ تذكر(... ) حتى تكون حرضًا أو تكون من الهالكين .
فرد الأب عليهم أنه يشكو أمره لله، وليس لأحد من خلقه، وطلب منهم أن يذهبوا ليبحثوا عن النبي وأخيه، فهو يشعر بقلب المؤمن أن النبي مازال حيًّا، والمؤمن لا ييأس من رحمة الله أبدًا.
وتوجه الأبناء إلى مصر للمرة الثالثة يبحثون عن أخيهم، ويلتمسون بعض الطعام، وليس معهم إلا بضاعة رديئة.
ولما وصلوا مصر دخلوا على النبي،
فقالوا له: يا أيها العزيز مسنا وأهلنا الضر وجئنا ببضاعة مزجاة فأوف لنا الكيل وتصدق علينا إن الله يحب المتصدقين.
ففاجأهم النبي بهذا السؤال: هل علمتم ما فعلتم ب( .... ) وأخيه إذ أنتم جاهلون،
فتنبهوا إلى رنين هذا الصوت، وإلى هذه الملامح التي ربما يعرفونها، فقالوا: (أئنك لأنت هو)
فأخبرهم بحقيقته، وبفضل الله عليه. فاعتذر له إخوته، وأقروا بخطئهم، فعفا عنهم، وسأل الله لهم المغفرة. ثم سألهم عن أبيه، فعلم منهم أنه قد فقد بصره بسبب حزنه عليه،
فقال لهم: اذهبوا بقميصي هذا فألقوه على وجه أبي يأت بصيرًا وأتوني بأهلكم أجمعين.
فأخذوا القميص وخرجوا من مصر متوجهين إلى فلسطين وقبل أن تصل العير
قال الأب لمن حوله: إني لأجد ريح ( ... ) لولا أن تفندون،
فقالوا له: تالله إنك لفي ضلالك القديم
وبعد أيام عاد إخوة النبي إلى أبيهم، وبشروه بحياة أخيهم النبي وسلامة أخيه، ثم أخرجوا قميصه، ووضعوه على وجه الأب، فارتد إليه بصره.
وطلب إخوة النبي من أبيهم أن يستغفر لهم، فوعدهم بأنه سيستغفر لهم الله وقت السحر؛ لأن هذا أدعى إليه استجابة الدعاء.
وغادر بنو إسرائيل أرضهم متوجهين إلى مصر، فلما دخلوها، استقبلهم أخوهم بترحاب كبير، وأكرم أبويه، فأجلسهما على كرسيه . وهنا تم تفسير حلمه القديم ...
ثم توجه النبي -عليه السلام- إلى الله -عز وجل- يشكره على نعمه،
فقال: رب قد آتيتني من الملك وعلمتني من تأويل الأحاديث فاطر السموات والأرض أنت وليي في الدنيا والآخرة توفني مسلمًا وألحقني بالصالحين ) .
الزاوية الثانية :
أردت أن تذهب مع أبيك إلى الصلاة ...
فدخلت بيت الخلاء لقضاء حاجتك ثم توجهت للوضوء ...
انتهت المسابقة
الروابط المفضلة