** الصدقة تدفع المكروه **
بسم الله الرحمن الرحيم
تراكمت الخلافات بيني و بين زوجي إلى أن وصلت إلى ذروتها منذ فترة، فقررنا أن نقف وقفة صدق لنناقش وضع حياتنا الزوجية بصراحة، و يبوح كل منا بما في نفسه - ما يزعجه ، ما يتوقعه من الطرف الآخر ، ماذا يشعر، ماذا يفكر، إلخ ...
بعد جلسة درامية استمرت ساعات ، قررنا أن أسافر إلى بلدي ( إذ نعيش في الغربة) في إجازة صيفية مطولة، لكي نراجع حساباتنا بهدوء ، و نتخذ قرارنا - بناء على ما قد ناقشناه - بتروي و من دون أية ضغوطات..
شاء القدر أن ينشب خلاف عظيم بين أقرب معارفنا هناك في بلاد الغربة، و بين زوجته، سافرت إثره الزوجة إلى بلدها كخطوة أولى في إجراءات الطلاق.
كانت الزوجة في حال يرثى لها، فهي لم تعد تطيق العيش مع زوجها في ظل قوانينه المجحفة بحقها ( من وجهة نظرها على الأقل) من جهة ،
و لم تكن عودتها إلى أسرتها مع أطفالها أمر مرحب به و لا مقدور عليه من جهة أخرى..
بداية الأمر لم أرحب بإقحامي في الموضوع على أساس " يللي فيني بيكفيني"، و أيضاً على أساس " يللي داخل بين البصلة و قشرتها..."
و لكنني بفضل الله طردت وسواس الشيطان ، و قلت " يا رب ، سبحانك تعلم مدى كراهيتي للتدخل في شؤون العباد، و أنت يا رب أعلم بحالتي النفسية الآن، و إني أشهدك أنني عزمت على مساعدة أختي هذه كصدقة على نية إصلاح شأني و هدايتي للقرار السليم في حياتي الخاصة"
بالفعل أمضيت الساعات أستمع لها و أهدئها و أقنعها بإعطائه فرصة أخرى و أساعدها في تحديد مطالبها ... و أخيراً إيصال هذه المطالب إلى زوجها..
هذه الخطوة الأخيرة كانت لتتم عبر زوجي طبعا ..
من عادتي أنا و زوجي أننا مهما اختلفنا، لا نشعر أحداً بذلك - سواء الأهل أو المعارف ، بل نبقي الأمر بيننا إلى أن نتوصل إلى حل..
بالتالي كان لا بد أن نتغاضى عن قرار البعد المؤقت عن التواصل خلال إجازتي..
كل يوم أحادثها و أوافيها بالتطورات، ثم يتصل زوجي مساء فنتبادل النشرات
هو يعطيني لائحة بشروط الزوج، و أنا أعطيه لائحة بمطالب الزوجة..
يتخلل ذلك تحليلاتنا الخاصة و تبادل الآراء و النظريات الفلسفية و الاجتماعية و الإنسانية و و و حديث يومي يطول..
بدأت الأمور بينهما تتخذ منعطفاً إيجابيا، و تحلحلت الخلافات الفكرية و ردت الحقوق المعنوية المهدورة ، و لم يبق سوى خلاف مادي لم يستطع أي منهما تجاوزه سبحان الله..
تكثفت الجهود و تضاعفت الإتصالات ، و لكن لا حياة لمن تنادي..
شخصيا قلت في نفسي ، يبدو أن هذا التعسير الغريب ( إذ أن الخلافات الكبيرة حلت و هذا العائق المادي المقدور عليه كاد أن يهدم كل شيء) إنما هو جواب استخارة هذه الزوجة..
التعسير علامة عدم الرضا، فخير إن شاء الله..
ما إن اطمأننت إلى هذه الفكرة ، حتى جاءني إتصال من زوجي يقول : مبارك، تم دفع المبلغ و زال العائق !
أصبت بدهشة شديدة .. قلت : سبحان الله، ما هذا التحول المفاجئ ؟!
فرد ضاحكا : لا تسألي و تضيعي الوقت ، إذهبي فأخبريها قبل أن يغير رأيه..
بالفعل أخبرتها، و كانت دهشتها أعظم من دهشتي، و سويت الأمور بسرعة و عادت إلى زوجها..
في طبيعة الحال، التواصل اليومي مع زوجي كسر الجليد بيننا، و كأنما حل خلافات غيرنا جعلنا نرى أننا "بألف نعمة"، فلم يعد أي منا يأتي على ذكر موضوع خلافنا الشخصي..
و بعد انقضاء عطلتي المطولة عدت إلى بيتي..
بعد أيام، في جلسة صفاء ، جئنا على ذكر ما حصل بين ذاك الرجل و زوجته
و عدت أكرر عدم استيعابي للسبب الذي جعل الرجل يلين بهذا الشكل في الختام
فقال زوجي : أود أن أعترف لك بسر .. أنا الذي دفعت المبلغ..
فسألت باستغراب و دهشة : و لم فعلت ذلك و أنت تمر في ضائقة مالية، و المبلغ كبير!! إن لم يكن هو محروق على زوجته و شاريها ، فما دخلك أنت ؟؟
فقال : هو ليس شاريا لزوجته، و لكنني محروق على زوجتي و شاريها.. و لقد دفعت المبلغ كصدقة بنية الإصلاح بيننا، و ها قد عدتِ إلى منزلكِ من جديد...
هذا هو مفعول الصدقة يا أخوات..
أنا تصدقت بجهدي، و بتنازلي عن قرارات تمس حياتي الشخصية
و زوجي تصدق بمال كان بحاجة إليه حينها..
قال رسول الله صلى الله عليه و سلم :
"فتنة الرجل في أهله و ماله و ولده و جاره تكفرها الصلاة و الصدقة و المعروف" صحيح البخاري
أختكم ي . أ
الروابط المفضلة